في وقت كَثُر الحديث عن “حرب الرقائق” الإلكترونية والتنافس بين الدول المصنّعة بشأنها، تبحث الإدارة الأميركية إمكانيّة الاستعانة بقانونٍ للأمن الوطني يعود إلى فترة الحرب الباردة، لإجبار الشركات على تقديم معلومات بشأن مخزونها ومبيعاتها من الرقائق.
وبينما طلب الرئيس التنفيذي لشركة “إنتل” مساعدة الحكومة الأميركية في دعم تصنيع الرقائق، رأى الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة توماس فريدمان أنّ “هذه الرقائق الصغيرة تشكّل الركيزة الأساسية للاقتصاد الرقميّ في القرن الحادي والعشرين”.
في وقت كَثُر الحديث عن “حرب الرقائق” الإلكترونية والتنافس بين الدول المصنّعة بشأنها، تبحث الإدارة الأميركية إمكانيّة الاستعانة بقانونٍ للأمن الوطني يعود إلى فترة الحرب الباردة، لإجبار الشركات على تقديم معلومات بشأن مخزونها ومبيعاتها من الرقائق
استهلّ الكاتب مقاله بالقول: “منذ أن قام دنغ ياوبنغ، الذي قادَ الصين بين عاميْ 1978 و1992، بفتح بلاده على العالم، كان كثيرون في الدول الغربيّة يرغبون بمشاهدة نجاح الصين، لاعتقادهم أنّها تخطّ مسارها نحو اقتصاد ومجتمع أكثر انفتاحاً، على الرغم من هيكلها السياسي. لكنّ الرئيس شي جين بينغ عمل بطريقة أخرى قد تؤثّر على تنمية الصين في المستقبل، ويكون لها تداعيات أيضاً على باقي دول العالم”.
واعتبر أنّ “ما يقوم به الرئيس الصيني يُسهم في تراجع الثقة بين روّاد الأعمال في بلده وبين الأجانب في ما يتعلّق بقواعد العمل داخل الصين، ويقوِّض الثقة بأنّ الصين لن تتحرّك قريباً باتجاه تايوان، وهو ما يمكن أن يثير صراعاً مباشراً مع الولايات المتحدة”.
لا يريد الكاتب أن يُكتَب النجاح لاستراتيجية شي المتشدّدة، لأنّ سيطرته لها تداعيات كبرى على كلّ دولة واقتصاد حرّ في المحيط الهادئ، لكنّه لا يرغب أيضاً برؤية الصين البالغ عدد سكّانها 1.4 مليار نسمة تفشل أو تنكسر، لأنّ انكسار الصين وزعزعة استقرارها سينسحبان بتأثيرهما على الكثير من الأمور الحياتية، وهذا ما يصفه فريدمان بأنّه “معضلة حقيقيّة”.
وقارن الكاتب ما بين ستيف جوبز، وبين مؤسّس “علي بابا ” جاك ما، الذي غابَ عن الساحة في الآونة الأخيرة، ولم يسأل عنه عبر محرّك البحث العملاق “غوغل” سوى عدد قليل من الأشخاص. ولفت إلى أنّ بعض التقارير الإخبارية ذكرت أنّه ظهر في هونغ كونغ، لكنّ تقارير أخرى تشير إلى أنّه كان قيد الإقامة الجبرية خلال العام الماضي، وذلك خلال الفترة التي تلت خطاباً ألقاه وانتقد فيه المنظّمين الماليّين في الصين والمصارف المملوكة للدولة. وبالفعل فقد اتّخذ شي تدابير صارمة ضد إمبراطورية علي بابا العالمية. وقال فريدمان: “ما حدثَ يُشبه السيناريو التالي، وكأنّ شي قال: إذا تحتّم عليّ الاختيار بين أن يكون علي بابا وتينسنت وبايدو وجميع عمالقة التكنولوجيا الصينيّين الآخرين أبطالاً على مستوى عالمي، يتمتّعون بموارد ماليّة، ويملكون بيانات ضخمة خاصّة بهم، ولكنّهم ليسوا في قبضة الحزب الشيوعي، وبين جعلهم شركات من الدرجة الثانية تحت سيطرتي، فسألجأ إلى الخيار الثاني”.
وبينما طلب الرئيس التنفيذي لشركة “إنتل” مساعدة الحكومة الأميركية في دعم تصنيع الرقائق، رأى الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة توماس فريدمان أنّ “هذه الرقائق الصغيرة تشكّل الركيزة الأساسية للاقتصاد الرقميّ في القرن الحادي والعشرين”
وأشار فريدمان إلى أنّ “الرئيس الصينيّ رأى كيف ساهمت الشركات التكنولوجيّة في تفاقم التوتّرات الاجتماعية في مجتمعاتها، وزيادة فجوات الدخل، عدا عن الاحتكار وتعبيد الطريق للهيمنة على الحكومات. لا يريد شي هذه الطريقة من العمل”، لكن سأل الكاتب: “هل هذا يعني أنّه سيجعل مؤسِّسي الشركات يختفون؟”، وأضاف: “يجب أن يطرح كلّ مبتكر صيني شابّ السؤال التالي: ما هو مستقبلي هنا؟ ما هي القواعد الجديدة؟”.
إضافةً إلى قصة جاك ما الذي أفادت “فايننشال تايمز” أنّه قام للمرّة الأولى بالسفر خارج الصين ووجهته أوروبية، عرّج فريدمان على قصّة أخرى بدأت مع إعلان وزيرة الخارجية الأسترالية ماريز باين في نيسان الماضي أنّها تدعم إجراء تحقيق مستقلّ في كيفيّة نشوء فيروس “كورونا”، فما كان من الصين إلا أن ردّت بشكل مبالغ فيه عبر خفض وارداتها من لحم البقر والنبيذ والفحم من أستراليا.
ثمّ أرسلت الصين 150 طائرة لاستكشاف المجال الجوّيّ بالقرب من تايوان، ونيّتها التذكير بأنّها تعمل بجدّيّة لتمهيد الطريق والسيطرة على تايوان باستخدام القوّة.
وعلى الرغم من أسلوب الاستقواء الصيني، إلا أنّ عليها أن تدرك أنّ هذه الطريقة لن تكون ناجعة في حالة أشباه الموصلات، بحسب الكاتب الذي رأى أنّ “هذه الرقائق الصغيرة تشكّل الركيزة الأساسية للاقتصاد الرقمي في القرن الحادي والعشرين، وتايوان لديها شركة لصناعة أشباه الموصلات المحدودة TSMC التي تُعتبر الأكثر تطوّراً في العالم”. ولفت الكاتب إلى أنّ الصين القريبة من تايوان في الكثير من النواحي، لم تستطع إتقان تصنيع الشرائح المتقدّمة التي تصنعها الشركة التايوانيّة التي تمتلك حوالي 50% من السوق، وتمتلك هي ومنافستها الكورية الجنوبية “سامسونغ” المسابك الوحيدة في العالم القادرة على صنع رقائق بقطر 5 نانومتر. ومن المتوقّع أن تبدأ الشركة التايوانيّة بإنتاج رقائق بقطر 3 نانومتر في عام 2022. هذا وتقف أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين عند حدّ 28 نانومتراً، وقد بدأت أخيراً في إنتاج بعض الرقائق التي يبلغ قطرها 14 نانومتراً.
في هذا السياق، أشار فريدمان إلى أنّه أمضى بعض الوقت أخيراً في وادي السيليكون، وسأل مصمّمي الرقائق والشرائح الدقيقة الأميركيين عن سرّ عمل TSMC التي لا تستطيع الصين تقليدها، فأجابوا أنّ السرّ هو الثقة، فالشركة التايوانيّة تصنع الرقائق التي يصمّمها العديد من الشركات الرائدة مثل آبل وغيرها، وتمكّنت من إنشاء نظام مميّز من الشركاء الموثوق بهم الذين يشاركون ملكيّتهم الفكرية معها لتنتج الرقائق الخاصّة بهم. وإنّ شركات الأدوات الرائدة، مثل الموادّ التطبيقية، في الولايات المتحدة، وASML، وهي شركة هولندية وحالياً أكبر مورّد في العالم لنظم الطباعة الضوئية لصناعة أشباه الموصلات، تبيع أفضل أدواتها لصنع الرقائق إلى TSMC، وهو ما يساعدها على أن تبقى في المقدّمة في هذا المجال التكنولوجيّ المتطوّر.
في هذا السياق، علّق ستيف بلانك، وهو مبتكر أشباه الموصلات، قائلاً “إنّ TSMC تتصرّف دائماً كشركة ناشئة وتصنع أفضل ما لدى الجميع، أمّا شركة إنتل الرائدة في صناعة الرقائق في الولايات المتحدة، فقد ضلّت طريقها وقامت بصنع كل شيء بمفردها”.
إقرأ أيضاً: توماس فريدمان: هل تشرع واشنطن بحربٍ جديدة؟
وشدّد فريدمان على أنّه لا يمكن صناعة أهمّ الرقائق في العالم اليوم بدون الاستعانة بخبرات الخبراء في وادي السيليكون أو الشركاء الموثوق بهم، وكلّ ما يقوم به الرئيس الصيني، من طريقة التعامل مع جاك ما إلى الردّ على أستراليا وصولاً إلى تايوان، يؤدّي إلى إبعاد هؤلاء عنه.
واختتم فريدمان مقاله بالإشارة إلى أنّ أحد المسؤولين الأميركيين في صناعة الرقائق قال له “إنّ الصينيين قاموا بالتكرار والنسخ، لكنّهم لم يخلقوا نظاماً مشابهاً لـTSMC، والسبب باختصار هو أنّه لا توجد ثقة”.