على الرغم من الأزمات المتتالية التي تعصف بلبنان، لم تُعِرهُ الصحف العالميّة الاهتمام اللازم، وانشغلت بتغطية قضايا “كوفيد 19” والمناخ وغيرها من الأمور التي انشغل العالم بها. هذا ما أشارت إليه صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة التي خصّصت منذ أسبوع حيّزاً كبيراً من نشرتها الإخباريّة للحديث عن نشوء الأزمة اللبنانية وما آلت إليه، وصولاً إلى الحلّ الكامن بضخّ عملات صعبة، على طريقة عمليّات الإنقاذ التي يقدّمها صندوق النقد الدولي، وغيرها من المساعدات.
وقد تابعت الصحيفة نشر مقالات تسلِّط الضوء على لبنان، من بينها تقرير أعدّته نيكول دانييل، غاصت خلاله في تفاصيل “أسوأ انهيار اقتصادي يشهده لبنان منذ أكثر من قرن”. ثمّ ذكّرت بمقال رأي كتبته الصحافية اللبنانية لينا منذر، وفيه أنّ “لبنان الذي نعرفه انتهى”.
من جانبها، نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مقالاً للكاتبة أنكال فورا عن أحداث الطيّونة الأخيرة، وعن “المعركة المفتوحة، وتراجع فرص العدالة السياسية”. وقد لفتت الكاتبة إلى أنّ إطلاق النار لم يهدأ لساعات في بلد غارق أصلاً في الكثير من الأزمات، في مقدَّمها تعذُّر توفير المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي، مهدِّداً بأن ينغمس البلد في “عنف طائفيّ”، على حدّ تعبير الكاتبة التي نقلت عن بعض الناشطين خشيتهم من “عودة الحرب الأهليّة من جديد”.
في هذا السياق، علّق المحلّل سامي نادر، في حديث للمجلّة، بأنّ “التوتّرات الطائفيّة تزايدت على الرغم من أنّ هويّة القنّاصين غير واضحة”.
في مقالٍ آخر، أعدّته مديرة مكتب “واشنطن بوست” في بيروت ليز سلاي والكاتبة سارة دعدوش، اعتبر محلّلون أنّه “مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية، فمن غير المرجّح أن تهدأ التوتّرات قريباً. وقد يؤدّي استمرار الاضطرابات إلى تأجيل الانتخابات”.
ونشرت “واشنطن بوست” مقالاً آخر أعدّه عادل مالك وجمال حيدر، سألا خلاله: “لماذا لا يستطيع قادة لبنان معالجة أزمته الاقتصادية؟”. وذكّرا بأسوأ المحطّات التي مرّ بها لبنان منذ تخلُّف الحكومة عن سداد ديونها الخارجية في آذار 2020، فكان أهمّها: فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها، تأرجح الاقتصاد، تراجع الطبقة الوسطى، نزول ثلاثة أرباع السكان إلى ما دون خطّ الفقر، تزامناً مع النقص المستمرّ في الوقود والأدوية.
ما سبب الجمود؟
وسأل الكاتبان: “لماذا لا يشهد لبنان سوى القليل من التغيير؟ وما الذي يفسّر الجمود المؤسّسي؟”. ولفتا إلى أنّ الإجابة تكمن في العودة إلى درس أساسيّ في الاقتصاد السياسي: “على الرغم من النيّة الجيّدة، يبقى الكثير من المؤسّسات دون المستوى المطلوب. حتّى لو أعلن السياسيون تأييدهم إجراء إصلاحات اقتصاديّة، فليس هناك ما يدفعهم نحوها، والسبب أنّ المؤسّسات غير الفعّالة تخدم مصالح السياسيين، الذين يجدون صعوبة في الالتزام بإصلاح نظام يستفيدون منه”، وأشارا إلى أنّه “في لبنان تكمن المشكلة جزئيّاً في النظام الطائفي”.
وأضافا أنّ القطاع المصرفي يُعدُّ واحداً من القطاعات التي لديها ارتباطات بالسياسيين، وهو يضمّ 54 مصرفاً تجاريّاً، بينها 20 مصرفاً لديها حجم ودائع أعلى من مليار دولار، وهي ليست لشركات تابعة أو مملوكة بالكامل لمصارف أجنبية. وتمتلك هذه المصارف العشرين 99% من أصول البنوك التجارية الموحّدة.
في هذا الإطار، خلصت الأبحاث إلى أنّ 18 مصرفاً من الـ20 لديها مساهمون رئيسيون على علاقة بالسياسيين، وأنّ 43% من أصول القطاع المصرفي يمكن أن تُنسب إلى أفراد وعائلات على صلة بالسياسيين، فيما تسيطر ثماني عائلات سياسية فقط على 32% من إجمالي أصول القطاع المصرفي التجاري.
بعد هذا العرض، يوضح الكاتبان أنّ “الوضع الراهن للبنان يعتمد على الدعم الخارجي، إذ نادراً ما يتمّ تشكيل حكومة أو يتمّ ضمان استمراريّتها بدون تدخّل أجنبي من دول مثل فرنسا والولايات المتحدة ودول عربية التي تقوم بتسهيل المفاوضات بين السياسيين عبر القنوات الخلفيّة”. وتابعا أنّ “بين عاميْ 2003 و2006 تلقّى لبنان أكثر من 12 مليار دولار من دول الخليج العربي”.
على خطّ موازٍ، علّق الكاتب في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر في مقاله على الأحداث الأخيرة التي شهدها لبنان، معتبراً أنّ “العنف يسرِّع انزلاق لبنان نحو فشل الدولة”، ولفت إلى أنّ تلك الأحداث تشكّل “جزءاً من معركة يخوضها حزب الله وحلفاؤه، وإذا تمكّن من تحقيق ما يصبو إليه، فسيكون لبنان في طريقه إلى أن يصبح محميّة إيرانية على البحر الأبيض المتوسط”.
وبينما سألت صحيفة “لو بوان” عن سبب تمزّق لبنان، معتبرةً أنّ الأحداث التي وقعت في الطيّونة أعادت مشاهد اندلاع الحرب الأهليّة إلى الأذهان، أجرت صحيفة “لو موند” لقاءً مع مدير عمليات الشرق الأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر فابريزيو كاربوني، الذي زار بيروت يوم الجمعة 15 تشرين الأول، والذي أعرب عن قلقه “من ضعف سكان لبنان وسوريا في مواجهة تفكّك البنية التحتية والركود الاقتصادي الذي يؤثّر على الدولتين”. ورأى أنّه “لا يمكن فصل لبنان عن سوريا، ولا عن الوضع في المنطقة التي شهدت جولات من العنف على مدى السنوات العشر الماضية”.