يصل إلى بيروت اليوم مستشار وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة والوسيط في المفاوضات غير المباشرة للترسيم البحري أموس هوكشتاين ضمن جولة تشمل تل أبيب.
يُفترض بالزيارة المتوقّعة إلى المنطقة، بُعَيد تعيينه رئيساً للوفد الأميركي الوسيط في المفاوضات مع العدوّ الإسرائيلي، أن تميط اللثام عن الاقتراح الذي قد يسمح باستئناف التفاوض بعد توقّف اجتماعات الناقورة في أيّار الماضي.
لكنّ السؤال الأهمّ: ما هو هذا الاقتراح؟ وهل يقبل به الجانب اللبناني في ظلّ الأحاديث، التي تكتسب جدّيّة، عن تسوية قد تطال ملفّ الترسيم البحري؟
ملفّ الترسيم، وعلى الرغم من كلّ الوضع الداخلي السيّء، لا يبدو موضوعاً على الرفّ في أجندة الولايات المتحدة الأميركية في مقابل جبهة داخلية هشّة ومفكّكة حيال ملفّ بهذا القدر من الأهميّة الاستراتيجيّة والوطنية
في الواقع، حجبت أزمة التحقيق العدلي في قضية المرفأ وأحداث الطيّونة الاهتمام عن باقي الملفّات، ومن بينها تداعيات زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي فكتوريا نولاند قبل أيام لبيروت، التي مهّدت لزيارة هوكشتاين.
وفق المعلومات، كان ملفّ الترسيم على جدول أعمال الزائرة الأميركية، إذ أبلغت الرؤساء الثلاثة بشكل رسميّ تعيين الإدارة الأميركية هوكشتاين وسيطاً في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل بدلاً من السفير ديروشيه، وقرب مجيئه إلى لبنان. ولم تتطرّق إطلاقاً إلى الجوانب التقنيّة لأزمة الترسيم البحري.
وبينما استفاضت الزائرة الأميركية في الحديث عن بروفيل هوكشتاين، واصفةً إيّاه بـ”أحد كبار مستشاري الرئيس جو بايدن”، أكّدت “الأهميّة القصوى التي توليها الولايات المتحدة الأميركية لملفّ الترسيم البحري باعتباره ملفّاً حيويّاً لكلّ الأطراف”. وقد سمعت نولاند تأكيداً من جانب رئيس الجمهورية عن رغبته “باستئناف التفاوض، وضرورته في أقرب وقت ممكن”.
لم يكن تفصيلاً أن يتنقّل موكب الموفدة الأميركية بين بعبدا والسراي الحكومي وعين التينة، فيما كان محور الطيّونة – عين الرمّانة – بدارو مشتعلاً بالرصاص في مواجهة مسلّحة كادت تودي بالداخل اللبناني إلى المجهول.
ويَحطّ هوكشتاين في لبنان والوضع أسوأ حالاً، وهو ما قد يُبقي الحكومة “خارج الخدمة” حتى إشعار آخر.
لكنّ ملفّ الترسيم، وعلى الرغم من كلّ الوضع الداخلي السيّء، لا يبدو موضوعاً على الرفّ في أجندة الولايات المتحدة الأميركية في مقابل جبهة داخلية هشّة ومفكّكة حيال ملفّ بهذا القدر من الأهميّة الاستراتيجيّة والوطنية.
ويُترجَم ذلك من خلال التجاهل المقصود بعد تأليف الحكومة لتعديل المرسوم الـ6433، الذي يمنح لبنان قدرة على التفاوض على مساحة أكبر في المنطقة البحرية المتنازع عليها، وتوافق رئيسيْ الجمهورية والحكومة على تغيير الوفد المفاوض بعد استغلال ثغرة إحالة رئيسه العميد الركن بسام ياسين إلى التقاعد، ودخول ملفّ الترسيم تدريجيّاً مدار تسوية لا تزال معالمها غير واضحة حتى الآن.
محكمة العدل الدولية
أتى القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية المرتبط بالفصل في النزاع البحري بين كينيا والصومال ليقوّي حجّة لبنان بالتمسّك بالخطّ الـ29 بدلاً من الخط الـ23، ويُحرِج محورعون – ميقاتي في زاوية عدم الحاجة إلى الاستعانة بدراسة شركة أجنبية لتبتّ النزاع القائم مع الإسرائيليين، والأهمّ يعطي “صكّ شطارة” للوفد المفاوض بطرحه الخطّ الـ29 (الذي يمنح لبنان حقّ التفاوض على 1430 كلم مربعاً تُضاف إلى مساحة الـ860 كلم مربعاً التي تحدِّدها إحداثيّات الخط الـ23) كخطّ حقوقي للتفاوض.
تؤكّد مصادر مطّلعة لـ”أساس” أنّ “هناك بُعداً آخر ومهمّاً لقرار محكمة العدل الدولية في مسألة الحدود البحرية بين الصومال وكينيا، يدعم الخط الـ29، كون هذا القرار لم يُعطِ أيّ تأثير للصخرة المشابهة تماماً لصخرة تيخيلت الإسرائيلية التي هي أساس المشكلة في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلّة، والتي يُطالب الإسرائيلي بإعطائها تأثيراً كاملاً في ترسيم خطّ الحدود البحرية على عكس ما كان يُطالب به الوفد العسكري التقنيّ المفاوض”.
هذا البعد، تضيف المصادر، يتمثّل بإصدار محكمة العدل الدولية حكمها من دون الأخذ بالاعتبار التلزيمات التي حصلت عليها شركتا “توتال” و”ايني” من كينيا في المنطقة المُتنازع عليها، التي أصبحت للصومال بعد صدور قرار المحكمة لمصلحتها. وهذا يؤكّد إمكانيّة مطالبة لبنان بالمنطقة المتنازع عليها شمال الخط الـ29 على الرغم من تلزيم إسرائيل حقل كاريش لشركة “إنرجين”، إلا أنّ هذه المطالبة تصبح مستحيلة بعد بدء الاستخراج من هذا الحقل.
تجزم مصادر مواكبة لملفّ الترسيم أنّ هدف الإسرائيلي اليوم واضح لجهة تضييع الوقت بطروحات وشروط سيرفضها لبنان بغية أخذ راحته في التنقيب
وتدعو المصادر الحكومة “إلى الإسراع في تعديل المرسوم الـ6433 واستبدال الخط الـ23 بالخط الـ29 في الأمم المتحدة قبل فوات الأوان وقبل بدء إسرائيل استخراج النفط والغاز من حقل كاريش. وهكذا يتمّ الضغط على شركة “إنرجين” التي بدورها تضغط على إسرائيل للوصول إلى حلّ عادل يسمح لها بمتابعة العمل في كاريش ويسمح للبنان ببدء العمل في حقل قانا”.
هذه هي خارطة الطريق، برأي الجيش وفريق كبير، لـ”بداية الحلّ الاقتصادي في لبنان، وإلا فسيُضيع لبنان الفرصة، سامحاً للإسرائيليين، المدعومين بشكل كامل،من واشنطن، بالمماطلة إلى حين فرض أمر واقع في كاريش، ثمّ توقيف العمل في حقل قانا، وإعطاء حجّة لشركة “توتال” لعدم الحفر فيه لأنّ جزءاً منه يقع جنوب الخط الـ23″.
الآبار المشتركة؟
في عام 2014، نَظَّر هوكشتاين لاقتراح الآبار المشتركة، الذي يعني إبقاء المنطقة المتنازع عليها على حالها، وتكليف شركة متخصّصة باستخراج النفط والغاز، ووضع عائدات الأرباح في صندوق مشترك يستفيد منه لبنان وإسرائيل تحت إشراف أميركي. فهل يُعيد هوكشتاين طرح الاقتراح الذي سبق أن رفضه لبنان، مع فارق أنّ الموقف الرسمي اللبناني الأوضح حيال هذا الاقتراح برز من خلال تصريحات علنيّة للنائب جبران باسيل يعتبر فيها أنّ “الحدود خارج المياه الإقليمية هي حدود اقتصادية وليست سياديّة، وبيعمل فيها الواحد مصلحته الاقتصادية”، مؤكّداً ضرورة “إدخال عامل إضافي لرسم الحدود هو عامل تقاسم الثروات عبر طرف ثالث”؟
هل يشمل طرحه كامل المنطقة المتنازع عليها بين الخط 1 والخط الـ29؟ وفي هذه الحال هل تقبل إسرائيل؟ وهل ينحصر طرحه بحقل قانا فقط أو قانا وكاريش معاً؟ وكيف يتعاطى الأميركي اليوم مع أمرٍ واقعٍ جديدٍ أسّس لحالة مشابهة لحالة النزاع اللبناني الإسرائيلي من خلال قرار محكمة العدل الدولية في النزاع البحري بين الصومال وكينيا؟
وفي هذا الإطار يبرز واقعٌ بالغ الأهميّة. فقد تذرّع الإسرائيلي طويلاً في مفاوضاته مع لبنان بأن لا حالة مشابهة لحالة صخرة تيخيليت التي “تسلبَطَ” من خلالها على المياه اللبنانية بإعطائها تأثيراً كاملاً، فيما استند الجيش في تمسّكه بالخط الـ29 إلى القانون الدولي ودراسة قدّمها الخبير جون براون من مكتب الهيدروغرافيا البريطاني(UKHO) أعطت لبنان حقّ اعتماد أحد خيارين جنوبي النقطة 23، أحدهما يعطي صخرة تيخيليت نصف تأثير والآخر يسمح بعدم احتسابها كليّاً، وهو ما قد يحصّل للبنان أكثر من 1400 كلم مربعاً إضافية.
إقرأ أيضاً: نولاند في بيروت: الترسيم أوّلاً.. واستثناء من “قيصر”
ومَنَح قرارُ محكمة العدل الدولية اليوم ورقة قوّة للبنان تساعده على التمسّك بالخط الـ29، وهو ما سيدفع الإسرائيلي، برأي مطّلعين، إلى “الهرب” من اجتماعات الناقورة، فيما الداخل اللبناني منقسم على نفسه.
وتجزم مصادر مواكبة لملفّ الترسيم أنّ “هدف الإسرائيلي اليوم واضح لجهة تضييع الوقت بطروحات وشروط سيرفضها لبنان بغية أخذ راحته في التنقيب في حقل كاريش وإبقاء المنطقة المتنازع عليها ضمن مساحة 860 كلم مربعاً”.