تصدّرت أحداث الطيّونة حديث الصحف العالميّة التي استعرضت ما جرى من تطوّرات دامية أثارت التوتّر في لبنان، وأعادت إلى الأذهان مشهد الحرب الأهليّة وما طُبع من صور سوداء في ذاكرة اللبنانيين الغارقين في أسوأ الأزمات الاقتصاديّة.
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية ثلاث مقالات تتعلّق بما جرى في العاصمة اللبنانيّة يوم الخميس، وكذلك فعلت صحيفة “نيويورك تايمز”، مروراً بعدد من الصحف الأخرى التي سلّطت الضوء على هذا اليوم الصعب الذي شهده لبنان.
في المقال الأوّل، الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست“، والذي أعدّته الكاتبة سارة دعدوش ونادر درغام، تطرّقا إلى التظاهرة التي نظّمها “حزب الله”، والتي تبعها إطلاق نار استمرّ لساعات مسفراً عن مقتل ستّة أشخاص، وهو “ما هدّد بإعادة الدولة الهشّة إلى دوّامة العنف بين الفصائل”.
ولفت الكاتبان إلى أنّ “ما جرى ليوم كامل في بيروت استحضر ذكريات الحرب الأهليّة، وشكّل تصعيداً خطيراً في بلد كان يتأرجح على حافّة الانهيار”.
من جهته، علّق المحلّل السياسي اللبناني في معهد الدوحة للدراسات باسل صلوخ، مشيراً إلى أنّه بانتظار الانتخابات المزمع إجراؤها العام المقبل “لا تُولي الأحزاب السياسية الطائفية اهتماماً بتهدئة التوتّرات فيما هي تحشد مؤيّديها”، واصفاً الأحداث بأنّها “مربحة للطرفين، إذ يمكنهما استخدامها لتعبئة المناصرين خلال الفترة التي تسبق الانتخابات”.
في المقال الثاني في “واشنطن بوست“، تحدّث الكاتب سامي ويستفول عن الأزمات المتداخلة التي انزلق فيها لبنان العام الماضي، لتأتي الفوضى يوم الخميس بمنزلة تصعيد، مشيراً إلى أنّ “العنف يردّد صدى ماضي لبنان، فيما تواجه الحكومة تحدّيات كبيرة”.
من جهتها، كتبت إيلين فرنسيس مقالاً في الصحيفة نفسها، لفتت فيه إلى أنّ “الأحداث المسلّحة أثارت الخشية من تجدّد الصراع في بلد يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية”، معتبرةً أنّ ما حدث كان “الأشدّ في العاصمة منذ أكثر من عقد، وقد جدّد المخاوف من عودة العنف بين الفصائل وذكريات الماضي المظلمة”.
أمّا صحيفة “نيويورك تايمز” فخصّصت جزءاً كبيراً من نشرتها الإخباريّة للتحدّث عن “أزمة لبنان”، إذ اعتبر الصحافيّان اللذان أعدّاها أنّ “العالم لا يولي اهتماماً كبيراً بهذا البلد الذي يعاني من كارثة إنسانيّة سببها الانهيار الماليّ”.
ونقل الصحافيّان عن زميلهما بن هوبارد، الذي قضى معظم العقد الماضي في لبنان، قوله: “يبدو وكأنّ البلد آخذٌ في الانهيار”، وذلك بعدما “شاهد الناس طريقة كاملة للعيش تختفي.”
وتابع الكاتبان أنّ حجم المعاناة كبير بعكس الاهتمام الإعلاميّ الذي تلقّاه لبنان، إذ يصبّ العالم اهتمامه على جائحة “كوفيد 19”. وتطرّقا إلى قرار الدولة ربط عملتها بالدولار الأميركي، بعد انتهاء الحرب الأهليّة اللبنانية.
“إنّ تلك السياسة ساهمت في الاستقرار، لكنّها تطلّبت أيضاً من المصارف اللبنانية الاحتفاظ بمخزون كبير من الدولارات”، كما أوضح نزيه عسيران في صحيفة وول ستريت جورنال.
وبحسب صحافيّي “التايمز”، لم يواجه لبنان أيّ مشكلة في جذب العملة الصعبة، وصولاً إلى عام 2011، عندما بدأت الأمور تتغيّر، إثر اندلاع الحرب في سوريا وما آلت إليه التوتّرات السياسية الأخرى في الشرق الأوسط التي أضرّت بالاقتصاد اللبناني.
وفي “نيويورك تايمز“، أشار مقال آخر إلى الأحداث الدامية التي استمرّت يوماً ولم تتجدّد، لكن كان من الصعب على اللبنانيين الهروب من الخوف والإحباط والبؤس، ولا سيّما أنّ الحيّيْن المتجاورين اللذين جرى إطلاق النار فيهما، أي الطيّونة وبدارو، كانا على خطّ المواجهة خلال الحرب الأهليّة.
وفي تقرير مفصّل آخر، استعرض بن هوبارد ومارك سانتورا تفاصيل يوم الخميس، والخشية من تأثيرها على لبنان الغارق بالأزمات السياسية والاقتصادية المدمِّرة، إضافةً إلى الخوف من أن “يملأ العنف الفراغ الذي خلّفه الانهيار الوشيك للدولة اللبنانية”. ولفتا إلى “تفاقم الشعور بعدم الاستقرار، واستحضار ذكريات الحرب الأهلية التي انتهت منذ أكثر من ثلاثة عقود”.
من جانبها، أشارت الكاتبة كلووي كورنيش في “الفايننشال تايمز” إلى أنّ “دفتر الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً طُوِيَ، لكنّ التنافسات الطائفية والسياسية القديمة لا تزال قائمة”.
وكتب نزيه عسيران مقالاً في صحيفة “وول ستريت جورنال“، لفت فيه إلى أنّ “مشهد العنف أثار ذكريات مؤلمة عن أسوأ أيام الحرب الأهلية في لبنان، التي قسّمت بيروت إلى أحياء”.
وفي صحيفة “لو موند“، لفتت الكاتبة إيلين سالون إلى أنّ “اندلاع العنف في بيروت أعادَ شبح السنوات السوداء للحرب الأهليّة التي اندلعت شرارتها عام 1975”.