بينما بدا الانفتاح على سوريا جليّاً بعد عقدٍ من عزل النظام، بمبادرة قادها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بحسب ما كشفته أخيراً صحيفة “واشنطن بوست“، أتت مجلة “نيوزويك” لتُكمل ما أوردته الصحف الأميركية في الآونة الأخيرة، وذلك من خلال وضع صورة الرئيس السوري بشار الأسد على غلافها مرفقةً بعنوان “لقد عاد”، وقد نُشرت أيضاً على الموقع الإلكتروني للمجلّة في مقال مطوّل للكاتب توم أوكونور، استهلّه بالقول إنّ “الأسد عاد إلى المسرح العالمي”.
استهلّ الكاتب مقاله عائداً بالذاكرة إلى الوراء نحو عشرة أعوام، قائلاً إنّ ذلك الوقت “بدا كأنّه بداية النهاية للأسد، الذي أصبح منبوذاً على الصعيد الدوليّ، بعدما قطعت الدول علاقتها به، ومع فرض واشنطن عقوبات اقتصاديّة على دمشق، وإغلاق سفارتها في عام 2012، إضافةً إلى تعليق عضويّة سوريا في جامعة الدول العربيّة”.
لاحقاً، قُتل أكثر من نصف مليون سوريّ في الحرب، التي نزح ملايين السوريين بسببها داخل وخارج البلاد. أمّا الآن فيبدو أنّ “الأسد مستعدّ للعودة إلى المسرح العالمي، وهو في موقع قويّ، وقد تمكّن النظام بمساعدة طهران وموسكو من استعادة جزء كبير من سوريا”. وأوضح الكاتب أنّ عدداً من الدول، التي قاطعت الأسد، أعادت التقارب معه على الرغم من معارضة واشنطن لحكمه، وظهر ذلك من خلال إعادة فتح معبر حدودي بين سوريا والأردن، وإشارات إلى أنّ Top of Form
جامعة الدول العربية ستُعيد عضويّة سوريا قريباً.
في هذا السياق، نقلت “نيوزويك” عن روبرت فورد، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في سوريا بين عاميْ 2011 و2014، أنّ “الأسد سيبقى في السلطة”، وأنّه “لا توجد طريقة تسمح بتخيّل أنّ المعارضة السورية تستطيع إجباره على التنحّي. ليس هناك بديل عمليّ”. وإذ وصف الوضع بالمأساوي، أضاف فورد، الذي كان شاهداً على التطوّرات التي اندلعت الحرب بعدها: “إنّ سوريا هي دولة ممزّقة من الناحيتين الاقتصاديّة والاجتماعيّة، مع نزوح نصف السكّان وفرار ربعهم”.
من جانبها، رأت منى يعقوبيان، التي كانت محلّلة في وزارة الخارجية، وتعمل اليوم مستشارة متخصّصة بالشؤون السوريّة في معهد الولايات المتحدة للسلام، أنّ “التركيز سيتحوّل الآن إلى كيفيّة تعامل الدول مع دمشق، بعد استبعاد إحداث تغيير في القيادة”، وتوقّعت أن يعزّز الأسد قبضته على السلطة على المدى المتوسط على الا?قلّ، بفضل الدعم الروسي والإيراني.
ولم يتّضح حتى الآن كيفيّة ردّ الولايات المتحدة على التقارب العربي مع سوريا، وهو الأمر الذي يؤثّر على ميزان القوى في المنطقة وخارجها. والسؤال الأهمّ الذي يُطرح: ما الذي يدفع الدول، التي نبذت الأسد، إلى التوجّه نحو تطبيع العلاقات معه على الرغم من أنّ الظروف التي أدّت إلى عزل الأسد لم تتبدّل؟
يعزو الخبراء، الذين تواصلت معهم المجلّة الأميركية، السبب إلى الرغبة في تحقيق الاستقرار الإقليمي. وفي هذا الإطار، تقول يعقوبيان: “بينما تواجه المنطقة الأزمات والفوضى والمزيد من التحدّيات الاقتصادية، وتفشّي جائحة كوفيد 19، تبدو الحكومات العربيّة أشدّ اهتماماً بالحدّ من النزاعات ووقف تصعيد النزاعات ومعالجة التحدّيات المزعزعة للاستقرار”. وضربت مثاليْن على التغيّرات الراهنة التي بدأت بالاتّصال الهاتفي بين الأسد وملك الأردن، هما إعادة فتح معبر حدودي مع الأردن، وقرار إدارة بايدن القاضي بتقليص العقوبات الأميركية المشدّدة في قانون قيصر. كلّ هذه التطوّرات ساهمت في إحياء خطّ الغاز العربي ومدّ الطاقة إلى لبنان عبر الأراضي السوريّة.
إضافةً إلى ما تقدّم، وفي خطوة لافتة، أعادت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول” إضافة سوريا إلى شبكاتها ودمجها في نظامها لتبادل المعلومات، وذلك في مستهلّ تشرين الأول.
المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر أوضح الدوافع إلى إعادة سوريا إلى الحضن العربيّ، وتعزيز التقارب مع دول المنطقة، قائلاً: “بالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة، فإنّ إعادة دمج الأسد والمشاركة في إعادة إعمار سوريا تحملان وعداً بإنهاء انتشار القوات التركية في إدلب، أمّا الأردن فيبدو مدفوعاً بالمصلحة الاقتصادية وإحياء خطّ النقل البرّي عبر سوريا في طريقه إلى تركيا وأوروبا وإعادة اللاجئين، لكنّ عمّان غاضبة من العقوبات المفروضة على سوريا”.
وأضاف شينكر أنّ “هناك مخاوف إقليمية أكبر، فمصر وإسرائيل تأملان الحدّ من ترسيخ قوّة إيران غير العربية”، موضحاً أنّ “المسؤولين المصريّين يفضّلون عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومعها زيادة “عروبتها” وإبعادها عن إيران الفارسية”، على حدّ تعبير شينكر الذي أشار إلى أنّ “الإدارة الأميركية تقول إنّها لن تطبّع العلاقات مع الأسد، لكن لا يبدو أنّها ستُثني حلفاءها العرب عن اتّخاذ تلك الخطوة”.
في سياق متّصل، تحافظ سوريا على وجودها الدبلوماسي في الولايات المتحدة من خلال بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في مدينة نيويورك. علياء علي، التي تشغل منصب السكرتير الثالث في البعثة، قالت لـ”نيوزويك” إنّ “دمشق تأمل أن ينعكس قرار واشنطن بالسماح باستجرار الطاقة إلى لبنان بشكل إيجابيّ على الشعب السوري، ويُسهم في تراجع الولايات المتحدة عن سياساتها ومقارباتها الخاطئة في المنطقة”.
وتبقى النقطة الأهمّ هي وجود قوات أجنبية في سوريا، ولا سيّما وجود 900 جنديّ أميركي، على الرغم من الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتوضيح بايدن لهدفه بإنهاء الحروب في المنطقة.
من جهتها، قالت المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية العربية السورية بثينة شعبان لـ”نيوزويك”: “لا يمكننا الحديث عن نصر نهائيّ في سوريا ما لم يتمّ تحرير الأراضي السورية بشكل كامل، إذ لا تزال بعض الأجزاء محتلّة من قبل القوى الأميركية والتركية”، مضيفةً: “لا يمكننا التحدّث عن أيّ نوايا جديدة حتى نشهد الانسحاب الأميركي من سوريا”.
وفي ختام الآراء التي استطلعتها المجلّة الأميركية في المقال، قال يفغيني بوزينسكي، وهو ضابط متقاعد من الجيش الروسي والرئيس التنفيذي في مجلس الشؤون الدولية الروسي: “كان الأسد ديكتاتوراً بنظر البعض، لكنّه كان حليفاً لروسيا، التي تدخّلت عام 2015 عندما كان على وشك الانهيار، فأنقذته”.