برز التطبيع أو محاولة إحياء العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد أخيراً، وتُوِّج بالاتّصال الهاتفي بين الأسد والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي فتح نافذة جديدة للنظام السوري إلى الحضن العربيّ، عنوانها الاقتصاد مع إعادة فتح الحدود الأردنية السورية، أو ما يُعرَف بمركز حدود جابر، وإطلاق المحادثات حول تزويد لبنان بجزء من احتياجاته من الطاقة الكهربائية من الأردن، إضافةً إلى افتتاح جناح سوريا في “إكسبو دبي”.
وقد عزا الكاتب جوش روجين في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية التطوّرات إلى لقاء البيت الأبيض الذي جمع الرئيس الأميركي جو بايدن والملك الأردنيّ في تموز الماضي، معتبراً أنّ الأخير “قادَ تطبيعاً إقليمياً سريعاً مع النظام السوري” منذ ذلك اللقاء، ولفت إلى أنّ هذا الأمر يتنافى مع السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة مع دمشق، وتتعارض مع القانون الأميركي.
ورأى روجين أنّ الإدارة الأميركيّة لم تواجه هذا النهج الجديد الذي قد يحمل تداعيات كبيرة، واتّهم الكاتب بايدن بأنّه موافق على التطبيع مع الأسد، لكن ضمنيّاً.
من جهته، توافق الكاتب تشارلز ليستر، وهو مدير ملفّ سوريا وبرامج مكافحة الإرهاب والتطرّف في معهد الشرق الأوسط، في مقال نشرته مجلّة “فورين بوليسي“، مع ما أوردته “واشنطن بوست”، إذ رأى أنّ تردّد بايدن في ما يتعلّق بالشأن السوري يهدّد بحصول تطبيع مع الأسد “الذي يشعر بالراحة الآن أكثر من أيّ وقت مضى منذ عام 2011″، خصوصاً أنّ “المجتمع الدولي يبدو غير مهتمّ ولا يتّخذ إجراءات جدّيّة لحلّ الأزمة السورية”.
وأوضح أنّ ما يجري في الحقيقة هو أنّ العالم بدأ يتقبّل عودة الأسد إلى المجتمع العالمي، وظهر ذلك جليّاً خلال كلمة ألقاها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في السابع من الشهر الجاري، وتحدّث فيها عن “إنجازات حرب سوريا ضدّ الإرهاب”، التي ساهمت في تغيير “الأجواء السياسية الدولية” تجاه دمشق.
وقد شارك المقداد، الذي يواجه عقوبات فرضتها عليه المملكة المتحدة، في أعمال الدورة الـ 76 للجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول، واستقبل سبعة وفود وزاريّة من الشرق الأوسط.
إضافةً إلى ما تقدّم، ففي خطوة لافتة، أعادت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول” إضافة سوريا إلى شبكاتها ودمجها في نظامها لتبادل المعلومات، وذلك في مستهلّ تشرين الأول. ويتيح هذا الإجراء للنظام القدرة على إصدار مذكّرات توقيف دولية أو ما يُعرَف بـ”النشرات الحمراء” للمرّة الأولى منذ عام 2011، وتعريض الكثير من اللاجئين للخطر، وفقاً للكاتب.
من جانبها، قرّرت منظمة الصحة العالمية في أيار أن تمنح سوريا مقعداً في مجلس إدارتها التنفيذي، فيما تبنّت الإدارة الأميركية نهج عدم التدخّل في التعامل مع سوريا، فهي وإن كانت لا ترحِّب بعودة النظام، لكنّها لم تُغلق الباب أمام الدول التي ترغب بذلك. وهذا بالفعل ما أكّده مسؤول تحدّث للمجلّة، قائلاً إنّ “إدارة بايدن لن تمنع الحلفاء من التعامل أو التطبيع مع النظام السوري”.
وتركِّز واشنطن في هذه المرحلة على ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا من جهة، ومواجهة تنظيم “داعش” من جهة أخرى. وقد ساهم الدور الأميركي في استمرار وصول المساعدات إلى شمال غرب سوريا في تموز الماضي. لكن على الرغم من ضغط الكونغرس وبعض المجموعات الأخرى، لم تمتثل الإدارة الأميركية لتعيين مبعوث خاصّ للملفّ السوري، بل استغنت عن الدور في أيلول، ودمجته في المسؤوليّات الإقليمية الأوسع لنائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، إيثان غولدريتش، وكلّفته التواصل مع سوريا.
أمّا حلفاء واشنطن فيقرأون افتقارها إلى نهج شامل وواضح بشأن سوريا بطرق عدّة، إذ لم تعد الحكومات الأوروبية مهتمّة بممارسة الضغط من أجل ما لا يمكن تحقيقه، بعدما كان ينتظر المسؤولون الأوروبيّون نتائج مراجعة الإدارة الأميركية لسياستها الخاصّة بسوريا، أمّا الآن فهم يتطلّعون إليها بسخرية.
إقرأ أيضاً: الأسد ينقذ الأردن… من نازحي لبنان؟
وفي الشرق الأوسط، عادت المحادثات الخاصّة بإحياء وتوسيع مشروع خط الغاز العربي، الذي كان قيد العمل لفترة وجيزة من عام 2008 إلى 2010، لاستجرار الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر الأراضي الأردنية والسورية.
أمّا الإمارات فقد عزّزت التعامل الاقتصادي مع دمشق، من خلال استقبال جناح مخصّص لسوريا في معرض دبي. وعلى هامش أعمال “إكسبو 2020 دبي”، جرت مباحثات بين وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري محمد سامر الخليل مع نظيره الإماراتي عبد الله طوق، وناقش الوزيران القضايا الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، من بينها الاتّفاق على إعادة تشكيل وتفعيل مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي بهدف تشجيع التبادل التجاري والاستثمار والتعاون على الصعيد الاقتصادي بين البلدين. وعلى صعيد آخر، فقد هنّأت الإمارات سوريا بالذكرى الـ48 لحرب تشرين التحريريّة.