مخيّم الهول لـ”أطفال داعش”: إعادة تصنيع التطرّف؟

مدة القراءة 8 د

كلام الصورة: مخيّم الهول للنازحين السوريّين في ريف الحسكة بمناطق شمال شرقي سوريا. يُعاني المخيّم من إهمال طبّيٍّ شديد، إضافة إلى كثافة السكّان فيه، وانتشار الأمراض التي تؤدّي إلى وفاة بعض القاطنين فيه، وخاصّة من الأطفال.

تعيش هند (8 أعوام) في مخيم الهول، بشمال شرقي سوريا، منذ ثلاث سنوات. كانت هند ومثيلاتها أطفالاً عندما دخلن المخيّم الذي بات يوصَف بـ”عسكر احتجاز”، يضمُّ حتى الآن عشرات آلاف النازحين في ظروف غير إنسانية.

قُتِل والد هند خلال نشاطه في تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف بـ”داعش”، فيما اختفت والدتها منذ أشهر من المخيم. وباتت الطفلة تعيش مع آخرين في مخيّم يشكّل الأطفال والنساء أكثر من نصف سكّانه.

يتألّف مخيّم الهول الواقع شرقي محافظة الحسكة السورية من سِتَّةِ أقسام، كلّ منها يتوزّع على عدّة قطاعات. في أحدها النازحون السوريون الذين لا تربطهم علاقة بتنظيم “داعش”، وفي قسمٍ آخر اللاجئون العراقيون، فيما تتوزّع عائلات السوريين المرتبطة بتنظيم “داعش” في قسم خاصٍ بها. وتتوزّع عائلات عناصر التنظيم من غير السوريين على قسمين: قسم للأوروبيّين منهم، وقسم للجنسيّات الأخرى.

تعيش هند في قسم “الجنسيّات الأخرى”، الذي يخضع حالياً لِما يُسمّى “الإدارة الذاتية”. تقول إنّ والدها الذي قُتِل جاء من لبنان وتزوّج أمّها.

وفي اتصال هاتفي مع “أساس”، تقول سيّدة خمسينيّة أخذت على عاتقها تربية هند وسط خيمة متهالكة في مخيم الهول بعد فقدان الأمل بمعرفة مصير الأمّ، إنّ “أغلب الأطفال الموجودين هناك لم ينتموا إلى تنظيم الدولة عمليّاً. لكنّ سبباً رئيسيّاً دفعهم إلى هناك، وهو أنّهم أيتام لم يروا آباءهم الذين قُتِلوا في معارك التنظيم، ولم تكن أمّهاتهم أكثر من ربّات منازل وفتيات أُجبِرن على الزواج بمقاتلي التنظيم”.

ويقول أحد السكان إنّ “المخيّم يُعاني من إهمال شديدٍ، وكثافة سكّانية مرتفعة، وانتشار الأمراض التي تؤدّي إلى وفاة بعض القاطنين، وخاصة من الأطفال، لأسباب مختلفة، أبرزها نقص التغذية، ونقص الرعاية الصحّيّة لحديثي الولادة، إضافة إلى أنّ أطفالاً كثيرين تُوفّوا خلال فصل الشتاء الفائت جرّاء البرد وعدم توافر وسائل التدفئة”. وباتت هند تشعر مع أقرانها بخوف شديد، ولا سيّما أنّ المخيّم يشهد حوادث فقدان أسبوعية.

تأسيس ??المخيّم

مطلع عام 1991 إثر حرب الخليج الأولى، أنشأت المفوضيّة الساميَة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مخيّماً للاجئين العراقيين بالقرب من بلدة الهول في ريف الحسكة الشرقيّ، واستمرّ إلى حين إغلاقه عام 2010.

إلا أنّ سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على بلدة الهول في تشرين الثاني 2015 دفع الأمم المتحدة إلى إعادة تجهيز المخيّم بهدف استقبال اللاجئين والفارّين من المعارك في العراق وسوريا، ومنذ ذلك الحين تُشرف القوات الكردية على إدارة المخيّم وحراسته.

يُؤوي المخيّم اليوم 62 ألفاً، بحسب الإحصائية الأخيرة لإدارته، جاؤوا من 30 إلى 40 دولة، من بينهم عائلات لبنانية. وتُوفّي 62 طفلاً خلال عام 2021، أي بمعدّل طفلين كل أسبوع، بحسب أرقام منظمة “أنقذوا الأطفال” في تقرير أصدرته الأسبوع الماضي.

بالطبع تثير هذه الأرقام المخاوف على مستقبل آلاف الأطفال في مخيّميْ الهول وروج، الذين لا يزالون يقبعون في مخيّمات شمال شرق سورية. والمشكلة الأكبر هي في عدم استعداد الدول لاستعادة الأطفال غير السوريين ودمجهم في المجتمعات التي جاء آباؤهم منها، بعد مقتل هؤلاء الآباء أو اعتقالهم. إذ تتبع عدّة دول أوروبّية وعربية موقفاً متشدِّداً تجاه عودة العناصر المنتسبين إلى التنظيم، مثل الدانمارك وبلجيكا اللتين تصرّان على محاكمة مواطنيها في الأماكن التي اُعتُقلوا فيها وفق القوانين المحلّيّة. وترفض عدّة دول، مثل فرنسا وبريطانيا، استعادة الأطفال مع أمّهاتهم، وتعمل على استعادة الأطفال وحدهم.

وفي ظلّ التجاهل الدولي لمصير سكّان المخيّميْن، فإنّ “لجنة التحقيق الدولية المستقلّة” التابعة للأمم المتحدة، في تقريرها الأخير، حمَّلت الإدارة الذاتية، التي يقودها حزب “الاتحاد الديموقراطي”، المسؤولية عن “الاحتجاز غير القانوني” لآلاف الأشخاص.

وتقول مجموعات إغاثة سورية إنّ أكثر من 90% من الأطفال في مخيّمَيْ الهول وروج هم دون 12 عاماً، وأكثر من 50 % منهم دون خمسة أعوام.

كلام الصورة: خُصِّص المخيّم إثر إنشائه لاستيعاب عشرة آلاف شخص، إلا أنّه يضمّ حالياً حوالي 6 أو 7 أضعاف سعته الاستيعابية الأساسية، ولذا يعاني من الازدحام الشديد، بالتوازي مع ضعف الخدمات وتهالُك البنية التحتيّة التي لا تمكِّن قاطنيه من العيش فيه.

أطفال تظلمهم حكومات دولهم

تعتبر تشير مديرة الاستجابة في منظّمة “أنقذوا الطفولة” في سوريا، سونيا كوش، أنّ كل يوم يمكث هؤلاء الأطفال في هذه المخيّمات مع عائلاتهم “هو يوم إضافي من أيام فشل الحكومات المسؤولة. وكلّ يوم يُحرَمون من فرصة العودة إلى ديارهم، هو يومٌ إضافي من أيام الحرمان من الخدمات المتخصّصة التي هم في أمسّ الحاجة إليها، ومن حقّهم في العيش بأمان والتعافي من تجاربهم”.

كذلك تؤكّد منظّمة “هيومن رايتس ووتش” أنّ الأطفال المرتبطين بتنظيم داعش لا تزال السلطات الإقليمية في شمال شرقي سوريا تحتجزهم في ظروف غير إنسانية. يحدث ذلك غالباً بموافقة صريحة أو ضمنيّة من الدول التي يحملون جنسيّاتها، بعد اعتقالهم أثناء سقوط التنظيم.

ويقول فضل عبد الغني، مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في حديث لـ”أساس”: “لم يمثل المعتقلون الأجانب قطّ أمام محكمة، الأمر الذي يجعل احتجازهم تعسّفيّاً وإلى أجلٍ غير مسمّى. بينهم أكثر من 27 طفلاً، معظمهم في مخيّمات مغلقة، وعشرات آخرون في مركز مغلق لإعادة التأهيل. ويعاني المعتقلون من تصاعد العنف وتقلّص المساعدات الأساسية، ومنها الرعاية الطبّية” ويدعو الدول إلى “استعادة رعاياها من مراكز الاحتجاز”.

خلال الأسبوع الماضي، تواصل “أساس” عبر الهاتف مع ثماني عائلات محتجزة في مخيّمات الهول وروج في شمال شرقي سوريا، من بينها عائلة من لبنان، ومع أقارب محتجزين في المخيّمات.

روى الأشخاص الذين حادثهم “أساس” أنّ “الآلاف من مقاتلي التنظيم الأجانب كانوا قد تزوّجوا وأنجبوا من نسوة سوريّات، ثمّ تركوهنّ من دون أن يتركوا أيّ إثبات رسميّ وموثّق على زواجهم، وبذلك أصبح هؤلاء الأطفال مكتومي القيد الآن، إضافة إلى المعاناة الاجتماعيّة التي تعانيها هذه العائلات جرّاء النظرة السائدة عنهم داخل مجتمعاتهم باعتبارهم أبناء قتلة أو أسراً متطرّفة”.

تربية “التطرّف”؟

ويعتقد محمد سلام، وهو معالِج نفسيّ يعمل على مساعدة الأطفال في مخيّم الهول على تلقّي جلسات علاج نفسيّة، أنّ بقاء الوضع على شكله الحاليّ ستكون له انعكاسات اجتماعيّة أو أمنيّة على سورية والمنطقة.

وقد ظهرت أبرز الآثار على الأطفال أنفسهم. إذ يختلط الأطفال مع عائلات يُشتبه في نشرها التطرّف داخل المخيّم. وانتشار دعايات التطرّف في أوساطهم، سواءً بفعل الأحاديث اليوميّة المتداولة بين قاطني المخيّم الذين عاشوا في مناطق سيطرة التنظيم سابقاً، أو جرّاء المعاناة والإهمال اللذين يعاني منهما الأطفال في المخيّم، قد يتسبّب في شحن نفوس الأطفال فكريّاً وذهنيّاً بالتطرّف.

وقال مسؤول كرديّ في قوات سوريا الديموقراطية، في اتّصال مع “أساس”، إنّ “احتجاز الأطفال يمثّل ورقة مهمّة بالنسبة إلى قوات سوريا الديموقراطية، إذ يسمح لِما يُسمّى بالإدارة الذاتية بفتح قنوات مع الدول التي لديها مواطنون محتجزون في شمال شرقي سوريا”.

كما حذّرت منظّمة “أنقذوا الطفولة” من وفاة الأطفال الأجانب الذين تخلّت عنهم دولهم في المخيّميْن. وعزت حالات الوفيات بين الأطفال إلى أمراض يمكن تجنّبها، ونظام رعاية صحّية بالكاد يعمل، وتلوّث المياه، ونظام الصرف الصحّيّ، وسوء التغذية.

ودعت المنظّمة الحكومات الأجنبية التي لديها مواطنون في المخيّميْن إلى تحمّل المسؤولية تجاههم، وإعادة الأطفال وعائلاتهم إلى بلدانهم الأصلية.

وتضيف مديرة الاستجابة في منظمة “أنقذوا الطفولة” في سوريا أنّ “الأطفال يعانون من أحداث صادمة، لا ينبغي أن يمرّ بظروفها أيّ طفل، بعد سنوات من العيش في مناطق النزاع. ومن غير المفهوم أن يكون محكوماً عليهم بهذه الحياة”.

إقرأ ايضاً: داعش بحلّة جديدة.. وطريق “طالبان” تتعبّد

وتقول: “ما نراه هو ببساطة تخلّي الحكومات عن الأطفال الذين ليسوا إلا ضحايا الصراع”.

لكنّ الخطير، أنّ هؤلاء الأطفال، أبناء المتطرّفين المعتقلين أو المقتولين، قد يتحوّلون إلى وقود لأيّ موجة تطرّف في المستقبل القريب، تعيد إنتاج التطرّف نفسه، بنسخ أكثر حقداً وغضباً على الحكومات والجهات التي رفضت مدّ يد المساعدة.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…