إنّه فشل استراتيجيّ”، بهذه الكلمات استهلّ الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد اغناتيوس مقاله الذي علّق فيه على جلسات المساءلة بشأن إنسحاب القوات الأميركيّة الفوضوي من أفغانستان، والتي عُقدَت أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، وأمام لجنة القوّات المسلحة في مجلس النواب. ومثلَ فيها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، بالإضافة إلى قائد القيادة الوسطى الأميركية كينيث ماكنزي.
ولفت الكاتب إلى ما وراء شهادة ميلي، وتحديدًا إلى إطلالته التي تعكس تعب عقدين من المعركة في أفغانستان، مضيفًا أنّ القائد العسكري لم يتردّد عن الإقرار بالحقيقة بشأن أطول تجربة قتالية في الولايات المتحدة وأكثرها إحباطًا. كذلك الأمر بالنسبة لوزير الدفاع الأميركي وقائد القيادة الوسطى، حيثُ أنّ جميع القادة في الحرب الطويلة والمؤلمة، لم يحاولوا التخفيف من حقيقة الهزيمة المرّة أو تلطيفها.
وما مثولهم معًا، سوى إشارة إلى أن البنتاغون “لديه أخطاء أيضًا ويُذعن للسيطرة المدنية، بغض النظر عن الخلافات والتباينات بينه وبين القادة السياسيين”، بحسب الكاتب الذي أوضح أنّ بعد حرب فييتنام، دخل الجيش الأميركي في حالة دفاعية استمرت حوالى عشرين عامً. لكن يوم الثلاثاء، أي موعد انعقاد الجلسة الأولى، بعد نحو ستة أسابيع من سقوط كابول في قبضة “حركة طالبان”، شهد الأميركيون “تقييمًا صادقًا”، يقول اغناتيوس.
ومع انطلاق جلسات المساءلة ومثول القادة العسكريين، أعرب الكاتب عن أنّها نتيجة النظام الديمقراطي المنفتح، حيث أنّ الكثير من الدول لا تزال تعاني من تداعيات الحروب الخاسرة لسنوات، فيما الجيوش غاضبة من دون أن تعبّر عن ذلك ويسود الصمت بين الجنود، بينما يستعين السياسيون بنظريات المؤامرة لتبرير الفشل. أمّا ما جرى في الولايات المتحدة، فكان نقاشًا مفتوحًا وبشكل علنيّ حول حرب استمرّت عشرين عامًا بمشاركة قوات أميركية غزت أفغانستان، وفي النهاية باءت المهمّة بالفشل. وحسم الكاتب رأيه بأنّ حزبين وأربعة رؤساء وعشرات القادة جميعًا لعبوا دورًا في النتيجة النهائية التي آلت إليها واشنطن بانسحاب القوات الأميركية وما ترتّب عليها. ولفت إلى أنّ الجمهوريين يلقون باللوم على ولاية بايدن التي بدأت منذ تسعة أشهر. في المقابل، يركز الديمقراطيون على أخطاء سابقة لدى الحزب الثاني.
ويُدرك الجنرالات الذي قدموا للإدلاء بشهادتهم أنّ الإجابة الصحيحة عن الجهة المسؤولة هي “كل ما سبق”، كما أنّهم كانوا على استعداد لتحمل مسؤوليتهم في جزء معيّن من الفشل، وما حصل يبعث بالأمل في أنّ حرب أفغانستان وما تبعها، ستُقدّم دروسًا واضحة للأميركيين، وفقًا للكاتب.
وخلال الجلسة ردّ ميلي أيضًا على ما نُشر في كتاب “الخطر” الذي أعدّه الكاتبان في صحيفة “واشنطن بوست” بوب وودوارد وروبرت كوستا، بشأن إجراء الجنرال ميلي محادثات هاتفية لطمأنة نظيره الصيني من مخاوف حول إمكانيّة توجيه ترامب ضربة عسكرية للصين في آخر عهده في المكتب البيضاوي.
وبدا القادة العسكريّون صادقين بشأن نصائحهم العسكرية، حيث أقرّ ميلي وماكينزي إنهما كانا يفضّلان إبقاء قوة عسكريّة بعدد قليل أي حوالى 2500 جندي في أفغانستان كما كانا يخشيان من انهيار حكومة كابول في أعقاب الإنسحاب العسكري الأميركي. وأقرّ ميلي علنًا بأنّ “الانسحاب المتسرع والعاجل من أفغانستان ألحق “الضرر” بمصداقية الولايات المتحدة وأنّ تنظيم القاعدة يشكل خطرًا دائمًا في ذلك البلد”. وانتقد أيضًا خطأ السياسيين الذي ارتكبوه غير مرّة، واضعين جداول زمنية مصطنعة كمقياسٍ للنجاح، بدلًا من الإستناد إلى شروط محددة وواضحة لإنجاز المهام وتحقيق الأهداف.
ولم يستثنِ ميلي الجيش ومهمته خلال العقدين الماضيين من كلامه، معتبرًا أنّ القادة العسكريين الأميركيين ارتكبوا أخطاءً أيضًا وعكسوا صورة الجيش الأفغاني كما يناسبهم، متجاهلين التباينات في الجانب الثقافيّ وغيره. وماذا حصل؟ نزلت المفاجأة على هؤلاء الجنرالات عند انهيار الجيش الأفغاني في تموز وآب الماضيين، وذلك لأنهم لم يقدّروا مدى خطورة الفساد الذي أضعف القوات الأفغانية، التي تفتقر إلى “القيادة والمعنويات والإرادة” حتى تسير نحو النجاح.
أمّا أوستن الذي اتّسم بالحذر طوال الجلسة، فلم يخفِ خلافه مع قرار بايدن بالانسحاب من أفغانستان، إلا أنّه لم يقبل بمشاركة تفاصيل الرأي الذي أسدى به لسيد البيت الأبيض.
وما كان بارزًا خلال الجلسة التي عُقدت يوم الثلاثاء أيضًا، هو السؤال عمّا إذا كانَ ورئيس هيئة الأركان المشتركة قد تجاوزَ الحدود الدستورية في محاولة لحماية الجيش من السياسة. واعتبر ميلي أنّ رفض النظام القانوني لرئيس ما كان سيكون عملاً سياسيًا.
وأوضح ميلي أنّ “والده لم يكن لديه فرصة للاستقالة عندما شارك في المعارك إبّان الحرب العالمية الثانية”. وبعد كلّ ما سبقَ ذكره، رأى اغناتيوس أنّ القوات الأميركية قامت بواجبها في أفغانستان وقام الجيش بتنفيذ الأوامر، إلا أنّه ارتكبَ أخطاءً أيضًا. لكنّ مرحلة ما بعد الحرب والمساءلة انطلقت هذا الأسبوع، بحسب الكاتب.