أسرار الرجل الأخطر في كواليس طالبان؟

2021-09-30

أسرار الرجل الأخطر في كواليس طالبان؟

دوره مجهول في تأسيس حركة طالبان، مع أنه كان أحد أربعة على رأسهم صديق الطفولة، الملّا محمد عمر مجاهد، الذي سيكون موضع قلق أفغانستان والعالم بين عامي 1994 و2015. لكن دوره في تحقيق انتصار الحركة سياسياً عام 2020، أضحى على كلّ لسان، وفي كلّ مكان، وفي أرقى دوائر البحث وصنع القرار في الغرب. حتى إنّ مجلة “التايم Time” وضعته بين الشخصيات المئة الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2021. أنقذ طالبان مرتين. الأولى حين وضع الملّا محمد عمر خلفه في درّاجة ناريّة منطلقاً به إلى الجبال بعد تسليم قندهار للقبائل عام 2001. والثانية، حين أنجز الانتقال من زعامة المؤسِّس إلى القيادة الجماعية، ومن العنف المحض إلى الانضباط السياسيّ.

إنه الملّا عبد الغني برادر. شريك الملّا محمد عمر، وزوج شقيقته، ونائبه، ثم قائد الظلّ لطالبان بنسختها الثانية، وصانع سياساتها. باتت الحرب في خدمة السياسات وامتداداً لها، بحسب مقولة الاستراتيجي البروسي كلاوفيتز Clausewitz، لا العكس. وهذا هو التحوّل النوعي بين طالبان الأمس وطالبان اليوم.

هو قائد عسكري كاريزماتيّ، وشخصيّة مؤمنة بعمق، كما يقول الكاتب أحمد رشيد في مقالة “التايم”، وهو الخبير الباكستاني في تاريخ الحركة وشؤونها

أما “برادر”، فهو اللقب الذي منحه إياه رفيق دربه، ومعناه “الأخ” بلغة “البشتو”، المشابهة ببعض مفرداتها للغة الإنكليزية، ومنها كلمة “brother”. فـ”البشتو” من العائلة اللغوية الهندية الأوروبية، كمثل اللغة الفارسية. كان شريكاً في التأسيس، بل أكثر. ولو لم يتولّ مناصب مركزية في المرحلة الأولى من صعود طالبان في التسعينيّات، إلا أنّه ظلّ دائماً في صلب صناعة القرار. وربّما كان صاحب فكرة إخفاء خبر وفاة الملّا محمد عمر عام 2013، لتجنيب الحركة الانقسام، بفتوى من المسؤول القضائيّ آنذاك المولوي هبة الله أخوند زادة. وعندما ذاع الخبر، واستلم مكانه الملّا أختر منصور، تشقّقت الحركة، فكان المجيء بعالم الحديث المولوي هبة الله بعد قتل منصور ذي الخبرة العسكرية الطويلة، في غارة أميركية عام 2016، بهدف جمع الصفوف. وطبيعة دور هبة الله في هرميّة الحركة، تدلّ على طبيعة الأزمة التي عانت منها إثر غياب المؤسِّس. وانتقل الملف السياسيّ إلى الملّا عبد الغني عقب الإفراج عنه في باكستان عام 2018، فملأ فراغاً في ثغرة.

هو قائد عسكري كاريزماتيّ، وشخصيّة مؤمنة بعمق، كما يقول الكاتب أحمد رشيد في مقالة “التايم”، وهو الخبير الباكستاني في تاريخ الحركة وشؤونها. وعندما سيطرت طالبان على أفغانستان، فإنّما كان ذلك وفق شروط الاتفاق الذي أبرمه الملّا عبد الغني برادر مع واشنطن.

هو أيضاً صاحب معظم القرارات الرئيسيّة للحركة، ومنها قرار العفو العامّ عن موظّفي النظام السابق، وهو ما جنّب أفغانستان سفك الدماء. اتّصل بالجهات الإقليميّة والدوليّة، وزار الدول المجاورة، ولا سيّما الصين المتوجّسة من التيار الإسلاميّ الصاعد ومن انعكاساته عليها، وباكستان التي اعتقلت الرجل سنوات قبل أن يصبح المحاوِر الرئيسي لها، من أجل طمأنة تلك الدول، وتوفير الجوّ الملائم لعودة طالبان إلى الحكم. إلى ذلك، هو نقطة ارتكاز في بناء مستقبل البلاد. اكتفى في الحكومة المؤقّتة الحاليّة بمنصب النائب الأوّل لرئيس الوزراء، تاركاً الرئاسة لقائد آخر أكثر مقبوليّة لدى الشباب، الملّا محمد حسن أخوند، المنتمي إلى جيل القادة الأكثر تشدّداً في طالبان.

وهو رجل الهدوء والأسرار. نادراً ما يُدلي بتصريحات علنيّة أو يظهر في حوارات صحافيّة. يمثّل التيّار المعتدل في الحركة، وسيبذل كلّ جهد ممكن لكسب الدعم الغربي، ومن أجل الحصول على العون الماليّ الذي تحتاج إليه أفغانستان بشدّة.

هو صاحب معظم القرارات الرئيسيّة للحركة، ومنها قرار العفو العامّ عن موظّفي النظام السابق، وهو ما جنّب أفغانستان سفك الدماء

نشأتُهُ وسيرتُهُ

وُلد عبد الغني برادر عام 1968 في محافظة أروزغان. قاتل الجيش السوفياتي أثناء احتلاله البلاد رفقة الملّا محمد عمر. ومع قربه الشديد من رأس الهرم إلّا أنّه لم يتصدّر المناصب الأولى في الحركة حتى سقوطها عام 2001 على يد تحالف الشمال المدعوم جوّاً من الولايات المتحدة. تسلّم منصب حاكم ولايتيْ هرات ونيمرز، وقاد قوات طالبان في الغرب الأفغاني. وتفيد تقارير استخبارية أميركية ودولية بأنّه تولّى أيضاً منصب نائب قائد الأركان، وقيادة قوات كابول، وصولاً إلى منصب نائب وزير الدفاع.

كان يفضّل العمل في المناصب البعيدة عن الضوء، لكن مع تساقط قيادات طالبان خلال مدّة الحكم الأولى بين عاميْ 1996 و2001، ارتقى بسرعة في المناصب لملء الفراغ. وهو ما حدث أيضاً عندما انهارت حكومة طالبان في التسعينيّات، وبدأت حرب العصابات. صعد الملّا عبد الغني إلى المنصبين الأكثر حساسيّة على مدى عقدين من حرب الاستنزاف الطويلة والمنهكة. الأول، منصب قائد عمليات طالبان عقب مقتل الملّا داد الله أخوند عام 2007. والثاني، منصب رئيس المكتب السياسي للحركة إثر الإفراج عنه بضغط أميركي على باكستان عام 2018، وذلك بعد اعتقال دام ثماني سنوات. ففي المنصب الأول، قاد الحركة عسكريّاً في زمن الصعود. وفي المنصب الثاني، قادها سياسيّاً في زمن الانتصار. ومع ذلك، قال حين سيطرت طالبان على كابول في آب الماضي: “حقّقنا نصراً لم يكن متوقّعاً”. وربّما انطلاقاً من واقعيّته هذه، فتح مبكّراً قناة حوار مع الرئيس الأفغانيّ آنذاك حامد كرزاي عام 2010، فسارعت الاستخبارات الباكستانيّة إلى اعتقاله في مدينة كراتشي. هي كانت تعتقد أنّ القوات الأميركيّة سترحل حتماً من أفغانستان يوماً ما، وأنّ ورقتها لملء الفراغ حينئذ ستكون حركة طالبان حصراً لمواجهة نفوذ جارتها اللدود الهند. وهذا الاعتقال أغضب كرزاي طبعاً، لأنّه يعرقل المصالحة مع طالبان، ويعزِّز خيوط باكستان في اللعبة الداخليّة.

 

رجل الحوار

قصة برادر مع الحوار تكشف جوانب مخفيّة من صناعة القرار في طالبان. فهي حركة دينيّة عقائديّة، لكنّها أيضاً سياسيّة بالفطرة. قادتها الأساسيون أهلُ ريفٍ، ومعتادون على تقاليد القبيلة في المساومة ومصالحة الخصوم عند العجز عن تحقيق النصر. ففي زمن ضعف طالبان، كلّفه الملّا محمد عمر، مرّتين، بفتح قناة الحوار مع كرزاي. الأولى عام 2004 قبل أن تتمكّن الحركة من استغلال انشغال واشنطن بحرب الاستنزاف في العراق، وتنظيم صفوفها. والثانية في عام 2009، عندما زاد باراك أوباما الضغط العسكريّ على الحركة بإرسال آلاف الجنود إلى أفغانستان لحسم المعركة. وبين كرزاي وبرادر قصة أعجب: إبّان الاجتياح الأميركي لأفغانستان. في خريف عام 2001، دخل حامد كرزاي إلى المناطق البشتونيّة لتنظيم مقاومة قبليّة ضدّ طالبان، وسرعان ما وقع في أسر مقاتلي الحركة، فخلّصه برادر، وهو ينتمي إلى القبيلة نفسها، أي قبيلة دوراني. ومع إطباق حلفاء واشنطن على قندهار في شهر تشرين الثاني 2001، فرّ برادر بمعيّة زعيم الحركة، بعد صفقة تسليم المدينة بوساطة كرزاي. ويُقال إنّ كرزاي ردّ الجميل، فأطلق سراح الرجلين عندما وقعا في الأسر لاحقاً. فليس مستغرباً أن لا يشعر كرزاي بالخوف من وصول طالبان إلى كابول، بل زاره قادة طالبان في منزله، وحاوروه في شأن تشكيل حكومة جامعة، وحاوروا زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، وهو الذي قاتلته الحركة منتصف التسعينيّات في الطريق إلى كابول. بالمقابل، حاولت مجموعة حقّاني الأكثر تشدّداً اغتيال كرزاي عام 2008. ويُقال إنّ الملّا سراج الدين حقّاني (المنتمي إلى الخط الجهادي) تشاجر مع الملّا عبد الغني في 13 أيلول الحالي، بسبب رفضه توسيع الحكومة كي تضمّ شخصيّات من غير طالبان، فوقع إطلاق نار داخل القصر الرئاسيّ بين مرافقي حقاني وبرادر، ما قد يشير إلى التحدّيات الجمّة التي يواجهها الرجل السياسي في الحركة الملّا عبد الغني، بغضّ النظر عن دقّة ما حدث فعلاً.

هل هو القائد الفعليّ للحركة؟

مَن يتفاوض مع المبعوث الأميركيّ زلماي خليل زاد في قطر، فيصل إلى اتفاق مع واشنطن في 29 شباط عام 2020 بشأن الانسحاب الأميركيّ، ومَن يتحدّث تلفونيّاً مع الرئيس دونالد ترامب لمدّة 35 دقيقة بعد أسابيع قليلة من الاتفاق، ومَن يلتقي مباشرة وزير الخارجية الأميركيّ مايك بومبيو في تشرين الثاني عام 2020، أي بعد تسعة أشهر تقريباً من الاتفاق، ومن يجتمع به سرّاً مسؤول الاستخبارات المركزيّة الأميركية وليام بيرنز في كابول في آب الماضي لتمديد المهلة الممنوحة من طالبان للجيش الأميركي كي يُنهي عمليات الإجلاء، ومَن يزور الدول المجاورة ويحاور المسؤولين فيها ويرسم سياسات خارجيّة حيويّة لحكم طالبان، يعطي انطباعاً قويّاً بأنّه هو الزعيم الحقيقي لطالبان لا المولوي هبة الله أخوند زادة المختفي عن الأنظار حتى بعد انتصار الحركة.

إقرأ أيضاً: أين العرب من “صدمة طالبان”؟ 

 

مواضيع ذات صلة

الياس خوري رحل إلى بيروته وتركنا لأشباحها

عن 76 عاماً، قضاها بين الورق والحبر والكتب والنضال من أجل تحرير فلسطين والإنسان العربي، غادرنا الروائي والقاصّ والناقد والأكاديمي الياس خوري، تاركاً فراغاً يصعب…

طلال سلمان في ذكراه… “أين الطريق”؟

قبل عام كامل غادرنا طلال سلمان، بعد سبع سنوات من توقف جريدته “السفير” عن الصدور. غادرنا قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، وتمرّ…

وليد فيّاض وعجائبه السّبعة: تحويل “الكرامة” إلى “فيولة”‎

اختصر وزير الطاقة وليد فياض في كلمتين فلسفة المنظومة السياسية التي يمثّلها: “الكرامة” و”أميركا”. ونحن اللبنانيّين عالقون بلا كهرباء، بين هاتين الكلمتين. نحن المحكومون من…

يحيى السنوار: إيمان عميق وبراغماتيّة أيضاً؟

غاب عن المشهد 23 سنة، فلمّا عاد إليه عام 2011، ارتقى بسرعة سلّم القيادة، فأضحى في عام 2017 بعد ستّ سنوات من تحرّره رئيس الحركة…