“لقاءٌ ودّيٌّ وأخويٌّ بالبحر الأحمر جمع الأمير محمّد بن سلمان وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومستشار الأمن الوطني في دولة الإمارات الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان”. هذا ما أعلنه مدير المكتب الخاصّ لوليّ العهد السعودي بدر العساكر عبر حسابه على تويتر. ويأتي هذا اللقاء طاوياً صيفاً من توتّر العلاقات الإماراتيّة السعوديّة، نجمَ عن تباين في الآراء بين الدولتين حول قضايا الإنتاج النفطي والانسحاب من اليمن.
وبحضور الشيخ طحنون للّقاء الأخير، وهو المعروف بثقله في الشبكات الاقتصاديّة، لا بدّ من الانتباه إلى أهميّة تقويم العوامل الاقتصادية في الرياض وأبو ظبي، التي تُعدّ عاملاً مؤثّراً في تغيير قواعد اللعبة بين الدولتين، ولا سيّما أنّ الإمارات تتبع مساراً تعبِّده الحوارات والوساطات وخطوط التهدئة، وتنفتح بشكلٍ أكبر على العالم، وأيضاً على الدول التي كانت توجد خلافات معها، من بوّابة الاقتصاد.
يُدرك أيّ مُطّلع على عالم المال والثروات أنّ اقتصاد الإمارات والسعوديّة اعتمدَ على النفط والعمالة الوافدة، لكنّ كلّ دولة انتهجت طريقاً مستقلّاً في تطوير عالم أعمالها
وفي إطار التهدئة، عُقِد في الرياض أيضاً اجتماع وزاري خليجي، تمّ التشديد بعد انتهائه على ضرورة الحدّ من التوتّر والسير نحو تحقيق السلام والاستقرار من خلال الحوار والتنسيق المشترك.
وفي السياق نفسه، اتّخذت المملكة قراراً يقضي برفع حظر السفر إلى الإمارات، إلا أنّ التضارب في المصالح الداخلية للبلدين يُسفر عن اختلال في التوازن الاقتصادي لمصلحة الإمارات، دافعاً المملكة إلى اتّخاذ تدابير لمواجهته، إذ يبقى الكثير من القضايا بين البلدين التي تحتاج إلى حلول. وهنا ذكّر الكاتب هاني فندقلي، وهو مستثمر مصرفي ونائب سابق لرئيس مجموعة كلينتون في نيويورك، بالأمور التي شابت النقل البرّي، وتقليل الاعتماد على الحدود البرّية السعودية – الإماراتية، وغيرها من التفاصيل التي وردت في تقارير إعلاميّة نُشِرت في تموز الماضي. ورأى الكاتب أنّه لو تواصل الخلاف، فقد كان سيؤدّي إلى تغييرات في الشحن والعبور والخدمات اللوجستية الأخرى. وأضاف الكاتب أنّه يُمكن “نزع فتيل التوتّر السعودي الإماراتي من خلال إعادة التوازن الاقتصادي”.
الاقتصاد بالأرقام
يُدرك أيّ مُطّلع على عالم المال والثروات أنّ اقتصاد الإمارات والسعوديّة اعتمدَ على النفط والعمالة الوافدة، لكنّ كلّ دولة انتهجت طريقاً مستقلّاً في تطوير عالم أعمالها.
وبالعودة إلى الأرقام، أوضح فندقلي أنّ الناتج المحلّي للسعودية، الذي يعتمد بجزء كبير على النفط، قد بلغَ 700 مليار دولار في عام 2020، وبلغ عدد سكان المملكة 34 مليون نسمة، بينهم نحو 12.4 مليون من الوافدين، فيما بلغ الناتج المحلّي للإمارات الأقلّ اعتماداً على النفط 354 مليار دولار، أمّا عدد سكان الإمارات فقد بلغَ 9 ملايين نسمة، من بينهم 8 ملايين شخص من الوافدين.
ويظهر الاختلال في التوازن الاقتصادي بين البلدين من خلال الاستيراد والتصدير. فعلى سبيل المثال تُصدِّر الإمارات بقيمة 24 مليار دولار إلى السعودية، أي ما يعادل 6.8% من الناتج المحلّي الإجمالي للإمارات. في المقابل تستورد بمعدّل 6.85 مليارات دولار، أي أقلّ من 1% من الناتج المحلّي الإجمالي للسعودية. ويبرز الاختلال الاقتصادي أيضاً من خلال تدفّقات رأس المال، إذ يُنفق السيّاح السعوديون، الذين يشكّلون 9% من السيّاح في دبي، حوالي ملياريْ دولار سنويّاً، ويضخّ المستثمرون السعوديون مبلغاً مماثلاً في سوق العقارات في دبي.
اتّخذت المملكة قراراً يقضي برفع حظر السفر إلى الإمارات، إلا أنّ التضارب في المصالح الداخلية للبلدين يُسفر عن اختلال في التوازن الاقتصادي لمصلحة الإمارات، دافعاً المملكة إلى اتّخاذ تدابير لمواجهته
خطوات لتخفيف التوتّر
شدّد فندقلي في مقاله على أهميّة الحدّ من التوتّرات بين الرياض وأبو ظبي، ولا سيّما أنّ البلدين يمتلكان ثقلاً اقتصادياً ونفوذاً سياسياً، الأمر الذي قد تتّضح تداعياته خارج حدود الدولتين اللتين تتمتّعان بعلاقات وروابط قويّة ومتينة تتجاوز الاختلافات الاقتصادية. وتتضمّن هذه الروابط اللغة المشتركة والدين والتقاليد والعلاقات العائلية الواسعة والشراكات مع الولايات المتحدة. أمّا نقاط الضعف المشتركة فتتمثّل في تهديدات الإرهاب وإيران وتغيّر المناخ وغير ذلك. إذاً، يُمكن أن تشكّل العوامل المشتركة السابقة الذكر اللبنة الأساسية والإطار الواضح لحلّ الخلافات.
ولنزع فتيل التوتّر، هناك أربع نقاط أساسية يجب البناء عليها، بحسب الكاتب الذي وضع في المقدّمة التوصّل إلى حلّ في سياق قضايا السياسة الخارجية والسياسة الأوسع، على الرغم من وجود تباينات اقتصادية شكّلت عنصراً أساسياً في الخلاف.
فقد خلص التبدّل على الساحتين السياسية والاقتصادية، وفي مجال التكنولوجيا، إلى وجود فوارق لا بدّ من إعادة تقويمها ومعالجتها. ولا بدّ أن تحافظ الإمارات على تماسكها الداخلي. أمّا بالنسبة إلى السعودية، فيظلّ النفط الحجر الأساسي لاقتصادها في المستقبل المنظور.
وفي مقابل تغيير المبادرات السعودية تجاه الشركات الدولية في شأنيْ التجارة والنقل، التي قد تكون لها تداعيات على دبي، يمكن أن تلتزم الإمارات باستثمارات كبيرة وطويلة الأمد في السعودية من أجل إعادة التوازن إلى تدفّقات رأس المال. ولا بدّ أن يطوّر البلدان استراتيجيّات جديدة لتعويض الاختلالات الاقتصادية التي أدّت إلى توتّر العلاقة بين البلدين، ولتحقيق التوازن بين المكاسب والخسائر.
إقرأ أيضاً: الإمارات: من إسبارطة… إلى سنغافورة
وبالنسبة إلى المخاوف المشتركة في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية، يمكن أن تعيد الإمارات تقويم أعمالها في اليمن، حيث تمتلك السعودية مصلحة استراتيجية.
وتشمل قضايا السياسة الخارجية، التي تهتمّ بها الدولتان، أموراً متعلّقة بالولايات المتحدة، ومنها ابتعاد واشنطن عن المنطقة ووضع الصين في سلّم أولويّاتها، إضافةً إلى التداعيات الاقتصادية لموازنة المصالح الأميركية مع مصالح الدولتين الخاصّة بالقرارات المتعلّقة بالتكنولوجيا والتجارة مع الصين، وتأثير التحوّل الأميركي تجاه إيران وانعكاساته الإقليمية.
أخيراً نبّه الكاتب من استمراريّة الانقسام الذي يمكن أن يتحوّل إلى صراع تنافسيّ يُلقي بظلاله وتداعياته على مجلس التعاون الخليجي، وعلى التجارة والاستثمار والتعاون على المستوى الإقليمي.