ماذا بعد انتهاء الحرب في أفغانستان وانسحاب القوات الأميركية منها؟
تحتاج الإجابة على هذا السؤال إلى العودة إلى التاريخ، وتحديداً إلى الحرب العالمية الثانية التي لم تكد تضع أوزارها حتّى انفجرت الحرب الكورية. وكانت الولايات المتحدة قد خرجت من الحرب العالمية “واثقة الخطوة تمشي ملكاً”. كان بطل الجبهة الشرقية في المحيط الهادئ الجنرال “ماك آرثر” الذي بلغ من الاعتداد بالنفس حدّ رفضه أن يؤدّي التحيّة العسكرية للرئيس فرانكلين روزفلت. وكان بطل الجبهة الغربية في أوروبا الجنرال “آيزنهاور” الذي وصل إلى البيت الأبيض.
قادت حسابات الجنرالين الولايات المتحدة إلى شنّ حرب مبكرة ضدّ الصين، كانت كوريا مسرحاً لها.
أدّت مقاطعة الاتحاد السوفياتي لجلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي إلى تمرير مشروع القرار الأميركي بشنّ الحرب على كوريا الشمالية باسم الأمم المتحدة
اعتقدت واشنطن أنّ الصين بزعامة “ماوتسي تونغ” تشكّل خطراً على مستقبل المصالح الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأقصى. ولذلك وجدت أنّه لا بدّ من قطع الطريق أمامها. وكانت الصين الخارجة من حرب مدمّرة تتطلّع إلى استعادة حضورها في المجتمع العالمي. لم تكن الصين تشكّل في ذلك الوقت أيّ تهديد لمصالح الولايات المتحدة، لكنّ واشنطن كانت تعتقد أنّ الصين في طريقها إلى التحالف مع روسيا، ولذلك يجب ضربها لمنع قيام هذا التحالف. وكان ذلك اعتقاداً خاطئاً كما أثبتت الوقائع فيما بعد.
تحوّلت كوريا إلى مسرح للصراع. وكانت الولايات المتحدة تتمتّع بفائض القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية. أمّا الصين الخارجة من ثورة داخلية ومن حرب مع اليابان قُتِل فيها الملايين، لم تكن تملك طائرات حربية ولا مدفعيّة.
وقد أدّت مقاطعة الاتحاد السوفياتي لجلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي إلى تمرير مشروع القرار الأميركي بشنّ الحرب على كوريا الشمالية باسم الأمم المتحدة. في ذلك الوقت أنهكت الحرب الأهليّة الصين، وقسّمتها إلى معسكرين: معسكر “ماوتسي تونغ” في بيجين، بوّابته كوريا الشمالية لأنّه كان يعتبرها خطّ الدفاع الأوّل عن الصين، ومعسكر الجنرال “تشينغ كاي شيك” المتحالف مع الولايات المتحدة، واللاجئ مع قوّاته إلى جزيرة تايوان (“فورموزا” في ذلك الوقت)، التي كانت واشنطن تعتبرها رأس جسر للالتفاف على قوات ماوتسي تونغ.
دارت الحرب بين القوات الأميركية والكورية الجنوبية من جهة، والقوات الصينية والكورية الشمالية من جهة أخرى. لم يكن لدى الصينيين في ذلك الوقت سلاح طيران. فقد وعدهم ستالين بتزويدهم به إلا أنّه نكث وعده. ولم تكن لديهم مدفعية ثقيلة سوى تلك التي كانت القوات الصينية تصادرها من القوات الأميركية المتراجعة.
كان عدد القوات الصينية يبلغ 300 ألف رجل، تعرّض معظمهم للمجاعة كما يوثّق ذلك المؤرّخ الأميركي “دافيد هالبرستان” في كتابه “الشتاء القارص: أميركا والحرب الكورية”. مع ذلك تمكّن أولئك الجوعى من الالتفاف حول القوات الأميركية التي كانت تتحرّك بصعوبة مع آليّاتها العسكرية الضخمة بين مرتفعات كوريا ووديانها، وألحقوا بها خسائر بشرية كبيرة، وصادروا بعض آليّاتها ومدافعها.
إقرأ أيضاً: من سايغون إلى كابول: الهزيمة الأميركية
لكنّ أولئك الجوعى أصبحوا الآن يملكون الطائرات الحربية والأقمار الصناعية التي تكشف مواقع وتحرّكات العدوّ، ويسيّرون السفن المقاتلة وحاملات الطائرات. حتى إنّهم يقفون على استعداد لاقتحام تايوان لاسترجاعها إلى حضن الصين الأمّ. فهل تتوجّه الولايات المتحدة الآن بعد الحرب الأفغانية إلى المجابهة مع الصين؟ إذا حدث ذلك، لا سمح الله، فسيكون أخطر وأسوأ ما يمكن أن تتعرّض له الإنسانية.