في الحلقة الأولى من هذا التقرير، قمنا بجولة على المدارس الرسمية والأهالي ولجانهم ووزارة التربية ونقابة المعلّمين ولجنة كورونا الرسمية، وتبيّن أنّ المدارس الرسمية قاب قوسين أو أدنى من خسارة العام الدراسي في غياب خطة رسمية لتوفير المازوت والبنزين للأساتذة، وفي غياب خطة لنقل الطلاب من وإلى المدارس.
رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، لما الزين الطويل، ترى أنّه تم التأخُّر كثيراً في البحث عن حلول: “قلّة التعاون بين الوزارات أدّت إلى إفشال العام الدراسي
ماذا عن المدارس الخاصة؟
انطلق العام الدراسي في مدرسة الليسه الفرنسية – فردان. مصدر في الإدارة قال لـ”أساس” إنّه لا زيادة للأقساط المدرسية “حتّى الآن”، لأنّ “قيمة الأقساط يتمّ تحديدها في شهر تشرين الأوّل المقبل”، وأنّ “المدرسة ليست لديها باصات مخصّصة لنقل الطلاب، بل تعتمد على الأهل”.
وعن إجراءات الوقاية من كورونا، قالت “أورور”، وهي إحدى الممرّضات، إنّ الإدارة تستند إلى البروتوكول الذي وضعته وزارة الصحة، والقاضي بعدم تقسيم الصف إلى قسمين لتقليل عدد الطلاب، وإنّما اعتماد ارتداء الكمّامات.
تقول والدة أحد الطلاب في مدرسة ليسيه عبد القادر لـ”أساس” إنّه “على الرغم من انطلاقة العام الدراسي فإنّنا لم نعرف حتى الآن تكلفة النقل. والإدارة تفكّر في زيادة الأقساط المدرسية، لكن لم يتمّ إقرارها ولا إبلاغنا بأيّ جديد. وأسعار القرطاسية مكلفة جداً، وتشهد المدرسة حملة تبادل للكتب المستعملة بين الأساتذة والطلاب. واللافت في الموضوع أن لا تقليص لعدد الطلاب داخل الصفوف”، سائلةً: “أين إجراءات الوقاية ونحن لا نزال نعاني من كورونا”.
“إفشال العام الدراسيّ”
رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، لما الزين الطويل، ترى أنّه تم التأخُّر كثيراً في البحث عن حلول: “قلّة التعاون بين الوزارات أدّت إلى إفشال العام الدراسي. فالوعود كثيرة، لكنّ هناك واقعاً لا مهرب منه، وفي حال عدم دعم المحروقات سنكون أمام مشكلة كبيرة جدّاً قد تؤدّي إلى تعطيل العام الدراسي. فجزء كبير من الأهالي لن يستطيعوا إرسال أولادهم إلى المدارس”.
وفي حديث لـ”أساس” تلقي الطويل لومها على وزارة التربية، التي كان يجب أن تفكّر في حلول منذ نهاية العام الدراسي الماضي “الذي خسرناه أيضاً”. وفي موضوع النقل “قدّمنا الخطة الإنقاذية للوزير قبل المؤتمر الصحافي وقبل إطلاق العام الدراسي، وشدّدنا على مقوّمات من الضروريّ توفيرها وإلّا فلن يكون عام دراسيّ. وأهمّ هذه المقوّمات دعم المحروقات وتوفير النقل المدعوم للتلامذة والأساتذة، لكن إلى الآن لم يصلنا أيّ خبر من الوزارة”.
بعض أصحاب الباصات يطلبون “فريش دولار” من الأهالي. وعلى سبيل المثال لا الحصر: 1200 دولار في السنة، مليون ليرة في الشهر أو 20 دولاراً، أو 450 ألف ليرة في الأسبوع، وجميعها معدّلات مؤهّلة للارتفاع في حال رفع الدعم كلّيّاً عن المحروقات
في حين يحاول بعض الأهالي نقل أولادهم إلى مدارس قريبة من منازلهم، ويحاولون ابتداع بعض الحلول الفردية، عبر مداورة توصيل أولادهم في بعض الأحياء، إلا أنّها “تبقى حلولاً فردية على صعيد أشخاص ولا ترتقي إلى مستوى حلٍّ لأزمةٍ يواجهها عام دراسيّ كامل في طول البلاد وعرضها. فلا بدّ من حلول، إذ لا يحتمل الأطفال خسارة سنة دراسية ثالثة”.
وتسأل الطويل: “ماذا عن المدارس التي يزيد ارتفاعها عن 700 متر؟ والتي تحتاج إلى تدفئة؟ وماذا عن الإضاءة في النهارات المعتمة؟ وماذا عن القدرة الاستيعابية المحدودة للمدارس الرسمية في بعض المناطق؟ ولا سيّما أنّنا نتحدّث عن نزوح كبير متوقّع للطلاب إلى التعليم الرسمي، الذي قارب العام الماضي 80 إلى 90 ألف طالب؟”.
4 ملايين لـ”الأوتوكار”
ماذا عن معدّل بدل النقل إلى المدارس؟
يبدو أنّه بات خياليّاً. وبعض أصحاب الباصات يطلبون “فريش دولار” من الأهالي. وعلى سبيل المثال لا الحصر: 1200 دولار في السنة، مليون ليرة في الشهر أو 20 دولاراً، أو 450 ألف ليرة في الأسبوع، وجميعها معدّلات مؤهّلة للارتفاع في حال رفع الدعم كلّيّاً عن المحروقات.
تحاول بعض المدارس تحديد بدل النقل بـ24 ألف ليرة لليوم الواحد، كما حدّدته الدولة في القطاعين الخاصّ والعامّ: “لكنّ الحديث لم يتبلور بعد بشكل نهائي”، على حد تعبير رفيق فخري، الناشط التربوي وعضو لجنة الأهل في “مدرسة اللويزة”. وهو يرجّح اعتماد مبدأ الاحتساب اليوميّ: “أي يتمّ الدفع وفقاً للأيام التي يداومها الطلاب، ويكون البدل مرتبطاً بمعايير عدّة: أوّلها رفع الدعم عن المحروقات، وسعر صرف الدولار المتغيّر. نحاول التوصّل إلى بدل نقل منطقي ومعقول، لأنّ الحديث عن 24 ألف ليرة لليوم يعني أنّه إذا داوم التلميذ 20 يوماً في الشهر يكون البدل حوالي 500 ألف في الشهر. فالمدرسة تفتح أبوابها عادة 165 يوماً في السنة، ومع كلفة 24 ألفاً لليوم نكون أمام ما يقارب 4 ملايين ليرة للأوتوكار سنوياً، وهذا يوازي القسط السنوي في بعض المدارس، ولا أحد يستطيع تحمّله”.
يتوقّع فخري ختاماً أن يصطدم العام الدراسي بالواقع: “بعد أسبوع ينطلق العام الدراسي، والأوتوكارات والمدارس لم تحصل على المحروقات اللازمة بعد، ولا حلول واضحة في الأفق”.
في انتظار الفاتيكان
أما بخصوص المدارس الكاثوليكية، فقد علم “أساس” أنّها ستعلِّق العام الدراسي في انتظار الفاتيكان. فحتّى التسجيل توقّف في انتظار ما سيقرّره الفاتيكان في شأن المساعدات المرجوّة من أجل النهوض بالعام الدراسي في هذه المدارس.
كلّ ما هو معروف في الوسط التربوي الكاثوليكي، بحسب مصادر تربوية، أنّ “الفاتيكان طالب بفتح المدارس، وتكفّل بكلّ شيء”، لكن ماذا يعني “كلّ شيء”؟
الصورة غير واضحة حتى الساعة. وتنقل المصادر إنّ “كلّ شيء” يعني “بونات بنزين للأساتذة” و”محروقات للمدارس”، وحتّى جبنة “بيكون” ستكون متوافرة لتلامذة المدارس الكاثوليكية.
إقرأ أيضاً: التعليم للأغنياء فقط (1/2): انهيار “الرسمي” بلا محروقات
لكن في أواخر أيلول ستتّضح الصورة أكثر: “لا سيّما أنّ للفاتيكان حساباتها الخاصةّ في تقديم المساعدات للمدارس، وتحرص على أن تصل مساعداتها إلى التلامذة، لا أن يتمّ احتكارها أو عدم إيصالها، كما حدث مع “قانون مجانيّة التعليم للولد الرابع، الذي دعمته الفاتيكان ولم تطبّقه المدرسة”.
بين وزير حسم خياره بالعودة إلى المدارس، وأساتذة حسموا خيارهم باللاعودة، يبدو أنّ مصير العام الدراسي كمصير سائر القطاعات، على بُعْد خطوات من الانهيار…