من ضمن ثلاثة قضاة عُيِّنوا في الحكومة الجديدة اختار الرئيس نجيب ميقاتي بالتنسيق الكامل مع الرئيس سعد الحريري رئيس محكمة جنايات الشمال القاضي بسام المولوي وزيراً للداخلية.
وقبل أن تُلتقط الصورة التذكارية في القصر الجمهوري، وتُؤلّف لجنة صياغة البيان الوزاري، كان “القاضي” يجري مقابلات في أكثر من وسيلة إعلامية راسماً حدود “سياساته” في الوزارة، وأهمّها “منع قطع الطرقات، وضمان حقّ التظاهر، وسعيه إلى تفعيل العمل بالبند الإصلاحي المرتبط بالبطاقة المُمغنطة لاستخدامها في الانتخابات المقبلة”، ومؤكّداً أنّ “مذكّرة الإحضار بحقّ رئيس الحكومة السابق حسان دياب لم تصل بعد إلى القوى الأمنيّة”.
لكنّ “فاجعة” إطلاق الرصاص الكثيف أمام منزل وزير الداخلية المُعيَّن حديثاً في شارع المئتين في طرابلس، كما جرى في البقاع مع وزير الأشغال علي حميّة، خطفت الأضواء من سيرته الذاتية ومَن سمّاه. المولوي أكّد رفضه الكامل لهذه الظاهرة “السيّئة والمستهجنة”، واعداً بالعمل على الحدّ من ظاهرة تفلّت السلاح.
يُعرف عن القاضي المولوي نزاهته وكفاءته وتماسه بحكم موقعه مع الأجهزة الأمنيّة، لكنّ إصدار رئيس محكمة جنايات الشمال قراراً في تشرين الثاني 2020 قضى بإخلاء سبيل عبد الهادي حسون المقرّب من تيار المستقبل أثار جدلاً كبيراً
اختيار وزير الداخلية من الشمال على أبواب انتخابات بلدية ونيابية الأرجح أنّ رئيس الحكومة سيخوضها، وتيّار المستقبل يسعى إلى إعادة تكريس نفوذه فيها ولملمة “شعبيّته”، ليس مجرّد تفصيل صغير. يؤكّد العارفون: “لا يجرؤ ميقاتي على حسم اسم وزير الداخلية تحديداً من دون غطاء الحريري”.
لكنّ رئيس محكمة جنايات الشمال لم يكن من ضمن التشكيلة الوزارية التي رَفعها الحريري لعون، بل اختار وزيراً للداخلية هو القاضي وليد عاكوم (الشوف) العضو في المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري .
عمليّاً، انتقل اسمان سنّيّان فقط، هما فراس الأبيض (بيروت) وناصر ياسين (البقاع)، من تشكيلة الحريري إلى تشكيلة ميقاتي، فيما أكّدت المعطيات أنّ بسام المولوي كان من اختيار ميقاتي أوّلاً، مع غطاء من الحريري. وفي ما يخصّ المولوي تفيد المعلومات بأنّ الحريري لم يكن يعرفه شخصياً، وقد تعرّف عليه من خلال أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري.
أمّا لماذا من الشمال وليس من بيروت المنطقة الانتخابية لرئيس تيار المستقبل الذي سبق أن اختار النائب نهاد المشنوق من بيروت لولايتين وزاريّتيْن، ثم ريّا الحسن من طرابلس لحقيبة الداخلية في كانون الثاني 2019، فيبدو أنّ المصلحة الانتخابية كانت مشتركة بين بلاتينوم وبيت الوسط.
لماذا المولوي؟
“قاسَها” ميقاتي من الزاوية الانتخابية باختياره وزيراً من طرابلس لحقيبة سيادية. أمّا تيّار المستقبل فـ”رأسه في الدقّ”، ويخوض انتخابات ليست سهلة سيشرف عليها أحمد الحريري على الأرض في محاولة لإعادة تعويم التيار الأزرق بذراع بسام المولوي.
يُشار إلى أنّ تيار المستقبل خاض الانتخابات الماضية في الشمال وباقي المناطق متحالفاً مع التيار الوطني الحر في ثلاث دوائر، ومع القوات اللبنانية في ثلاث دوائر أخرى، واعترف بخسارته على الأقلّ ثلاثة مقاعد في بيروت والكورة وزحلة.
ولا تزال تُطرح علامات الاستفهام عن إمكان ترشّح ميقاتي للانتخابات، وهل يكون “ثمن” تخلّيه عن مقعده النيابي هو رئاسة الحكومة بعد الانتخابات النيابية؟
لكنّ العارفين يستبعدون أن “يكون أيّ لاعب محلّي أو خارجي قد فَرَض هذا الشرط على ميقاتي الذي سيعلن قراره في الوقت المناسب، ولأنّ حكومته أتت ضمن باكدج إقليمي-دولي-داخلي أبعد من مسألة مقعد نيابي”.
وعود القاضي-الوزير بمكافحة الفساد، وإجراء الانتخابات في موعدها، وحلّ مشاكل عجقة السير والنافعة وإخراجات القيد وكلّ الأمور الإدارية، تشي بانحيازه للبروفيل “المَدَني” لهذه الوزارة الأمنيّة بامتياز
سيكون أمراً مستفِزّاً منع أيّ وزير في الحكومة الحالية من استغلال نفوذه والترشّح للانتخابات النيابية مع إمضاء تعهّد مسبق بذلك (وفق الرؤية الإصلاحية المطلوبة)، فيما رئيس الحكومة مُستثنى من هذا الشرط والداخلية وكلّ الوزارات تحت إمرته!!
السيرة الذاتية للقاضي المولوي مقتضبة جدّاً، وجاء فيها: قاضٍ تولّى الغرفة الابتدائية في بيروت. رئيس محكمة جنايات الشمال. وكان أوّل قاضٍ يعقد جلسة إلكترونية في تاريخ محافظة الشمال بسبب إقفال المحاكم أثناء جائحة كورونا.
وقد ثُبِّت الاسم بعد “مواجهتين”: الأولى بعد تمسّك ميشال عون بحقيبة الداخلية أو المال على أساس المداورة. واستمرّ “التنتيع” منذ تكليف مصطفى أديب إلى تكليف سعد الحريري، ثمّ حُصِر التركيز العوني خلال مرحلة تكليف ميقاتي بحقيبة الداخلية. لكن سريعاً فَرَض ميقاتي منطق إبقاء القديم على قدمه، مُخرِجاً الداخلية بالكامل حتّى من معادلة التسمية المشتركة مع رئيس الجمهورية.
أمّا المواجهة الثانية فكانت مع سقوط الأسماء التي طرحها عون من باب “التسوية” على الاسم، وأبرزها سعيد الرز، محمد الحسن، محمد الفوّال، وأسماء طرحها ميقاتي، منها إبراهيم بصبوص، ومروان زين الدين… وقد بقي اسم القاضي المولوي في جيب ميقاتي حتى الأيام الأخيرة التي سبقت ولادة الحكومة، فيما كان قد طَرَح في أولى تشكيلاته اسم القاضي هاني حلمي الحجار من باب المناورة، موحياً لسعد الحريري بأنّ رئيس الجمهورية رفَضه. وكانت أوساط الأخير تجزم: “رفضنا صيغة النقاش التي اعتمدها ميقاتي، ولم نصل إلى مرحلة الخوض في الأسماء في تلك المرحلة”.
يُعرف عن القاضي المولوي نزاهته وكفاءته وتماسه بحكم موقعه مع الأجهزة الأمنيّة، لكنّ إصدار رئيس محكمة جنايات الشمال قراراً في تشرين الثاني 2020 قضى بإخلاء سبيل عبد الهادي حسون المقرّب من تيار المستقبل أثار جدلاً كبيراً.
وكان حسون موقوفاً بجريمة قتل في محلّة أبي سمرا، وأُخلِي سبيله مقابل كفالة مالية مقدارها 200 مليون ليرة، وذلك بعد التثبّت، وفق القرار، أنّه لم يكن مطلق النار، ولإصابته بجائحة كورونا وتدهور صحّته، بعدما كانت هيئة المحكمة ردّت مراراً طلبات إخلاء سبيله. وقد عَمَد ذوو القتيل إلى الاعتصام أمام قصر العدل في طرابلس اعتراضاً على القرار، وطالبوا بتنحيته.
وعود القاضي-الوزير بمكافحة الفساد، وإجراء الانتخابات في موعدها، وحلّ مشاكل عجقة السير والنافعة وإخراجات القيد وكلّ الأمور الإدارية، تشي بانحيازه للبروفيل “المَدَني” لهذه الوزارة الأمنيّة بامتياز.
لكنّ كلّ هذه المهامّ لا تُقارَن بالمهمّة الأصعب، وهي معالجة الوضع الأمني الهشّ المعرّض للانتكاس في حال تعثّر مسار الحكومة بعدما مرّ الداخل اللبناني بأكثر من قطوع خطر.
ويبقى الأهمّ تقارير الأجهزة الأمنيّة التي “تتوّج” طرابلس والشمال على رأس المناطق الأكثر توتّراً في لبنان، كما شهدت على ذلك مداولات المجلس الأعلى للدفاع في الآونة الأخيرة.
إقرأ أيضاً: معركتان خسرهما باسيل… وعينه على التعيينات “الانتخابية”
فالمرحلة التي تَلَت استقالة حكومة سعد الحريري، ثمّ حسان دياب، شهدت توتّرات أمنيّة بالغة الخطورة كانت طرابلس مَسرحها الأساس. وقد تخلّلتها أعمال تخريب وشغب وَصلت إلى حدّ إحراق مبنى البلدية، ومحاولة اقتحام سراي مدينة طرابلس وإحراق جزء من المحكمة السنّيّة الشرعية، الذي اعتبره الحريري آنذاك “جريمة موصوفة ومنظّمة”. ثمّ تكرار السطو على صهاريج المازوت والبنزين، وقطع الطرقات، واتّهام أجهزة أمنيّة جهاتٍ وأحزاباً بتنفيذ أجندات تستغلّ بعض أهل طرابلس لترجمتها على الأرض من الشمال إلى بيروت، وتحديداً أعمال الشغب في العاصمة ومحاولات اقتحام أسوار مجلس النواب.
فهل يكون المولوي ورقة المستقبل الرابحة في الانتخابات؟ أم العكس؟