سُنّة وشيعة أصحاب “توكيل حصريّ” للإسلام!

مدة القراءة 7 د

تيار الإسلام السياسي بشقّيه السنّيّ والشيعي، الحزبي والميليشياوي، تلقّى أخيراً رسالتين: الأولى من كابول منعشة لأحلامه، والثانية من الرباط محبطة لتطلّعاته.

لو كنتَ من هذا التيار، فأيّ الانطباعات سوف تسيطر عليك، نجاح طالبان؟ أم فشل العدالة والتنمية في المغرب؟

طالبان التي وصلت إلى الحكم بعد حرب مع الولايات المتحدة استمرّت 20 عاماً، وكلّفت 83 مليار دولار، ومع إنفاق إجمالي تعدّى تريليون دولار، لن تستطيع بناء دولة عصرية بسبب منظومة القيم والأفكار وضعف الكفاءة وانعدام الخبرة في الإدارة

الأمر الأغلب للتحقّق أنّ انتصار الإسلام السياسي في بلد ما لا يعني أنّه قادر على البناء. لاحظ هبوط أصوات الحزب من 125 مقعداً في الانتخابات ما قبل الأخيرة إلى 12 مقعداً في الانتخابات الأخيرة بعد عشر سنوات من الإمساك بالسلطة التنفيذية والأغلبية البرلمانية.

والأمر المؤكّد أنّ طالبان التي وصلت إلى الحكم بعد حرب مع الولايات المتحدة استمرّت 20 عاماً، وكلّفت 83 مليار دولار، ومع إنفاق إجمالي تعدّى تريليون دولار، لن تستطيع بناء دولة عصرية بسبب منظومة القيم والأفكار وضعف الكفاءة وانعدام الخبرة في الإدارة.

ما حدث في المغرب بيّن فشل الإخوان في الحكم، وما حدث في أفغانستان بيّن فشل الأميركيين في إعادة بناء دولة تعاني من التخلّف والفقر والقبليّة والتطرّف.

مشكلة العقل السياسي العربي اعتباره أنّ خسائر الإخوان في مصر والسودان والجزائر وتونس والمغرب تعني أنّ مشروع الإخوان انتهى بغير رجعة. لكنّ حقيقة الأمر أنّ مشروع الإخوان ضعف مؤقّتاً.

ومشكلة العقل السياسي العربي أنّه يعتبر استيلاء قوات طالبان على 33 ولاية من 34، وحصارها الولاية الأخيرة، عملاً مُلهِماً لجماعات الإسلام السياسي يزوِّدها بأمل عظيم في نشر مشروع الدولة الإسلامية في كل مكان. لكنّ الحقيقة أنّ بناء الدولة الحديثة في عالم معقّد جدّاً يحتاج أكثر من النطق بالشهادتين ورفع شعارات شعبوية تستخدم الإسلام العظيم.

إنّ تسطيح الأمور بالقول إنّ المشروع فشل أو إنّ المشروع الإسلامي آتٍ لا ريب فيه، هو خطأ جسيم في الرؤية وخطيئة كبرى في ترسيم آفاق المستقبل السياسي للمنطقة.

إذن علامَ يعتمد التحليل الصحيح لمستقبل الإسلام السياسي؟

قوّة الإسلام السياسي تعتمد على عناصر ومسبّبات:

1- التأثير العميق للعامل الديني والشعار الإسلامي على الجماهير.

2- ضعف الخطاب الديني الرسمي المستنير.

3- انعدام وجود مشروعات سياسية مدنية قادرة على تعبئة الناس وجذب الشارع العربي والإسلامي للالتفاف حولها.

4- الفساد السياسي للأنظمة في المنطقة يدعم نظريّة أنّ مبدئيّة الإسلام وطهارة القصد في هذا الدين العظيم هما الحلّ.

5- التسويق المغلوط لمفهوم الجهاد في الإسلام، وقَصْر “فعل الجهاد” على القتال وحده.

من هنا سوف نجد أنّ القاسم المشترك لدى تنظيم الإخوان، وحكم ولاية الفقيه، وحزب النهضة التونسي، والحوثي اليمني، وحماس الفلسطينية، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وحزب الله اللبناني، وحزب العدالة والتنمية المغربي، وحزب إردوغان في تركيا، قائمٌ على مبدأ رئيسي عنوانه: إنّهم، وحدهم دون سواهم، الذين سيبقون لتطبيق الشريعة الصحيحة، بمعنى أنّهم أصحاب الامتياز الحصريّ للإسلام.

وكلّما انتصر لهؤلاء مشروعٌ عزَوْه إلى الإسلام وإرادة السماء.

وكلّما أخفقوا كان تفسيرهم هو تفسير المؤامرة من أعداء الإسلام، وأعداء الديموقراطية، وأنصار النظام القديم، وكيد وتحريض القوى الدولية التي تقف ضد قيام أيّ مشروع إسلامي.

هذا المنطق يعطي الله جلّ جلاله مسؤولية نجاحهم، ويُعفي الله، والعياذ بالله، من مسؤولية الإخفاق. وكأنّ الله موجود في حالات النجاح فقط، متعامياً عن كونه سبحانه مدبّر الكون، وحده دون سواه، كان قبل القبل وسيبقى بعد البعد، لأنّه ليس كمثله شيء.

في حالة طالبان كان فشل مشروع الأميركيين وحلفائهم الأفغان بعد 20 عاماً من السياسات الخاطئة؟

بالمقابل في المغرب كان فشل مشروع الإخوان بقيادة “بن كيران” بعد عشر سنوات من الإمساك الكامل بمفاصل الدولة، وفي ظلّ دستور يعطي رئيس الحكومة سلطات واسعة، فيها جزء من سلطات الملك محمد السادس، حسب التعديل الأخير.

الأرقام، وحدها، من دون أيّ انحياز سياسي، توضح حجم خسارة المشروع الإسلامي السياسي في المغرب.

في لبنان تمّ تشكيل حكومة تعبِّر بصدق عن معادلات القوى الحقيقية في البلاد، وتعكس “حالة الشطارة” في تغليف تركيبة سياسية تبدو وكأنّها لا تعطي أيّ ثلث معطّل، لكنّها في الواقع تركيبة خفيّة يمكن لأيّ طرف محلّي أو إقليمي استدعاؤها عند الحاجة

في انتخابات 2016 حصد حزب الإخوان في المغرب 125 مقعداً، وكان حزب الأغلبية. أمّا في الانتخابات الأخيرة فقد حصل على 12 مقعداً، وكان ترتيبه الثامن وسط الأحزاب المنافسة.

لكن في مواجهة مَن خسر الإخوان؟

خسروا لمصلحة حزب تجمّع الأحرار الذي لم يصل إلى الحكم منذ 40 عاماً. اعتمد هذا الحزب في آخر خمس سنوات على إعادة بناء قواعده الشعبية والبناء على أخطاء حكم الإخوان، يقوده رجل أعمال ناجح يمثّل تحالف رجال أعمال ومثقّفين ونخب سياسية ضد الدولة الدينية وتؤمن بالملكية الدستورية.

معنى رسالة الناخب المغربي في هذه الانتخابات إلى الإخوان واضح وصريح:

1- جرّبناكم عشر سنوات وفشلتم في تحقيق أحلامنا.

2- لو كان إخفاقكم هيّناً لتمّت ترجمة ذلك في نتائج هذه الانتخابات بشكل بسيط أو متوسّط. لكنّ خسارة بنسبة 90 في المئة مقارنة بالانتخابات السابقة، هي بالفعل “خسارة مؤلمة”، كما وصفها بن كيران نفسه.

في لبنان تمّ تشكيل حكومة تعبِّر بصدق عن معادلات القوى الحقيقية في البلاد، وتعكس “حالة الشطارة” في تغليف تركيبة سياسية تبدو وكأنّها لا تعطي أيّ ثلث معطّل، لكنّها في الواقع تركيبة خفيّة يمكن لأيّ طرف محلّي أو إقليمي استدعاؤها عند الحاجة من أجل التأثير المباشر على السلطة التنفيذية لمنع أي إضرار بمصالح الرئيس أو الحزب أو إيران أو سوريا.

ويشفق الإنسان على دولة الرئيس نجيب ميقاتي، وهو سياسي صبور ورجل أعمال قدير، ولديه قدْر لانهائي من الصبر والمقدرة على تحمّل الشدائد، لأنّه يقود طائرة محمّلة بمجموعة ركاب، كلٌّ منهم يرتدي حزاماً ناسفاً يمكن أن يفجّره حينما يأتيه الأمر من برج المراقبة الموجود في طهران أو دمشق.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي بزعامة فرنسا قد أعلن دعمه حكومة دولة الرئيس ميقاتي وثقته بقدرتها على تحقيق إصلاحات، فإنّه لا شك عندي أنّ ميقاتي سوف يفعل كلّ شيء وأيّ شيء لإنجاح الحكومة وتحقيق الإصلاحات، لكن ستكون أمامه دائماً 5 عقبات:

1- حزب الله.

2- جبران باسيل.

3- مصالح الفساد السياسي.

4- رفض الخليج العربي والمجتمع الدولي لهذه التركيبة.

5- موقف الشارع السياسي لثوّار تشرين 2019 من “شخوص وطريقة تشكيل الحكومة” التي تجاهلت مطالبهم.

إذن ها نحن الآن نرى رسائل متضاربة لتيارات الإسلام السياسي: إخفاق في المغرب، نجاح مؤقّت في أفغانستان، تعطيل وفرض أمر واقع في لبنان، أزمة اقتصادية للحزب الحاكم في أنقرة، ارتباك وضغوط في غرب ليبيا، شعور بنشوة النجاح في الدوحة بعد مصالحة العلا والدور القطري في كابول.

باختصار، نحن نعيش في صراع دونه الموت بين مشروعين:

1- مشروع إسلام سياسي غير ذي كفاية.

2- مشروع مضادّ لدول الاعتدال العربي، لكن لا يستخدم كفايته بالحدّ الأقصى.

إقرأ أيضاً: هزيمة الإسلاميّين تتجاوز حدود المغرب

مشروع الإسلام السياسي لم ينتصر بعد، ولم يسقط بعد، بانتظار قيام مشروع مدني عربي يؤمن بالدولة الوطنية ويدافع عنها، ويعتمد على سياسة إيجابية بنّاءة مضادة وقوية، ولا يعتمد فقط على الأخطاء الفادحة والإخفاقات التي تأتي من أنصار الإسلام السياسي وجماعاته.

باختصار يجب وقف مشروع اختطاف الإسلام باسم الشريعة، والشريعة السمحة منهم براء، براء، براء.

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…