هل من خطّة أميركيّة لإنقاذ لبنان؟

مدة القراءة 4 د

بعد مرور أكثر من عام على الدفع بالقطار الحكوميّ الذي سارَ حيناً وتعطّل أحياناً، وصلَ إلى محطّته في السراي، متخبّطاً في طريقه بأزمة اقتصاديّة لم يشهدها لبنان من قبل، أغرقت 78% من سكانه بالفقر. لكنّ السؤال الذي يُثار في هذه المرحلة هو: ما مدى تمكّن الحكومة العتيدة من تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، فيما يوجد القليل من المؤشّرات الدالّة على هذه القدرة أو الإمكانيّة؟

من جانبهم، يعقد الكثير من اللبنانيين، الذين سئموا الظلام وتعطّل البلاد اقتصادياً، آمالهم على الولايات المتحدة الأميركية، معتبرين أنّها الجهة الوحيدة التي تستطيع إعادة إحياء شريان الحياة الاقتصادي من خلال فرض تغييرات سياسية يحتاج إليها لبنان، لكنّ ما يتّضح أنّ واشنطن لم تضع أيّ خطّة لإنقاذ لبنان، وما أخذته على عاتقها هو الدعم الإنساني وتعزيز المؤسّسة العسكرية، إضافةً إلى تسهيل الحلول لوصول الطاقة إلى لبنان الذي يعاني نقصاً في المحروقات والكهرباء، فيما عهدت بالملفّ اللبناني إلى فرنسا التي زار رئيسها إيمانويل ماكرون بيروت غير مرّة غداة انفجار المرفأ، وسعى إلى الدفع باتجاه عقد اجتماعي جديد بين الدولة اللبنانية والشعب.

لكنّ نتائج المبادرة الفرنسية كانت خالية من الضغوط على السياسيين، ورأى بعض المحلّلين أنّها كانت خالية من التأثير الذي تمتلكه واشنطن لإلزام السياسيين بالعمل، وفي الوقت نفسه فإنّ الولايات المتحدة غير مهتمّة بلبنان كما كان متوقّعاً، حيث إنّ “الأولويّة في جدول أعمال إدارة بايدن هي لأمن إسرائيل وإحياء الاتفاق النووي مع إيران، أمّا لبنان فهو خارج هذه الأولويّة”، يقول المحلّل السياسي سامي نادر لمجلّة “فورين بوليسي”، متذكّراً الفترة التي وضعت فيها واشنطن الملفّ اللبناني في مقدّم اهتماماتها، وذلك تحديداً خلال عهد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، وحينذاك رأى اللبنانيون “الكثير من الأمل والدعم على جميع المستويات”، على حدّ تعبير نادر.

وعلى ما يبدو، يتفاعل الأميركيّون مع الأحداث بدلاً من أن يتبنّوا سياسة استباقية تنقذ لبنان ممّا وصفه البنك الدولي بأنّه “إحدى أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”. في المقابل، يرغب الكثير من اللبنانيين بأن تعمل واشنطن على صياغة سياسة شاملة تركّز على تنمية ديموقراطية، لا أن تنظر إلى لبنان كما اعتادت من زاوية إسرائيل أو من منظور إيران.

إضافةً إلى ما تقدّم، وفي الوقت الذي تراجعت فيه الاحتجاجات الشعبية في لبنان، يرى محلّلون لبنانيون أنّ واشنطن أعربت عن تعاطفها العامّ مع المتظاهرين، من دون أن توضح خطّتها لِما يمكنها أن تقوم به من أجل دعمهم وحمايتهم. وتثير الإدارة الأميركية، التي تسعى إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، الشكوك لدى بعض اللبنانيين الذين يتساءلون كيف سينعكس هذا الاتفاق الجديد على قوّة “حزب الله” في الداخل.

من جانبها، تساءلت خبيرة النفط والغاز لوري هايتايان عن خطّة واشنطن لإنقاذ لبنان، وقالت: “أستبعد وجود سياسة أميركية واضحة تجاه لبنان. وفي الوقت الذي تواصل واشنطن دعمها للمنظّمات غير الحكومية وللجيش، لا شيء واضحاً على هذا المستوى”، وأضافت: “لا أرى أيّ تحوّلات أو أيّ استراتيجيا. فالولايات المتحدة تكتفي بالتفاعل مع الأزمات الإنسانية”.

إذاً لا يبدو أنّ لدى أميركا أيّ خطوات عمليّة، باستثناء دعم خطّ الغاز العربي، فيما يحتاج اللبنانيون إلى مبادرات مماثلة. وبحسب “فورين بوليسي” فإنّ الإدارة الأميركية تميل إلى تشجيع الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط على حلّ المشاكل الإقليمية، وتُشير المعلومات إلى أنّ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي التقى الرئيس الأميركي جو بايدن في تموز الماضي، دفعَ بفكرة “معبر الطاقة” الذي يمتدّ من الأردن إلى لبنان، حيث ستساهم هذه الخطّة في إحياء الاقتصاد الأردنيّ، وانتشال لبنان من مأزق المحروقات، ويساعد هذا الحلّ في ترسيخ الاستقرار بسوريا.

وما يظهر جليّاً هو أنّ المجموعات التابعة لإيران “ستسيطر فعليّاً على المناطق السوريّة التي يمرّ عبرها الغاز المصري”، كما يرى الدبلوماسي السوري السابق المقيم في الولايات المتحدة بسام بربندي الذي أشار إلى أنّ “الأميركيين يساعدون إيران، ولا يحتوونها”.

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…