عام 2019، تصاعد التوتر بين الرياض وطهران، إثر اتهام السعودية لإيران بالوقوف وراء الهجوم على منشأتي نفط تابعتين لشركة “أرامكو”، فردّت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” آنذاك بإرسال مئتَي جندي إلى السعودية، بالإضافة إلى نشر صواريخ باتريوت في المملكة، للمرة الأولى منذ عام 2003. لكنّ ما يجري في ظلّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يختلف عمّا كان الوضع عليه عندما كان دونالد ترامب هو سيّد البيت الأبيض.
فعلى الرغم من تواصل التهديدات نفسها التي تواجهها المملكة، اتخذ البنتاغون خطوة لافتة، قام بموجبها بسحب نظام الدفاع الصاروخي وبطاريات الباتريوت من المملكة، مما أثار خشية السعودية بشأن الالتزام العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، بحسب صحيفة “التايمز” التي لفتت إلى أنّ صور الأقمار الصناعية لقاعدة الأمير سلطان الجوية التي تبعد 70 ميلاً عن الرياض تُظهر أنّ الجزء الذي كان يحتوي بطاريات أميركية منذ العام 2019 أصبحَ فارغاً الآن. وتزامن سحب هذا النظام المتطوّر مع قرار واشنطن بنقل أسلحة إلى آسيا لمواجهة تهديد محتمل من بكين.
ولا تزال المملكة تحتفظ ببطاريات باتريوت خاصة بها، وتطلق عادة صاروخين ردّاً على كلّ هدف وارد. لكن مع تواصل حملة الحوثيين وشنّهم هجمات صاروخية على المملكة، أصبح هذا الردّ مكلفاً، حيث تبلغ قيمة كلّ صاروخ باتريوت مضاد للصواريخ والطائرات أكثر من 3 ملايين دولار، وفقاً لِما أوردته إذاعة صوت أميركا.
في هذا السياق، علّق الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق وسفير المملكة الأسبق في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، موضحاً أنّ الرياض تريد أن تُظهر واشنطن التزامها تجاه المملكة، أي أن تبقي معدات الدفاع الأميركية في المملكة. وأضاف أنّ “سحب الباتريوت من المملكة لا يشير إلى نية أميركا المعلنة مساعدة المملكة في الدفاع عن نفسها ضد الأعداء الخارجيين”.
وردّ الأمير في حديث لشبكة “سي إن بي سي” عمّا يحتاج إليه الشرق الأوسط من الولايات المتحدة في أعقاب سيطرة “حركة طالبان” على أفغانستان، فرأى أنّه ينبغي أن تنظر الولايات المتحدة بجديّة إلى إظهار دعمها للشرق الأوسط، ولا سيما بعد الانسحاب من أفغانستان.
وتوازياً مع سحب النظام الدفاعي المتطوّر، ألغى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن جولته التي كانت مقرّرة في الشرق الأوسط، والتي كان سيستهلّها من المملكة العربية السعودية. وتزامن إلغاء الزيارة وسحب الباتريوت والإشارة الضمنية إلى عدم استقرار العلاقات السعودية – الأميركية، مع نشر مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف. بي. آي” يوم السبت، في الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول 2001، وثيقة تتألّف من 16 صفحة رُفِعت عنها السرية أخيراً تتعلّق بالتحقيق في الهجمات، وقد أُصدرت بموافقة الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد ضغوطات من أهالي الضحايا، وكشفت عن اتصالات بين الخاطفين ومسؤولين سعوديين من دون الإشارة إلى تورّط الحكومة السعودية في تلك الهجمات.
وتتحوّل الأنظار أيضاً نحو روسيا، بعدما كشف “المجلس الأطلسي” أنّ نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان وقّع “اتفاق تعاون عسكري” في 23 آب الماضي مع أحد نظرائه الروس خلال المنتدى العسكري التقني الدولي السنوي السابع الذي عُقِدَ بالقرب من موسكو. وعلى الرغم من غموض التفاصيل، إلا أنّ هذا الاتفاق مهمّ، ولا سيما بعد سقوط الحكومة الأفغانية المدعومة من واشنطن واجتياح “حركة طالبان” لأفغانستان. ويعني الاتفاق أنّ السعودية لم تعد تجد أنّ بإمكانها الاعتماد بشكل كامل على واشنطن، ولهذا تحمي رهاناتها من خلال التعاون مع موسكو، بعد سنوات من اعتمادها على الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى للمساعدة في مجال الأمن والدفاع.
فهل بدأت موسكو بسحب بساط السعودية من واشنطن؟