“المستفيد الرئيسي من الخطأ العراقي الفادح (انتقاماً من هجمات 11 أيلول 2001 على نيويورك) هو إيران. وهدف طهران بتأسيس ممرّ برّي إلى البحر الأبيض المتوسط ما كان ممكناً لولا الغزو الأميركي للعراق”، هذا ما يخلص إليه الكاتب إيتامار رابينوفيتش، في مقال نشره موقع “بروكينغز”.
نعود الآن إلى نقطة البداية بعد كلّ هذه السنوات من “الحرب العالميّة على الإرهاب”، عنوان الحملة التي كان قد أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، وطلب في بدايتها من الدول أن تسلك مسار الولايات المتحدة وتؤيّدها، وإلا فستُعتبر “مع الإرهابيين” و”ضدّ أميركا”، وانتهت بغزو أفغانستان والعراق، حيثُ تغيّر النظام.
إنّ “أنظار العالم تتّجه نحو طالبان”، وهي الحركة التي يُحافظ قادتها، وهم حكّام أفغانستان الجدد، على علاقاتهم مع تنظيم “القاعدة” المسؤول عن هجمات 11 أيلول. وقد تمكّنوا من تحقيق كلّ هذه المكاسب خلال شهر آب، بمساعدة “القاعدة”، ولو بشكل نسبيّ، وفقاً لِما كتبته الصحافية روبين رايت في مجلّة “نيويوركر”.
بعد عقدين من 11 أيلول، التي راح ضحيتها 3 آلاف شخص، رفع الرئيس الأميركي جو بايدن السرية عن وثائق من التحقيق بعد ضغوط مستمرة من أهالي، ومع سيطرة “حركة طالبان” على أفغانستان بعد الإنسحاب الأميركي الفوضوي
يسخر الكاتب إيشان ثارور، في “واشنطن بوست”، من كون “طالبان تُحيي الذكرى العشرين للهجمات في نهاية هذا الأسبوع، بالتزامن مع تعيين وزراء في حكومتها الجديدة، بينهم مدرجون على قائمة المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي”، وذلك بعدما أنفقت أميركا أكثر من 2 تريليون دولار على عملياتها العسكرية في أفغانستان طوال 20 عاماً. أمّا “القاعدة” فقد تكلّفت 400 أو 500 ألف دولار لتنفيذ 11 أيلول، بحسب مجلّة “فورين بوليسي”. وهي هزمت 4 رؤساء أميركيين “لم يتمكّنوا من هزيمة تنظيم يضمّ 75 ألف شخص فقط”، وفقاً لمايكل هيرش في “فورين بوليسي”.
“يكمن الخلل الرئيسي بالاستراتيجية الأميركية في الاعتقاد بأنّ القوة العسكرية يمكن أن تقضي على الجماعات أو الأيديولوجيات المتطرّفة”، تقول رايت.
واليوم، بعد عقدين من أحداث 11 أيلول، التي راح ضحيّتها 3 آلاف شخص، رفع الرئيس الأميركي جو بايدن السرّية عن وثائق من التحقيق في هذه الأحداث بعد ضغوط مستمرّة من أهالي الضحايا، ومع سيطرة “حركة طالبان” على أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي الفوضوي.
ماذا لو لم تغزُ الولايات المتّحدة العراق؟
كتّاب كثيرون أعدّوا تقارير مفصّلة عن تداعيات 11 أيلول، من بروز “داعش” إلى التجاوزات في معتقل غوانتانامو، إلى فضائح سجن أبو غريب، وصولاً إلى الشبكات السريّة التي أنشأتها الولايات المتحدة، وغايتها الاعتقال والاستجواب.
يسأل الكاتب إيشان ثارور في “واشنطن بوست“: “ماذا لو اختارت الولايات المتحدة عدم غزو العراق؟”. ويجيب أنّ قرار الإطاحة بالرئيس العراقيّ صدام حسين، مثل غزو أفغانستان بعد استهداف برجيْ التجارة، “هو حرب اختيارية غير مبرّرة، وقد سدّت المجال أمام مجموعة خيارات سياسية أخرى كانت متاحة”.
أمّا أستاذ الشؤون الدولية في كليّة الدراسات الدولية المتقدّمة بجامعة “جونز هوبكنز”، فالي نصر، فيرى أنّ العامين اللذين أعقبا الهجمات مثّلا “حقبة ارتكبت فيها الولايات المتحدة أخطاء استراتيجية كبيرة، طغى عليها الغضب والانتقام”.
بعد 20 عامًا من أحداث 11 أيلول، باتت السلطة العالمية الأميركية أضعف من أي وقت مضى”، برأي الكاتبة والباحثة علياء الإبراهيمي المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي
فقد سجّل معهد واتسون في جامعة براون مقتل ما بين 184 ألفاً إلى 207 آلاف مدني عراقي بين آذار 2003 وتشرين الأوّل 2019، قُتِل بعضهم بموادّ خطرة استخدمها الأميركيون في المعارك. وقُتِل معهم أكثر من 7 آلاف من أفراد الخدمة الأميركية، بحسب تحليل أجراه باحثون في “جامعة براون”.
وفي السياق نفسه، نشر الخبيران في العلاقات الدولية هال براندز وبيتر فيفر دراسة في 2017 خلصت إلى أنّه لو لم تفعل أميركا ما فعلته عام 2003، “لربّما لم يكن النظام السياسي العراقي لينهار ويخلق فراغاً يمكن أن يملأه الفاعلون من غير الدول أو شبه الدول”.
وفقاً لـ”واشنطن بوست”، بدأ المواطنون الأميركيون يفكّرون في المعارك الطويلة التي تمّ خوضها باسمهم، “والتي كلّفت دافعي الضرائب الأميركيين حوالي 8 تريليونات دولار”.
ويرى دانييل بيمان، وهو موظف سابق في لجنة 11 أيلول الرسمية التي شكّلها الكونغرس، في مجلة “فورين أفيرز”، أنّ “الإرهاب الجهادي لن يزول، وتأثيره الأكبر محسوس في مناطق كثيرة في العالم حيث المصالح الأميركية محدودة”.
ماذا عن الداخل الأميركي؟
هذه “الحرب على الإرهاب” لم تكُن ناجعة حتى في الداخل الأميركي، إذ أدّت إلى توسّع سريع في جهاز الأمن الأميركي، وإقرار قانون “باتريوت” لمكافحة الإرهاب أو “قانون الوطنية” بعد 11 أيلول، الذي سهّل إجراءات التحقيقات والوسائل اللازمة لمكافحة الإرهاب، مثل إعطاء أجهزة الأمن صلاحيّات تسمح لها بالاطّلاع على المقتنيات الشخصية للأفراد ومراقبة اتصالاتهم والتنصّت على مكالماتهم بغرض الكشف عن المؤامرات الإرهابية.
في 2013، كشف موظف سابق في وكالة الأمن القومي كيف أنشأت الحكومة الأميركية نظام مراقبة عالمياً واسعاً يمكنه مراقبة الناس. وبالنسبة إلى الكثير من المحلّلين الآن، فإنّ هيئة التجسّس الرقمي التي ظهرت بعد عام 2001، كانت مقدّمة لنموذج عالمي جديد.
وعانى الداخل الأميركي من “الدعاية المعادية للمسلمين ونظريات المؤامرة”، بحسب ما كتبت سينثيا ميلر إدريس في مجلة “فورين أفيرز”. وعزّزت الجماعات الإسلامية في الصومال واليمن وشمال إفريقيا العلاقات مع “القاعدة”، الأمر الذي حوّل القاعدة من مجموعة متمركزة في أفغانستان وباكستان إلى شبكة ممتدّة عبر إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، أيديولوجياً وتنظيمياً.
وبحسب مراسل “لو موند” في الولايات المتحدة بيوتر سمولار، فإنّه بعد 20 عاماً، وصلنا إلى “انهيار النموذج الأميركي بسبب أخطاء الإدارات المتعاقبة في أفغانستان والعراق التي أسفرت عن فشل استراتيجية الحرب ضد الإرهاب وتعثّر صورة الولايات المتحدة”.
وبعد الترويج لـ”الحرب على الإرهاب”، اضطرّت واشنطن إلى التفاوض بشأن شروط رحيلها مع الأشخاص أنفسهم الذين أرادت معاقبتهم، أي “طالبان”.
“بعد 20 عاماً من أحداث 11 أيلول، باتت السلطة العالمية الأميركية أضعف من أيّ وقت مضى”، برأي الكاتبة والباحثة علياء الإبراهيمي المتخصّصة في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، التي تعتبر أيضاً أنّ بروز “داعش” كان ناجماً عن الغزو الأميركي في عام 2003.