بعد عشرين عاماً من وجودها في أفغانستان، انسحبت القوات الأميركية تاركةً فوضى عارمة سمحت لعناصر “حركة طالبان” باجتياح المناطق الأفغانية والسيطرة على العاصمة كابول في وقت قياسي. وقد ركّز المراقبون على أنّ الدافع الرئيسي لترك هذا البلد هو سعي الإدارة الأميركية إلى إنهاء الحروب الطويلة، متوقّعين أن تليها انسحابات مماثلة من العراق وسوريا، خصوصاً أنّ دوائر القرار في واشنطن تصبّ تركيزها على الصين وكيفيّة مواجهتها، بدلاً من الغرق في مستنقعات الشرق الأوسط وحروب اللانهاية في المنطقة.
في هذا السياق، يؤكّد محلّلون أميركيون أنّه لو كانت واشنطن تُدرك تداعيات ما سيحصل في أفغانستان قبل عشرين عاماً، لم يكن قادتها ليسلكوا هذه الطريق. ولهذا يرى الكاتب توماس فريدمان في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” أنّه لا بدّ من دراسة السياسة الخارجية بشكل جيّد، ولا سيّما عند الحديث عن التحوّل من الحرب على الإرهاب إلى مواجهة الصين، وذلك من أجل “أن يشكرنا أحفادنا في عام 2041″، على حدّ تعبيره.
وسردَ الكاتب العلاقات الصينية – الأميركية، التي اعتراها الكثير من التقلّبات منذ عام 1979 حتى عام 2019، والتي تطوّر فيها التبادل الاقتصادي مع تشريع الصين لأبوابها على العالم، مستندةً إلى استراتيجية تهدف إلى بسط السيطرة على الكثير من القطاعات. ولفت الكاتب إلى أنّ التكامل بين البلدين ساهم في تعزيز الاقتصاد العالمي وفي إرساء السلام نسبيّاً بين هاتين القوّتين. فالصراعات بين القوى العظمى تتسبّب بحروب تزعزع الاستقرار العالمي، وفقاً للكاتب.
لكنّ نتائج التبادل الاقتصادي، وفتح المجال للاستيراد والتصدير، أدّيا إلى وقف عمل الكثير من عمّال التصنيع الأميركيين، فيما قوّى الملايين في الصين والدول المجاورة، بسبب إرسال الكثير من المنتجات إلى الأسواق الأميركية. وأوضح الكاتب أنّه خلال الـ30 عاماً الأولى من التعاون الاقتصادي بين البلدين، باعت الصين بضائع عاديّة للولايات المتحدة، مثل القمصان والأحذية وغيرها من المنتجات. في المقابل، باعت أميركا الصين “سلعاً عميقة”، أي سلّمتها برامج وأجهزة كمبيوتر كانت تحتاج إليها بكين، ويمكن أن تشتريها من السوق الأميركية فقط. أمّا الآن فإنّ الصين تواصل تصنيع هذا النوع من السلع العميقة، مثل أنظمة اتصالات الجيل الخامس، وتسعى إلى الوصول إلى هدف يتمثّل بألّا تبقى معتمدةً على الولايات المتحدة في المجال التقني. على خطٍّ موازٍ، لا تثق واشنطن بتثبيت هذه التقنيّات العميقة في منازل الأميركيين وشركاتهم، ولم تعد ترغب ببيع بضائع حسّاسة أكثر للصين، مثل الرقائق المتقدّمة.
إذاً بدأ يتحوّل التكامل والتعاون إلى ما يُشبه المواجهة، خلال السنوات الخمس الماضية. وإذا استمرّ الحال على ما هو عليه، سينظر البلدان إلى الوراء بعد عشرين عاماً، ويجدان أنّ العالم أصبح أكثر خطورة وأقلّ ازدهاراً بسبب تراجع العلاقات بينهما. أضِف إلى ذلك أنّ العالم يشهد عدداً من المشكلات المتمثّلة بصعوبة إدارة تغيّر المناخ، وفقدان التنوّع البيولوجي وغيرهما من التحدّيات.
في هذا السياق، علّق نادر موسوي زاده، وهو مؤسّس شركة استشارية تُعنى بالشؤون الجيوسياسية، وعمل مستشاراً للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، موضحاً أنّه ينبغي أن تطرح الولايات المتحدة بعض الأسئلة، قبل أن تحوِّل تركيزها من الشرق الأوسط إلى مواجهة الصين. واستهلّ هذه الأسئلة بـ”هل يُدرك الأميركيون فعلاً التغيّرات في الصين ومجتمعها”. ولفت إلى ضرورة التواصل مع “الحلفاء الآسيويين والأوروبيين” ومعرفة حقيقة علاقاتهم الاقتصادية والسياسية مع الصين. ونبّه إلى ضرورة التفكير في الإصلاحات الداخلية والتحقّق من كونها أكثر فائدة أو أكثر خطورة لمواجهة التهديد الصيني. وسأل “ما هي الأولوية بعد حرب على الإرهاب استمرّت 20 عاماً، إذ لا بدّ من التركيز على تدهور العلاقات الأميركية-الصينيّة وتأثيرها على التبادلات الطلابية والمشتريات الصينية وغيرها من الأمور؟”. واعتبر الكاتب أنّ ما سبقَ ليس سوى بداية، قبل إقرار الانتقال من الحرب على الإرهاب إلى الحرب على الصين.
ورأى الكاتب أنّ أفضل طريقة، يمكن أن تعتمدها واشنطن، هي القيام بأمر لا تحبّذه الصين، وهو مواجهتها عبر تحالف واسع عابر للحدود، يستند إلى قيم عالمية مشتركة تتعلّق بسيادة القانون والتجارة الحرّة وحقوق الإنسان. إلا أنّ من غير المحتمل أن تستجيب الصين لتحالف كهذا، ولذا يجب تعزيزه بنفوذ اقتصادي وعسكري.