دخل لبنان مدار الصراع الأكبر والأوسع.
إنّها معركة الوجود والهويّة والدور. ولن تكون زيارة الوفد الوزاري الرسمي إلى سوريا الخطوة الأولى على طريق الحلّ الذي ينتظره البلد. إنّما هي الإمعان في صراع المحاور أكثر، معطوفاً على توهّم تغيّر الرؤية الأميركية أو سياسة واشنطن في المنطقة.
يستند الزوّار والمراهنون على متغيّرات استراتيجية بعد الزيارة إلى غطاء أميركي لها. المسألة أبعد من ذلك بكثير وأعقد. ومن غير المعروف كيف سيخرج لبنان من مدار هذا الصراع.
الخطوة الأميركية ستكون لها تبعات بعيدة المدى، بغضّ النظر عن التفاصيل الصغيرة التي يحاول بعض المتوهّمين اللبنانيين البناء عليها، وتتعلّق بانتصار بشار الأسد وعودة لبنان إلى سوريا محتاجاً، مقابل عودة سوريا إلى لبنان
لنعُد إلى البداية:
– أوّلاً: أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله استقدام النفط الإيراني إلى لبنان. فالمشروع أبعد من مجرّد كسر الحصار أو مدّ البلد باحتياجاته النفطية. إنّه مشروع إيصال النفط الإيراني إلى البحر الأبيض المتوسط. بذلك تكتمل معالم المشروع الإيراني في المنطقة، خصوصاً أنّ المسؤولين الإيرانيين سبق أن أعلنوا سيطرتهم على طريق تربط الأراضي الإيرانية بالأراضي اللبنانية مروراً بالعراق وسوريا. وهذه الطريق الاستراتيجية تعبر عليها كلّ قوافل السلاح والمساعدات من طهران إلى حلفائها. صحيح أنّ باخرة النفط الإيرانية قد تأخّرت، ولكنّ السبب وراء ذلك سياسيّ، وهو تكتيك إيراني أوّلاً، ومن صنيعة حزب الله ثانياً. فطهران تستغلّ هذا البند في إطار مفاوضاتها مع الأميركيين والغرب، وحزب الله يفضّل الانتظار لمعرفة ما يمكن تحقيقه من مكاسب، بعضها يرتبط بمسار تشكيل الحكومة، وبعضها الآخر يرتبط بإعادة تعويم النظام السوري.
– ثانياً، في ردّة فعل أوّليّة على مشروع الحزب، أعلنت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا عن السماح الأميركي للبنان بالحصول على الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا. وهذا يقتضي استثناءات من قانون قيصر. فدخل لبنان أكثر في مدار الصراع الإقليمي والدولي.
الخطوة الأميركية ستكون لها تبعات بعيدة المدى، بغضّ النظر عن التفاصيل الصغيرة التي يحاول بعض المتوهّمين اللبنانيين البناء عليها، وتتعلّق بانتصار بشار الأسد وعودة لبنان إلى سوريا محتاجاً، مقابل عودة سوريا إلى لبنان متحكّمة.
وللمشروع الأميركي هذا أكثر من احتمال:
1- مقاربة الأمر بشكل بسيط وبحسن نيّة، تقود إلى اعتبار أنّ واشنطن لا تريد للبنان أن ينهار، وتحاول تغيير بعض مساراتها السياسية لتوفير حدّ أدنى من الحماية له، فتكون خطوة حزب الله وردّة الفعل الأميركية عامليْ تقوية للبلد. وسينجم عن ذلك حتماً متغيّرات سياسية كثيرة.
سيكون المسار طويلاً ومعقّداً، تتداخل فيه عوامل متناقضة ومتضاربة، بانتظار لحظة التسوية الكبرى التي سيطول جدّاً الوصول إليها
2- مقاربة الأمر من منظور المواجهة الإيرانية الأميركية، تعني أنّ الردّ الأميركي يهدف إلى استقدام النفط العربي مع تبعاته السياسية والاستراتيجية في مواجهة النفط الإيراني، ولقطع الطريق عليه. وهذا سيؤسّس للمزيد من الانقسامات والصراعات، خصوصاً أنّ خطّ الغاز المصري يرتبط بشكل مباشر بخطّ الغاز الإسرائيلي. وهنا لا بدّ من التذكير بالتحالف النفطي بين دول شرق المتوسط الذي يضمّ إسرائيل، مصر، الأردن، قبرص واليونان. وقد نشأ هذا التحالف في مواجهة خطّين آخرين: الخطّ التركي القطري الذي يصل إلى ليبيا، والخط التحالفي الآخر الذي تمثّله إيران. في هذه المعادلة أصبح لبنان بين نارين، وداخل صراع كبير على الوجهة السياسية التي سيختارها. سوريا لن تكون بعيدة أيضاً، خصوصاً في حال وافقت على تلك الخطة. وهذا سينتج مشكلة سورية إيرانية، وروسية إيرانية.
3- المقاربة الثالثة لهذه التطوّرات تنطلق من نظرية المؤامرة، ومفادها أنّ الطرح الإيراني يقابل الطرح الأميركي، لكنّهما يقودان إلى نتيجة واحدة، وهي إيقاع لبنان وسوريا أكثر فأكثر تحت سيطرة طهران، برضى أميركي دافعه الوصول إلى اتفاق نوويّ. وهذا هو السياق الذي تركِّز عليه الجماعات المتحمّسة لزيارة سوريا، والتي تؤكّد أنّها حصلت على الغطاء الأميركي اللازم.
الخلاصة من كلّ هذه الاحتمالات هي عدم وضوح الرؤية في الفترة المقبلة، إذ يحتاج إصلاح شبكة الكهرباء الأردنية وأنابيب الغاز المصري إلى أشهر طويلة، وهو سيسير على إيقاع تطوّرات سياسية وعسكرية في المنطقة ستؤدّي إلى متغيّرات كثيرة. الأهمّ في ذلك هو توافر عناصر الاستقرار للتمكّن من نقل الغاز والكهرباء إلى لبنان، ولا سيّما أنّ هذه الأنابيب والشبكة عرضة للتفجير، كما حدث في العراق أخيراً.
إقرأ أيضاً: وطنٌ بلا مسيحيّين خيرٌ من مسيحيّين بلا وطن
سيكون المسار طويلاً ومعقّداً، تتداخل فيه عوامل متناقضة ومتضاربة، بانتظار لحظة التسوية الكبرى التي سيطول جدّاً الوصول إليها. تحت هذا السقف، يستمرّ بعض المتوهّمين في تخيّل أدوار متعاظمة لبشار الأسد، علماً أنّهم يسارعون إلى مناقضة أنفسهم بالقول إنّ الزيارة الرسمية كانت بناء على غطاء أميركي.