عميلٌ للـ”FBI” يُسرِّب مفاجأة: انتهاكات لحقوق الإنسان

مدة القراءة 5 د

في آذار 2018، كانت المرّة الأولى التي ذُكِر اسمه في وسائل الإعلام، بعدما وجّهت له وزارة العدل بولاية مينيسوتا اتّهاماً بتسريب معلومات سرّيّة تتعلّق بالدفاع الوطني إلى موقع إخباري. إنّه العميل الناشط في مكتب التحقيقات الفيدرالي بولاية مينيسوتا، ومن أصول إفريقية، تيري ألبوري.

الآن تستذكره صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، بعد ثلاث سنوات من المقابلات واللقاءات مع كاتبة المقال جانيت ريتمان التي التقت ألبوري للمرّة الأولى في تشرين الثاني 2018، أي قبل وقت قصير من دخوله السجن بتهمة التسريب. سردت الكاتبة أبرز محطات حياة ألبوري الذي انضمّ إلى الـ”FBI” في عام 2001، وتحديداً قبل شهر واحد فقط من هجمات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة. وكان متخرّجاً حديثاً، ويبلغ من العمر 22 عاماً. وكان متحمّساً جداً لفكرة الانضمام إلى المكتب بعدما أنهى تدريباً مع وحدة الجرائم ضد الأطفال التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي في واشنطن، لمدة 10 أسابيع. وكان ألبوري يهدف بانضمامه إلى المكتب إلى إنقاذ الناس.

كان يعيش ألبوري في مينيابوليس مع زوجته وطفليْه، وقد استيقظ في وقت مبكر من صباح يوم 29 آب 2017، وبدأ مراجعة القوائم والاجتماعات والمكالمات الهاتفية. كان قد بلغ حينذاك 38 عاماً، وقضى 16 عاماً في مكتب التحقيقات، وأثبت جدارته بالتحقيق في الخلايا النائمة، وكشف شبكات تمويل الإرهاب، من بينها تحقيق أجراه عام 2016 يتعلّق بخليّة نائمة محتملة في “جبهة النصرة”.

وفقاً للصحيفة، فقد اُستُدعِيَ ألبوري إلى مكتب ميداني لمقابلة مجموعة من المحقّقين من واشنطن، وعلى الرغم من أنّ هذا الإجراء يعدّ روتينياً في مكتب التحقيقات، حيث يتمّ إرسال فرق التفتيش للتأكّد من أنّ الوكلاء ومديريهم يقومون بالمهامّ الموكلة إليهم، إلا أنّ ألبوري لم يكن موجوداً في هذه الاجتماعات من قبل، وعندما التقى به المسؤول عن عمله، سأله عمّا يفعله هناك، فردّ ألبوري: “أنا أعمل هنا”. استناداً إلى ما حدث، شعر ألبوري بالقلق وعدم الارتياح.

ولدى توجّهه نحو المدخل، تحدّث ألبوري مع زميلين له لبضع دقائق. وقال أحدهما له “حظّاً سعيداً”. وبعد ذلك استرجع ألبوري بعض اللحظات. فالعملاء في المكتب الذين يبدون جامدين في معظم الأحيان، كانوا يتودّدون إليه. وفي الساعة الثامنة صباحاً، كان الطابق الرابع حيث يعمل ألبوري فارغاً، وبدأ يتوافد الموظفون بعد ربع ساعة، لكنّ العدد الذي قدم كان أقلّ بكثير من العدد الذي يكون في المكتب في هذا الوقت من الصباح. حتى إنّ أحد المسؤولين في مكتب مينيابوليس، الذي رآه من قبل مرّتين فقط لأنّه لا يغادر الطابق المخصّص للإدارة، شاهده يمشي في مكان قريب.

قام ألبوري بالتحقّق من بريده الإلكتروني، وراجع ملفّاته، ثمّ توجّه إلى الطابق العلوي للقاء المفتّشين. هناك التقى المسؤول نفسه الذي سأله قبل أسابيع عمّا يفعله في المكتب. وعرض هذا المسؤول إجراء المقابلة مع ألبوري في طابق سفلي. وبعد التوجّه بالمصعد إلى القاعة السفلية، واجهه ثلاثة عناصر من فرقة التدخّل السريع وطلبوا منه رفع يديه على الحائط، وأخذوا مسدّسه والأصفاد وأوراق اعتماده، ثمّ اقتادوه إلى غرفة صغيرة كان فيها سيّدة ورجل من المكتب، وتحدّثت المرأة أوّلاً قائلةً له: “أخبرني عن الكاميرا الفضية”.

بعد ذلك التحقيق بأكثر من سبعة أشهر، وتحديداً في 17 نيسان 2018، مَثُل ألبوري أمام محكمة اتحادية في مينيابوليس، واعترف بالتهم المنسوبة إليه، أي تسريب معلومات سرّية إلى الصحافة.

وتضمّن ملفّ الادّعاء أنّ ألبوري قام بتنزيل مستندات موجودة على جهاز الكمبيوتر الخاصّ بمكتبه وطباعتها، وإرسال بعضها إلكترونياً إلى صحافي، وحفظ القسم الآخر على أجهزة موجودة في منزله. وأجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقاً استمرّ 17 شهراً لمعرفة ما قام به ألبوري. وشملت المستندات قواعد بيانات خاصّة بالمكتب، ودليل التحقيقات والعمليات المحليّة، الذي كشف الثغرات المخفيّة التي سمحت للعملاء بانتهاك قواعد المكتب ضد التنميط العنصري والديني والتجسّس خلال متابعة “الحرب الداخلية على الإرهاب”.

وقد اُتُّهِم ألبوري في عهد وزير العدل في إدارة ترامب، جيف سيشنز، بالاحتفاظ “بمعلومات خاصة بالدفاع الوطني”، ونقلها إلى صحافي “عن عمد”. في تشرين الأول 2018، حُكِم على العميل السابق بالسجن أربع سنوات.

وعلى الرغم من التهم، يقول ألبوري إنّ الإفصاح عن المعلومات التي كانت بحوزته هو واجب، لأنّه يعتقد أنّ المكتب قد تغيّر جذريّاً بحلول 11 أيلول لدرجة أنّ بعض وكلائه ارتكبوا انتهاكات مدنية وانتهاكات لحقوق الإنسان. وأضاف: “أقسمتُ كموظّف حكومي أن أخدم مصلحة المجتمع، وليس مكتب التحقيقات الفيدرالي”، ولفت إلى أنّه كان يركّز على الناس الذين يخدمهم، ووجد أنّ لديهم الحق في معرفة ما يجري وماهيّة التحقيقات التي تُجرى باسمهم.

واعتبر ألبوري، الذي تولّى التحقيق لمدّة أربعة أعوام في وحدة مكافحة الإرهاب في العراق، والتقى عدداً من السجناء، أنّه كان مثالياً عندما انضمّ إلى المكتب، وهدف فعلاً إلى أن يجعل العالم أفضل. واعتقد أنّ بإمكانه المساهمة في تحسين الأمور، لكنّه شعر بالخيبة قائلاً: “لقد أنشأنا جهازاً متكاملاً، وأقنعنا العالم أنّ في كلّ مسجد إرهابياً، وأنّ كلّ مهاجر مسلم يصل حديثاً هو معادٍ للولايات المتحدة، ولأنّنا روّجنا لهذه الفكرة الخاطئة، فقد كان علينا التحقّق من صحّتها”.

في هذا السياق، علّقت مديرة مشروع الأمن القومي لاتحاد الحريات المدنية، هينا شمسي، موضحةً أنّ “هذه الوثائق أكّدت صحّة ما عرفته منذ فترة طويلة أو اعتقدته المجتمعات الأميركية، وتحديداً المجتمعات المسلمة وذات البشرة الملوّنة، والجماعات الحقوقية”، وأضافت: “كنّا نسمع منذ سنوات عن أشخاص خضعوا للمراقبة أو التحقيق، أو وضعهم مكتب التحقيقات في قائمة المراقبة بدون سبب واضح”.

 

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…