أفغانستان: أنقرة والدوحة تحميان المصالح الأميركية

مدة القراءة 4 د

تمكّنت “حركة طالبان” من الاستيلاء على السلطة مرّة جديدة في أفغانستان، مع اجتياح مقاتليها لمعظم المناطق الأفغانية في 15 آب الماضي. وعلى الرغم من أنّ الحركة لم تحظَ باعتراف رسميّ بكونها “حكومة شرعيّة لأفغانستان” من أيّ جهة دولية أو عربية، إلا أنّ الحركة تواصل مساعيها للظفر باعتراف دوليّ.

هذه المحاولات دونها شكوك، ومن غير الواضح حتّى الآن هل تحقّق “طالبان” ما تصبو إليه، ولا سيّما أنّها تسلّمت زمام السلطة بالقوة وليس من خلال إجراء مفاوضات، وتملك إرث “تنظيم القاعدة”. في هذا السياق، يبدو أنّ الدول الغربية لا تنوي الاعتراف بـ”الإمارة الإسلامية”، أمّا الصين وإيران وباكستان وروسيا فلم تتّخذ أيّ خطوة جدّية بعد، محتفظةً بخيار الاعتراف رسمياً بـ”طالبان” عند التباحث حول الطاولة. وعن قرار الولايات المتحدة، فقد أوضح مسؤولون أميركيون أنّ واشنطن قد تعترف بسلطة الحركة إذا تعهّدت بحماية حقوق الإنسان وبقطع علاقاتها مع “القاعدة”. ويبقى موقف الهند غامضاً، من دون تأكيد أو رفض استئناف العلاقات مع كابول في ظلّ الحكم الجديد.

ما وردَ آنفاً هو ملخّص لِما تفكّر فيه الدول بشأن التطوّرات الراهنة في أفغانستان، وهذا ما أوضحه الدكتور خالد الجابر الذي يدير مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بواشنطن، في مقال له نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية.

لكن ماذا عن الدول العربية والخليجية؟

رأى الكاتب أنّ هذه الدول تجد نفسها في مواجهة معضلة جديدة وصعبة في ما يتعلّق بنظام “طالبان”، خشية انسحاب عدم الاستقرار الأفغاني إلى هذه الدول، وبروز أفغانستان كأرض خصبة للجماعات الإرهابية من جديد، وتعريض أمن هذه الدول للخطر. ويُذكر أنّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كانتا من الدول التي اعترفت بحكم “طالبان” في أفغانستان بين 1996 و2001، إلى جانب باكستان التي يُشتبه في أنّها سلّحت وموّلت الحركة. أمّا الآن فتراقب الدولتان العربيّتان عن كثب الوضع في أفغانستان وتبنيان مقاربة براغماتية للتعامل مع الحكومة الجديدة، على غرار ما تفعله روسيا والصين.

وأشار الكاتب إلى أنّه حتى لو تباطأت دول مجلس التعاون الخليجي في اتخاذ قرارات بشأن الاعتراف الرسمي، إلا أنّ من المرجّح حصول مشاركة غير رسمية أو من تحت الطاولة بين الحكومات الخليجية وحكّام كابول الجدد. ولفت الكاتب إلى أنّ قنوات تواصل السعوديين مع “طالبان” قد تمرّ عبر باكستان. ومن المتوقّع أن تنتهج الرياض مساراً معتدلاً، وفي الوقت نفسه تتواصل مع واشنطن. وفي هذا الإطار، نقل الكاتب عن دبلوماسيّ أجنبي في المملكة أن “لا خيار أمام السعودية سوى القبول بطالبان مرّة ثانية، ولا سيّما أنّ “علاقة تاريخية” تجمع البلدين”.

وبينما أوضح الكاتب أنّ القطريين والسعوديين والإماراتيين يقاربون الملفّ الأفغاني بحذر، رأى أنّ القيادة الإماراتية لن ترحّب بعودة “طالبان” إلى السلطة، ويُمكن أن يكون استقبال الإمارات للرئيس الأفغاني السابق أشرف غني وأسرته دليلاً على ذلك. وفي الوقت عينه، يُعرَف عن الإماراتيين انتهاجهم سياسة خارجية واقعية، وأثبتت التجارب تمكّن أبو ظبي من التعامل مع أنظمة متنوّعة.

أمّا قطر التي تعدّ جسراً دبلوماسياً بين الحركة والغرب، فأوضح الكاتب أنّ من المعروف أنّ مكتب “طالبان” السياسي كان فيها، ولعبت الدوحة دور الوسيط في المحادثات التي جرت بين “طالبان” وواشنطن والرئيس الأفغاني السابق. وقدّم القطريون المساعدة في مطار كابول، ويفيدون واشنطن بشكل كبير في هذه الفترة الصعبة في أفغانستان.

إقرأ أيضاً: سباق بين أميركا وبريطانيا على “طالبان”

وتوقّع الكاتب أن تتابع الدول الغربية الضغط على الدول من أجل دعم الجهود الآيلة إلى عزل “طالبان”، بدلاً من إضفاء الشرعية على الحركة أو الاعتراف بها. لكنّ دولاً في الخليج وباكستان وقوى عالمية مثل الصين وروسيا تنظر إلى الوضع في أفغانستان، وتهتمّ بمراعاة مصالحها الخاصة، ولذا قد تتعامل مع كابول الجديدة بشروط مختلفة.

ومن أجل التأثير على تصرّفات “طالبان”، رأى الكاتب أنّه يجب أن تتمكّن الولايات المتحدة من الاعتماد على بعض الدول الإقليمية، ولا سيّما أنقرة والدوحة، من أجل انتهاج استراتيجية موحّدة بالتنسيق مع هاتين الدولتين، والحؤول دون استقاء “طالبان” لأجندتها من دولة أخرى مثل إيران أو روسيا أو باكستان، وهو ما قد يجعلها أقلّ اهتماماً بالمصالح الأميركية.

مواضيع ذات صلة

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…