تستضيف حاضرة العباسيّين بغداد يوم غدٍ السّبت قمّة إقليميّة لدول جوار العراق تحت عنوان “قمّة دول جوار العراق”، بمشاركة عربيّةٍ ودوليّة. قمّةٌ هي الأولى من نوعها، منذ غزو نظام صدّام حسين لدولة الكويت سنة 1990، ومعها يتحوّل العراق من ساحة مواجهة إلى ساحة حوار وتلاقٍ.
تُعقَدُ القمّة وفي أذهان مُتلقّي الدّعوات من الدّول المُتخاصمة – المُجتمعة مشهدٌ واحد: الطّائرات الأميركيّة وهي تُقلع فوق رؤوس الأفغان من مطار كابول في عمليّة انسحابٍ هي الأكبر في التّاريخ.
مصدرٌ عراقيٌّ مسؤول لـ”أساس”: لو اقتصرَت مشاركة السّعوديّة وإيران على مستوىً وزاريّ، فالمهمّ بالنّسبة إلى العراق ودول المنطقة أن تبدأ أولى خطوات المُصالحة والمُصارحة علناً على مستوى أعلى من المستوى الأمنيّ
بمساعٍ لم تتوقّف، يسعى رئيس الوزراء العراقيّ مُصطفى الكاظمي، بدعمٍ من الرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، إلى جمع قادة الدّول المُتخاصمة أو مَن يُمثّلهم حول طاولة واحدة:
دول مجلس التّعاون الخليجيّ مع إيران بقيادة إبراهيم رئيسي. المملكة العربيّة السّعوديّة ودولة الإمارات وجمهوريّة مصر مع تركيا ودولة قطر. فرنسا مع تركيا.
بالإضافة إلى الدّول المُتخاصمة في الإقليم، سعى العراق إلى الحصول على “مُباركةٍ دوليّة” لجهوده عبر دعواتٍ وُجِّهَت للدّول الدائمة العضويّة في مجلس الأمن الدّوليّ ومُمَثّلين عن الاتحاد الأوروبيّ ودول العشرين، بصفة “مراقبين”.
حتّى ساعة كتابة هذا التّقرير، لم يكن أغلَب الدّول، التي وُجِّهَت إليها الدّعوات، قد حسم المُستوى الذي سيُشارك به في القمّة. إلّا أنّ المعلومات المُتوافرة من العاصمة العراقيّة تُفيد أنّ الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسي والملك الأردنيّ عبد الله الثّاني والرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون قد قرّروا المُشاركة. أمّا دولة الكويت، ستتمثّل برئيس الوزراء الشيخ صباح خالد الحمد. بينما أشارت معلومات إلى إمكانية مشاركة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في القمّة.
أمّا قيادة المملكة العربيّة السّعوديّة، فمن المُرجّح حتّى السّاعة أن يُمثّلها وزير الخارجيّة الأمير فيصل بن فرحان. فيما لم تُعلن دولة الإمارات إنّ كانت ستُشارك عبر مُستوى القيادة السّياسيّة أو على مستوى دبلوماسيّ بشخص وزير الخارجيّة الشّيخ عبد الله بن زايد أو عبر وزير الدّولة للشّؤون الخارجيّة الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان.
المعلومات المُتوافرة من العاصمة العراقيّة تُفيد أنّ الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السّيسي والملك الأردنيّ عبد الله الثّاني والرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون قد قرّروا المُشاركة
المُهمّ لدى الكاظميّ أن يكسر قادة دول جوار العراق الجليد بينهم. وهنا، يؤكّد مصدرٌ عراقيٌّ مسؤول لـ”أساس” أنّه “لو اقتصرَت مشاركة السّعوديّة وإيران على مستوىً وزاريّ، فالمهمّ بالنّسبة إلى العراق ودول المنطقة أن تبدأ أولى خطوات المُصالحة والمُصارحة علناً على مستوى أعلى من المستوى الأمنيّ. والأهمّ استكمال هذا المسار”. وعن مستوى المُشاركة الإيرانيّة في القمّة، قال المصدر: “نأمل أن يُشارك الرّئيس إبراهيم رئيسي شخصيّاً في فعّاليات القمّة، إلّا أنّه قد يُرسل وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. وكلّ شيء وارد حتّى السّاعة”. وهذا ما أعلنته وزارة الخارجية الإيرانيّة صباح اليوم الجمعة.
وأضاف المصدر: “تلقّينا إشارات مُشجّعة من السّعوديّة والإمارات وإيران لإعادة الزّخم إلى الحوار”. أمّا عن عدم توجيه الدّعوة إلى سوريا لحضور المؤتمر، قال المصدر إنّ “عدم توجيه الدّعوة إلى الرّئيس السّوري بشّار الأسد كان شرطاً فرنسيّاً أساسيّاً لمُشاركة الرّئيس ماكرون. ولمّا كانت فرنسا هي شريك العراق في فكرة عقد القمّة، فقد كان من الأجدر بالرّئيس الكاظمي أن يحترم رغبة باريس في ذلك”.
لا شكّ أنّ الانسحاب الأميركيّ من أفغانستان، ومساعي بايدن للعودة إلى الاتفاق النّوويّ مع إيران، أعطيا لدول المنطقة دفعاً للمُشاركة في القمّة. والمُسلَّم به أنّ دول مجلس التّعاون الخليجيّ لم تعد تثقُ بالولايات المُتحدة للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، ولا سيّما بعد المشاهد التي انتشرت عن الانسحاب الأميركيّ من أفغانستان بعد 20 سنةً من المُرابطة في بلاد ما وراء النّهر.
أضِف إلى ما سلَف أنّ دول الخليج العربيّ لا تُريد أن ترى مشهد طالبان يتكرّر على أيدي الميليشيات الشّيعيّة الموالية لإيران بعد الانسحاب الأميركيّ المُتوقّع من العراق أواخر سنة 2022، بسبب ما يمثّله هذا الأمر، إن حصل، من تهديدٍ لا يُستهانُ به لأمنها القوميّ. وعليه تتقدّم فرص الحوار لتجنّب سيناريو كابول في بغداد.
وعلى وقع هذا الانسحاب أيضاً، بات لدى دول المنطقة قناعة بضرورة مناقشة الملفّات الأمنيّة والسّياسيّة العالقة، من اليمن إلى لبنان، مروراً بسوريا والعراق. وبعيداً عن الأمن العسكريّ والسّياسي، سيحضر ملفّ الأمن المائيّ. وهذا ملفّ يسعى الكاظميّ إلى حلّه بين دول المنطقة وتركيا بشكلٍ خاصّ، إذ قد يكون هذا الملفّ قنبلةً موقوتة قد تُفجّر المنطقة بشكلٍ أكبر في السّنوات المُقبلة.
ظهرت بوادر الحوار الإقليميّ مع المُباحثات السّعوديّة – الإيرانيّة التي بدأت في بغداد، وزادَت وتيرتها اليوم بعد الانسحاب الأميركيّ من أفغانستان. ولعلّ إحدى أوضح هذه البوادر زيارةُ مُستشار الأمن الوطنيّ الإماراتي الشّيخ طحنون بن زايد إلى تركيا، ولقاؤه الرّئيس التّركي رجب طيّب إردوغان ومدير الاستخبارات حقّان فيدان، ثمّ زيارته العاصمة القطريّة الدّوحة عشيّة قمّة بغداد، ولقاؤه الأمير الشّيخ تميم بن حمد وبعض المسؤولين القطريين.
إقرأ أيضاً: “قمّة بغداد”: حلم اليقظة
وكان الشّيخ طحنون قد استبق زيارته لأنقرة والدّوحة بزيارة للقاهرة ولقاء الرّئيس عبد الفتّاح السّيسي. وزارَ أيضاً الأردن، والتقى الملك عبد الله الثّاني. والواضح أنّ قمّة بغداد ليست بعيدة عن أجواء لقاءات مُهندس الأمن الإماراتي. إذ تجتمع القاهرة وبغداد وعمّان في حلفٍ واحدٍ تجلّى في عدّة قمم عُقِدَت بينهم.
هو السّبت المُنتظر. والذي بعده حتماً لن يكون كما قبله، أقلّه للعراق. إذ استطاع تحت قيادة مُصطفى الكاظميّ أن يخرج، أقلّه عبر القيادة الرّسميّة، من اصطفافات المحاوِر، ومن تحت العباءة الإيرانيّة تحديداً، ليصيرَ طاولةً جامعةً للخصوم من دون أن يُلغي هويّته ومحيطه العربيّ.