المحروقات على 12.000: الطوابير ستستمرّ

مدة القراءة 6 د

حتّى اللحظة، مع استمرار شدّ الحبال الجاري بين مصرف لبنان ووزارة الطاقة، ومن خلفها العهد والحكومة، لا يوجد ما يوحي باقتراب الانفراج على مستوى أزمة انقطاع المحروقات. خطت الوزارة خطوة نحو الخلف، مع طرح حلول وَسَط ترفع سعر الصرف المعمول به لاستيراد المحروقات إلى حدود 12.000 ليرة للدولار، مع إبقاء معادلة تمويل مصرف لبنان للاستيراد من دولارات احتياطاته، وهو ما يعني أنّ الوزارة سلّمت باستحالة العودة إلى الاستيراد بسعر صرف 3900 ليرة للدولار في المرحلة المقبلة. وبذلك، يكون وزير الطاقة ريمون غجر قد تراجع عن سقف جلسة مجلس الوزراء المرتفع الذي تلا قرار الحاكم، والذي طالبه بالتراجع عن القرار الأحاديّ الجانب.

مصادر مصرفيّة لـ”أساس”: الطرح الذي تعمل عليه وزارة الطاقة، والقاضي باستمرار تمويل الاستيراد على سعر صرف 12.000 ليرة للدولار، لن يقدّم أيّ حلّ للمشكلة القائمة اليوم

أمّا المصرف فلا يزال حتّى اللحظة يرفض أيّ طرح لا يكفل تحييد الاحتياطات عن الاستيراد، حتّى طرح الاستيراد على سعر 12.000 ليرة للدولار. ما يوافق الحاكم عليه، حالياً، محصور بتوفير التمويل لتفريغ باخرتيْ مازوت تكفيان حاجة القطاعات الأكثر حساسيّة، كقوى الأمن والجيش والمستشفيات وقطاع الاتصالات، على أن تكفي الباخرتان حاجة هذه القطاعات لفترة لا تتجاوز شهراً. أمّا إذا تمّ استعمال هذه الشحنة لتلبية حاجة السوق بشكل عام، ومنها بيع المازوت لأصحاب المولدات الخاصّة، فقد لا تتجاوز كفايتها فترة الأسبوع. وتجري مداولات مع الحاكم من أجل تمرير تمويل شحنة موازية من الغاز، تنحصر كفايتها بفترة أسبوع حدّاً أقصى.

بين الوزارة والمصرف، من المفترض أن يقول المجلس النيابي كلمته في الموضوع يوم الجمعة المقبل، استجابةً لرسالة رئيس الجمهوريّة الذي دعاه إلى اتخاذ الإجراء أو الموقف أو القرار المناسب، في ضوء قرار حاكم مصرف لبنان الأخير. وقد ربط حاكم مصرف لبنان إمكان الاستمرار بتمويل الاستيراد من الاحتياطات الإلزاميّة بوجود تشريع خاص من المجلس النيابي يسمح بذلك، وهو ما يفسّر رمي عون للكرة في ملعب المجلس.

لكن بمعزل عن رسالة عون، من الأكيد حتّى اللحظة أنّ داخل المجلس النيابي غالبيّة ساحقة ترفض فكرة تشريع إنفاق الاحتياط الإلزامي بهذه الطريقة، خصوصاً أنّ هذا الملف يرتبط بما تبقّى من ودائع داخل النظام المصرفي، وبما يمكن استخدامه من سيولة لحلّ أزمة المودعين على المدى الطويل. ولهذا السبب بالتحديد، لا يُتوقَّع أن يأتي انفراج ما أو حلّ من المجلس النيابي، باستثناء دعوة حكومة تصريف الأعمال إلى التنسيق مع حاكم مصرف لبنان على المخارج التي يمكن العمل عليها.

تؤكّد مصادر مصرفيّة لـ”أساس” أنّ الطرح الذي تعمل عليه وزارة الطاقة، والقاضي باستمرار تمويل الاستيراد على سعر صرف 12.000 ليرة للدولار، لن يقدّم أيّ حلّ للمشكلة القائمة اليوم، على الرغم من الارتفاع الكبير في الأسعار الذي سيؤدي إليه. فهذا السعر يُعدّ عمليّاً استمراراً للدعم وفق نفس النموذج السابق، لكن بكلفة مرتفعة، وهو ما سيعيد الأزمة إلى المربّع الأوّل، تماماً كما جرى عند رفع سعر الصرف المعمول به لاستيراد المحروقات من 1507.5 إلى 3900 ليرة مقابل الدولار. أمّا إذا أفضت الضغوط إلى تنازل مصرف لبنان وقبوله بهذا الخيار، وهذا مستبعد جداً وفق المصادر نفسها، فسيعني ذلك استمرار شحّ المحروقات في الأسواق، وعرقلة فتح الاعتمادات، بانتظار الخروج من صيغة الدعم هذه كليّاً.

ما تقوم به وزارة الطاقة حالياً هو جولة من تبادل الأفكار والعصف الذهني مع الشركات المستوردة، للتباحث في إمكان اعتماد منصّة خاصّة لأسعار المحروقات خلال المرحلة المقبلة

الخيارات البديلة، التي يعمل عليها مصرف لبنان، تتركّز على اعتماد سعر المنصّة، مع تعديل تسعيرتها لتسمح لمصرف لبنان باعتمادها كآليّة لبيع وشراء الدولار في السوق، على أن تحدّد موازين العرض والطلب لاحقاً السعر بشكل يومي. وعند تطبيق هذه الآليّة، لن يمانع مصرف لبنان التدخّل بدولاراته، لكن ضمن نطاق ضيّق جداً. إلا أنّ هذا النوع من الآليّات يتطلّب التنسيق بشكل وثيق جداً مع وزارة الطاقة، خصوصاً أنّ هذه الآليّة تقتضي تعديل أسعار المحروقات بشكل يومي في السوق بالتوازي مع التعديل اليومي في سعر صرف الدولار على المنصّة، وهذا التخطيط المشترك ما بين المصرف المركزي والوزارة لم يبدأ بعد.

ما تقوم به وزارة الطاقة حالياً هو جولة من تبادل الأفكار والعصف الذهني مع الشركات المستوردة، للتباحث في إمكان اعتماد منصّة خاصّة لأسعار المحروقات خلال المرحلة المقبلة، بالتوازي مع الخروج من مرحلة دعم الاستيراد واعتماد الأسعار على سعر صرف الدولار اليومي. مع الإشارة إلى أنّ الوزارة ستكون بحاجة ماسّة إلى هذا النوع من الحلول، لكون آليّات التسعير الأسبوعي التي كانت تعتمدها الوزارة سابقاً لا تتماشى مع فكرة رفع الدعم وتغيّر سعر دولار استيراد المحروقات يوميّاً. لكن بمعزل عن كلّ ما يجري بين الوزارة والشركات المستوردة، تكمن الإشكاليّة الأساسيّة حالياً في أنّ هذا البحث لم يصل بعد إلى مرحلة مواءمته مع تصوّرات مصرف لبنان للمرحلة المقبلة، الأمر الذي يعني أنّ التفاصيل التقنيّة ستحتاج إلى بعض الوقت لتتمّ بلورتها بشكل نهائي، حتّى بعد التفاهم بين وزارة الطاقة ومصرف لبنان على مرحلة ما بعد الدعم.

بيان المجلس المركزي لمصرف لبنان يوم أمس أكّد هذا التوجّه، حين شدّد على التمسّك بقرار رفع الدعم عن قناعة تامّة ومن دون تراجع. فيما تشير مصادر المصرف إلى أنّ المجلس أعدّ مسوّدة قرار يقضي بإحالة الطلب على الدولارات لاستيراد المشتقات إلى منصة “صيرفة”، على أمل انخفاض سعر المنصة إلى حدود 12 ألف ليرة مقابل الدولار بعد تشكيل حكومة. أمّا استيراد الدواء والطحين فسيظلّ مدعوماً على سعر الصرف القديم 1500.

وقد أخذ الحاكم المسوّدة لمناقشتها مع وزير المال. ولا يتوقّع أن يصدر القرار قبل الاثنين المقبل، بعد عقد الجلسة النيابية غداً، التي ليس متوقّعاً أن تصل إلى أيّ قرار.
السؤال اليوم: ماذا لو لم تتشكّل الحكومة؟ وهذا هو الأرجح. الجواب أنّ المشتقات النفطية ستكون بسعر السوق أو ما يقاربه.

إقرأ أيضاً: حرب المحروقات: اللبنانيون يدفعون ثمن مواجهة عون لسلامة؟

بانتظار وضع هذه الآليّات، سيكون على جميع اللبنانيين انتظار خلاصة جولات شدّ الحبال بين الوزارة والمصرف. أمّا الخطر الأكبر فهو إمكان عدم التوصّل إلى نهاية لشدّ الحبال هذا، أو إلى تفاهم على كيفيّة استيراد المحروقات في مرحلة ما بعد الدعم. فنتيجة هذا الأمر لن تكون سوى استطالة أزمة انقطاع المحروقات من دون أيّ أفق واضح، خصوصاً أنّ من المرجّح أن يُحصَر المازوت المستورَد هذا الأسبوع بالقطاعات الحسّاسة فقط، من دون تلبية حاجات القطاعات الأخرى.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…