وضع المستشفيات في لبنان كارثي. هذا حتّى قبل انفجار الموجة الجديدة من كورونا، وقبل انفجار “التليل” في عكار ليل السبت. نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون يقول لـ”أساس” إنّ “المستشفيات تلفظ أنفاسها الأخيرة”، ارتباطاً بأزمة المحروقات قبل الأزمات الأخرى التي لا تنتهي، من الأدوية إلى المعدّات الطبية إلى غيرها.
“عدد كبير من المستشفيات لم يتسلّم المازوت. وها نحن أمام كارثة، بل يمكن وصفها بضربة قاضية تُضاف إلى أزمة الأدوية. هذا قبل مأساة الانفجار العكاري، فكيف سيكون الحال بعد وصول الإصابات إليها، وهي تعاني نقصاً في المستلزمات الطبية”.
هارون دعا إلى تأمين مخزون من المازوت “لشهر كامل على الأقلّ، والكلام عن وجود كميّة من المازوت لدى بعض المستشفيات تكفي لأيام عدة لا يعني شيئاً، فقد نفد مخزون عدد منها، وباتت أرواح العديد من المرضى في خطر داهم، خصوصاً مرضى العناية الفائقة، الذين يعيشون على أجهزة التنفّس الصناعي، إضافة إلى مرضى غسل الكلى والسرطان. فنحن لا نعمل في ظروف آمنة، واليوم مع كارثة انفجار عكار ستزيد الأمور تعقيداً، فلدينا نقص كبير في المستلزمات الطبية”.
تمنّى هارون على المواطنين “ألّا يصادروا صهاريج المحروقات المُتّجهة إلى المستشفيات، لأنها لكلّ الناس من دون تفرقة
وقال هارون إنّه “حتى اللّحظة ما من حلول في الأفق على الرغم من المساعي، ويجري البحث في نقل المرضى إلى مستشفيات أخرى، ما لم يتوافر المازوت خلال ساعات”، لافتاً إلى أنّ “المستشفيات ستُقفل إذا بقيت الأوضاع على حالها، إذ ليس في الأفق حلّ لهذه الأزمة. وأمام هذا الواقع لا يمكن القول سوى: ليرحموا العالم”.
كلام هارون جاء بعدما سقط أكثر من 20 ضحية 79 جريحاً، من بينهم مدنيون وعسكريون، فيما الأرقام مرشّحة للارتفاع مع استمرار عمليات البحث عن مفقودين محتملين في محيط انفجار التليل بمنطقة عكار، حيث تحوّل مستودع لتخزين البنزين إلى قنبلة عملاقة أخذت 100 شاب من فقراء الشمال في طريقها.
كتّانة: نعمل على مساعدة كلّ المستشفيات
وزير الصحة حمد حسن، وعبر “تويتر”، اكتفى بدعوة المستشفيات في عكار والشمال، وصولاً إلى العاصمة، إلى “التفضّل باستقبال جرحى حادثة تليل الأليمة في عكار على نفقة وزارة الصحة العامة من دون تردّد”، معلناً “فتح مستودعات الوزارة لتوزيع ما يوجد من أدوية حروق ومضادات حيوية وغيرها من مستلزمات لعلاج المصابين”، متمنّياً على كل الجمعيات، التي تمتلك مخزوناً، المبادرة إلى إسعاف المواطنين. كما أعلن إثر ترؤسه اجتماعاً لرؤساء المديريات والمصالح المعنيين بمتابعة أوضاع الجرحى والاغاثة في المستشفيات حالة استنفار وطوارئ في مديريات الوزارة كافة لمواكبة التداعيات الإنسانية والصحية للكارثة.
كذلك أعلن الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير عن إجراء اتصالات مع تركيا، ومحاولة التواصل مع مصر “لنقل الحالات الخطرة إلى الخارج”. وهو ما حصل بالفعل بسبب النقص الكبير في المستلزمات الطبية وأدوية الحروق.
ومثلهما استنفر الصليب الأحمر اللبناني فأعلن الأمين العام جورج كتانة، في حديث لـ”أساس”، أنّ “الحالات الحرجة نُقلت إلى مستشفيات بيروت وجبل لبنان، ولدينا وحدات خاصة لنقل الدم، بمساعدة مراكز نقل الدم بالمنظمة أو في قطاع إدارة الكوارث. وهي قامت بنقل وحدات الدم إلى مستشفيات طرابلس وعكار، وتحديداً إلى مستشفى السلام”.
الصليب الأحمر عمل على التنسيق والمتابعة مع كل المستشفيات التي تستقبل الحالات لمعرفة ما هو مطلوب أو ما هي بحاجة إليه لتوفيره. أمّا بالنسبة إلى الحالات الحرجة المصابة بحروق بليغة أو تحتاح إلى عناية فائقة، فإنّنا ننقلها إلى مستشفيَيْ الجعيتاوي والسلام حيث يتوافر العلاج اللازم. فنحن لدينا جهوزية كاملة في كلّ الأوقات لمساعدة المواطن وتخليص الأوراق وحماية كرامة المواطن”.
وتابع: “نحن تولّينا نقل المصابين إلى بيروت، وقد نقلنا حالة من مستشفى النيني إلى مستشفى الجامعة الأميركية”.
هارون: “ليرحموا العالم”
تجدر الإشارة إلى أنّ معظم مستشفيات لبنان أعطت الأولوية لتشغيل أقسام الطوارئ فيها، كغرف العمليات والعناية المركّزة، على حساب الأقسام الأخرى.
وفي هذا السياق تمنّى هارون على المواطنين “ألّا يصادروا صهاريج المحروقات المُتّجهة إلى المستشفيات، لأنها لكلّ الناس من دون تفرقة”. وقال: “تلقّيت اتصالات من أكثر من مستشفى، ومنها مستشفى “بهمن” و”الحياة” و”القرطباوي”، تبلّغني نفاد المازوت لديها. وعلى الرغم من اشتداد الأزمة، لم نتلقَّ بعد أيّ جواب نهائي من وزارة الطاقة لتسليم الكمّيات المطلوبة حسب اللوائح التي سُلِّمت إليها، وفيها شرحٌ مفصّل لحاجة كل مستشفى من المازوت”، كاشفاً أنّه “في انتظار أن تتبلّغ الوزارة بالتعليمات اللازمة التي على أساسها نتوقّع تسليم المازوت للمستشفيات”.
لافتة أيضاً تغريدة القائمة بأعمال المنسّق الخاص للأمم المتحدة في? منسقية الشؤون الإنسانية نجاة رشدي حول أزمة المازوت: “أنا قلقة جدّاً بشأن تأثير أزمة الوقود على وصول الملايين من الناس المقيمين في البلاد إلى خدمات الرعاية الصحية والمياه”
وفي السياق نفسه، توقّع رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي “موت المرضى على أبواب المستشفيات بعدما هجرها أطباؤها وممرّضوها، وأصبحت تعاني نقصاً حادّاً في المستلزمات الطبية والدواء، ناهيك عن أزمة المازوت التي تعانيها جميع المستشفيات”، مشيراً إلى أنّ “الفساد وانعدام الضمير وقلّة الأخلاق بالبلد تفشّت في المجتمع مثل السرطان حتى أصبح علاجها صعباً، إن لم يكن مستحيلاً. معتبراً أنه على قيادة الجيش عند مصادرة المحروقات المخزنة والمستودعات، تقديمها إلى المستشفيات التي تعاني من نقص في المازوت وذلك لخطورة توقف انتاج الكهرباء على حياة المرضى.
وقال مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور فراس أبيض في تغريدة على “تويتر” إنّه “يشغِّل اثنين فقط من مولّدات المستشفى السبعة، من أجل الحفاظ على ما توافر من الفيول لأطول فترة ممكنة. فالعاملون يعملون في ظروف صعبة جدّاً، لكنّهم يواصلون تقديم خدماتهم على الرغم من ذلك…”.
وكانت لافتة أيضاً تغريدة القائمة بأعمال المنسّق الخاص للأمم المتحدة في? منسقية الشؤون الإنسانية نجاة رشدي حول أزمة المازوت: “أنا قلقة جدّاً بشأن تأثير أزمة الوقود على وصول الملايين من الناس المقيمين في البلاد إلى خدمات الرعاية الصحية والمياه. أحثّ جميع الجهات المعنيّة على إيجاد حلول مستدامة للمستشفيات لإنقاذ الأرواح. ونحن نكرّر استعدادنا المتواصل لتقديم الدعم”.
أنا قلقة للغاية بشأن تأثير أزمة الوقود على وصول الملايين من الناس المقيمين في البلاد إلى خدمات الرعاية الصحية والمياه! أحث جميع الجهات المعنية على إيجاد حلول مستدامة للمستشفيات لإنقاذ الأرواح. ونحن نكرر استعدادنا المتواصل لتقديم الدعم @UN_Lebanon @WHOLebanon @OCHALebanon
— Najat Rochdi (@rochdi_najat) August 14, 2021
نستعرض هنا صرخات خطيرة صدرت عن بعض المستشفيات:
– أعلن المركز الطبي في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (AUBMC)، في بيان، أنّه “يواجه كارثة وشيكة قد تسبّب الإغلاق القسري المحتمل، اعتباراً من صباح الاثنين نتيجة انقطاع الوقود. وهذا يعني أنّ أجهزة التنفّس الصناعي وغيرها من الأجهزة الطبية المنقذة للحياة ستتوقّف عن العمل، وسيموت على الفور 40 مريضاً بالغاً و15 طفلاً يعيشون على أجهزة التنفّس. إضافة إلى 180 مريضاً يعانون من الفشل الكلوي سيموتون بالتسمّم بعد أيام قليلة من دون غسل الكلى. وسيموت المئات من مرضى السرطان، البالغين والأطفال، في الأسابيع والأشهر القليلة اللاحقة من دون علاج مناسب”. وحمّل البيان “الدولة اللبنانية المسؤولية الكاملة عن هذه الأزمة والكارثة الإنسانيّتين، وعن أيّ حادثة ضرر أو وفاة ناجمة من عدم إمكان تقديم الرعاية الطبية للمرضى”.
– أطلقت مستشفى المقاصد في بيروت صرختها، محذّرةً من أنّ مخزون المازوت لديها يكفي لـ48 ساعة فقط. وأعلنت عدم قدرتها على استقبال المرضى ومعالجتهم نظراً إلى انقطاع مادة المازوت عن المستشفى كباقي المستشفيات في لبنان، وعدم توافر الأدوية الأساسية لمرضى غسل الكلى وأدوية البنج وغيرها من الأدوية الضرورية لعلاج المرضى داخل المستشفى وفي قسم الطوارىء.
إقرأ أيضاً: نقيب المستشفيات: الاستشفاء بات للأغنياء فقط
– حذّر مدير مستشفى بهمن في ضاحية بيروت الجنوبية من أنّه إذا لم تتوافر كمّيات كافية من مادة المازوت سريعاً، فإنّ المستشفى سيواجه خطر انقطاع الكهرباء الشامل، الأمر الذي سيشكّل خطراً على حياة المرضى. وأشار إلى أنّ “البديل كارثي”، وأنّه يستحيل نقل المرضى إلى مستشفيات أخرى، لأنّه لا قدرة استيعابيّة لديها كي تستقبل المزيد من المرضى من الخارج.
– ناشد مدير مستشفى طرابلس الحكومي ناصر عدرة المسؤولين وموزّعي المحروقات وأصحاب المحطات ضرورة توفير البنزين للأطباء والممرّضين وموظفي المستشفيات لكي يستمرّوا بالقيام بمهامهم وواجباتهم الإنسانية.