في التقرير السنوي الصادر عن منظمة التغذية العالمية أنّ في العالم اليوم 960 مليون إنسان يفتقرون إلى الحدّ الأدنى من الغذاء.
وفي التقرير أيضاً أنّ من بين هؤلاء 64 مليون عربي، أي ما يعادل واحد من بين كل ستّة مواطنين عرب، وأنّ هؤلاء موزّعون على 12 دولة. وبعد انفجار الأزمة في لبنان ارتفع العدد إلى 13 دولة، وارتفعت نسبة الجائعين.
مع الارتفاع المتواصل لأسعار الموادّ الغذائية في الأسواق العالمية، فإنّ أعباء ذلك أدّت إلى مضاعفة أعباء ومعاناة الدول التي تعتمد على الاستيراد، مثل لبنان وسوريا، والتي تفتقر في الوقت ذاته إلى العملة الصعبة لتغطية وارداتها
يحدّد التقرير أسباب المجاعة في هذه الدول العربية بسببين أساسيّين: الحروب والصراعات المسلّحة، والأزمات الاقتصادية. ويشير التقرير إلى أنّ ذلك جعل من المجاعة حقيقة جارحة في هذه المجتمعات. ويذكر أمثلةً على ذلك اليمن وليبيا وسوريا والصومال. وقد انضمّ لبنان إلى هذه اللائحة ليس من البوّابة التقليدية: الحرب والصراع، ولكن من البوّابة الأوسع: الفساد السياسي.
في تقرير المنظمة أنّ نصف الشعب في كلّ من سوريا واليمن يعاني من المجاعة. ويقول إنّ الخبز لم يعد المادّة الرئيسة على المائدة، بل إنّه أصبح هو المائدة!!
ويؤكّد التقرير أنّه قبل الحرب كانت سوريا تنتج ما يكفيها من القمح، ولكن استناداً إلى دراسة أعدّتها جامعة برلين في ألمانيا (عبر الأقمار الصناعية)، فإنّ سوريا خسرت 943 ألف هكتار من الأراضي المزروعة، أي بنقص يزيد على 20 في المئة. أمّا في لبنان فإنّ الدراسة تقول إنّ نسبة ارتفاع أسعار الموادّ الغذائية تجاوزت خمسمئة في المئة.
ومع الارتفاع المتواصل لأسعار الموادّ الغذائية في الأسواق العالمية، فإنّ أعباء ذلك أدّت إلى مضاعفة أعباء ومعاناة الدول التي تعتمد على الاستيراد، مثل لبنان وسوريا، والتي تفتقر في الوقت ذاته إلى العملة الصعبة لتغطية وارداتها.
لا يقتصر هذا الأمر على الدول المنكوبة بأزماتها الداخلية المتفجّرة (لبنان – سوريا – اليمن – ليبيا – الصومال)، ولكنّه يمتدّ إلى بعض الدول الأخرى.
كانت إسرائيل تطمع في مياه لبنان، وخاصة مياه نهر الليطاني. وأثناء احتلالها للجنوب، مدّت أنابيب تحت الأرض لجرّ مياه النهر إلى مستوطناتها الشمالية. الآن انسحبت إسرائيل من لبنان وتلوّثت مياه النهر، ولم تعد تصلح للشفة أو للريّ، وحرم لبنان نفسه منها
ويقول التقرير إنّ ثلث المصريين يعيشون على دخل للفرد الواحد يبلغ حوالي 47 دولاراً في الشهر. فمصر تستورد سنوياً 13 مليون طن من القمح، ويشكّل الاتحاد الروسي المصدر الأوّل للقمح المصري المستورَد، إلا أنّ موسكو قرّرت فرض ضريبة جديدة على صادراتها، فارتفع سعر طن القمح المستورَد في مصر من 200 إلى 240 دولاراً. وهذا يشكّل عبئاً جديداً على المستهلك المصري، وعلى خزينة الدولة في الوقت ذاته.
حتى المملكة العربية السعودية تعاني من التضخّم الذي ارتفعت نسبته 11 في المئة في شباط الماضي.
ويلفت التقرير إلى أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة تحاول تحقيق “اكتفاء غذائيّ ذاتيّ” من خلال الزراعة الصحراوية بهدف تخفيض نسبة الاستيراد لتوفير حاجتها الغذائية.
تبيّن هذه الأرقام، التي تتناول الدول العربية المشرقية، من دون الدول العربية في شمال إفريقيا (المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا)، أنّ الأمن الغذائي العربي ليس مهدّداً فقط، ولكنّه دخل فعلاً دائرة الخطر.
يزيد من شدّة هذا الخطر شحّ المياه، خاصة عندما تكون مصادر هذه المياه خارجية. فمصر والسودان تعيشان على مياه النيل الذي ينبع من الحبشة، وقد أقامت الحبشة عليه الآن سدّاً (سدّ النهضة) يُمكِّنها من التحكّم في كمّيات المياه المتدفّقة نحو الدولتين العربيّتين اللتين يشكّل النيل شريان الحياة فيهما.
كذلك تعتمد سوريا والعراق على نهريْ دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا، وقد أقامت تركيا عدّة سدود صغيرة على مجرى النهرين. وأقامت سدّاً كبيراً هو سدّ أتاتورك الذي يجعلها تتحكّم في منسوب المياه الجارية إلى الدولتين العربيّتين اللتين تعتمدان في زراعتهما وفي أمنهما المائي على المياه المتدفّقة من تركيا. حتى منطقة الأغوار جفّت مياهها بعدما حوّلت طهران مجرى الأنهر الصغيرة التي تنبع من أراضيها وتصبّ في الأغوار.
كانت إسرائيل تطمع في مياه لبنان، وخاصة مياه نهر الليطاني. وأثناء احتلالها للجنوب، مدّت أنابيب تحت الأرض لجرّ مياه النهر إلى مستوطناتها الشمالية. الآن انسحبت إسرائيل من لبنان وتلوّثت مياه النهر، ولم تعد تصلح للشفة أو للريّ، وحرم لبنان نفسه منها.
إقرأ أيضاً: أسعار العقارات انخفضت 50 %: الغذاء مقابل العقار
في الوقت ذاته، يدفع الأردن ثمناً مرتفعاً مادياً وسياسياً مقابل الحصول على حصّته من مياه نهر الأردن، التي تسيطر عليها إسرائيل بالقوة العسكرية، لريّ مزارعه في منطقة الأغوار.
رحم الله الأديب اللبناني الكبير جبران خليل جبران.. الذي حذّر من سوء مصير “أمّة تلبس ممّا لا تنسج وتأكل ممّا لا تزرع”.