لقاءٌ ودّيٌّ وأخويٌّ جمع قادة خليجيّين منذ أسبوع، وشغلَ المراقبين، آذِناً بمرحلة جديدة من العلاقات المتماسكة بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر.
فقد انطلقت التحليلات إثر نشر بدر العساكر، مدير مكتب وليّ العهد السعودي، صورة واحدة ظهرَ فيها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ومستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، بملابس البحر خلال لقاءٍ جمعهم في البحر الأحمر.
تكمن أهميّة الصورة غير الرسميّة في أنّها تنطوي على الكثير من الدلالات في مرحلة ما بعد التوتّرات الإماراتية – السعودية التي شهدتها الدولتان العربيّتان خلال الصيف بسبب ملفّ اليمن وإنتاج النفط وغير ذلك، وبعد فترة من “اتّفاق العُلا” والمصالحة الخليجيّة التي وضعت حدّاً لحصار قطر.
ومن بوادر المصالحة وعودة الأمور إلى السكّة الصحيحة، شاركت الإمارات في الاحتفالات باليوم الوطني السعودي الـ91، عبر إضاءة برج خليفة بعلم المملكة، وهي ليست المرة الأولى.
وفي خضمّ هذه التطوّرات الخليجية المهمّة، وفيما بدا قادة الدول الخليجيّة مبتسمين خلال لقائهم، تطلّع المحلّل في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر إلى ما “وراء الابتسامات”، ورأى أنّ “المنافسة تحتدم في الخليج”.
وللتذكير، فقد فرضَت السعودية، ومعها الإمارات والبحرين ومصر، حصاراً على قطر في عام 2017، بعد توجيه اتّهام للدوحة بحياكة مؤامرة. وقد حدث ذلك في فترة تولّي دونالد ترامب سدّة الرئاسة الأميركية وما رافقه من استعراض القوّة إقليمياً، إلى أن وصلت الدول الخليجيّة إلى قناعة أنّه لا يمكنها أن تعتمد على الولايات المتحدة في ما خصّ أمنها. وهكذا عادَت الرياض وأبو ظبي إلى تفادي المنافسات الجيوسياسية، وتجنُّب تداعياتها على المنافسة الاقتصادية التي تزداد يوميّاً، بحسب غاردنر.
وبحسب الكاتب، فإنّه “على الرغم من أنّ المملكة العربية السعودية تعدّ عملاقة، لكنّ هناك ما يقيّدها في مضاهاة مرونة الحركة التجارية لدى دولة الإمارات. ولهذا فقد باشرت المملكة بإجراءات وتدابير لتحفظ مكانتها الاقتصاديّة. فقرّرت الاشتراط على أيّ شركة تسعى إلى إبرام عقود حكومية سعودية أن تنقل قاعدتها من الدول الإقليميّة إلى المملكة بحلول عام 2024، ما يلزم شركات متعدّدة الجنسيّات تعمل في الخليج بالانتقال من قاعدتها في دبي”.
وبحسب الكاتب أيضاً، فقد أصدرت السعودية شروطاً وقواعد أخرى تتعلّق بالعمالة الأجنبية والقيمة المضافة، وعدّلت قواعد الاستيراد من الدول الخليجية، فأصبح الكثير من السلع الإماراتية غير مؤهّل للتعرفة الخارجية المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي، فتراجعت الصادرات الإماراتية إلى السعودية حوالى الثلث في غضون شهر.
وبينما تستعدّ الإمارات لاستضافة معرض إكسبو 2020 العالمي، الذي جرى تأجيله لمدّة عام بسبب تفشّي جائحة “كوفيد 19″، والذي ستُظهر من خلاله اقتصاداً مفتوحاً ومبتكراً، ويُمكن أن تحتاج إلى إعادة موازنة علاقاتها الاقتصادية والاستثمارية مع المملكة، إلا أنّ في الكواليس يلحظ الكاتب “حساسية سعوديّة من الإمارات ومن قطر التي ستستضيف مباريات كأس العالم لكرة القدم عام 2022”.
وفي إطار المنافسة لخطف الأضواء العالميّة، تسعى السعودية إلى استضافة أحداث رياضية أيضاً، مثل سباقات الفورمولا 1 والملاكمة. وفي الجانب الاقتصاديّ، ترغب بإنشاء مركز ماليّ في حيّ الملك عبد الله الماليّ في الرياض لينافس مركز دبي الماليّ العالمي.
ولم تتوقّف المنافسة عند هذا الحدّ، بل وصلت إلى مجال الإعلام، حيثُ استأنفت قنوات إخباريّة ومؤسسات إعلامية سعودية مملوكة للدولة وتبثّ من دبي الانتقال إلى السعودية. وتأتي هذه الخطوة أيضاً في إطار التوقّف عن منح عقود حكومية للشركات والمؤسسات التجارية التي مقرّاتها خارج المملكة.