روكز فخامة المغوار (2/2): أخفق العهد بسبب محيطه

مدة القراءة 10 د

بعد حوادث مخيّم نهر البارد جاءت حوادث 7 أيار الشهيرة في عام 2008، وكان شامل روكز مساعداً لقائد فوج المغاوير ومدير العمليات. “دخلنا قصر قريطم، حيث يقطن الرئيس سعد الحريري، وكان عرضة للهجوم بغية الاستيلاء عليه”.

عُيِّن روكز قائداً لفوج المغاوير حين تسلّم العماد جان قهوجي قيادة الجيش في عام 2008، وبقي 7 أعوام حتى عام 2015. وقد فتح صفحة جديدة من التدريب نتيجة التجارب التي خاضها واكتشافه لعدد من نقاط الضعف: “أخذت هيكلية الفوج، وطلبت أسماء الضباط من دون أن أعرفهم وبحسب كفاءاتهم. وأذكر أنّ الفوج كان يضمّ قرابة 56 ضابطاً اخترتهم شخصيّاً. وضعت معايير للتدريب الذي بدأ مع الوحدات الخاصّة الأميركية. يمكنني أن أؤكّد أنّ التدريب مع هذه الوحدات منحنا دفعاً قويّاً إلى الأمام في القدرات القتالية. وحصلنا على سلاح جديد. بدأنا تدريباً متقدّماً في قتال الشوارع، واكتسبنا خبرات في التدريب مع الفرنسيين والإنكليز، وفي القتال في الجبال. لذا صار اختيار مَن سينضوون في فوج المغاوير صعباً جداً، لأنّه يجب أن تكون لدى المرشّح شهادات معيّنة، وأن ينجح في تدريبات محدّدة، وأن يخضع في نهاية المطاف لدورة مغاوير. إذا رسب فيها يخرج نهائيّاً ويعود أدراجه، ولا يُقبَل حتى ضمن صفوف الجيش”.

تعرّف روكز إلى العماد عون حين كان تحت قيادته كقائد للجيش اللبناني. وقعت إشكالات عدّة، من بينها خطف القوات اللبنانية الوزير عادل عسيران

تسلّم شامل روكز فوج المغاوير وكان يضمّ حوالي 650 عسكرياً، وسلّمه وعديده قرابة 1600: “بالكاد كنت قادراً على اختيار 100 مغوار سنويّاً، لكنّ جميعهم من نوعيّات جيّدة، ومزوّدون بقدرات علميّة وطاقات تدريب مهمّة جدّاً”.

 

معارك عبرا وعرسال

قام فوج المغاوير بقيادة روكز بمهامّ عديدة في البقاع والشمال وفي المناطق كلّها. كانت المعركة الحاسمة الأخيرة في عبرا في 23 حزيران من عام 2013: “كان أحمد الأسير قد تسبّب بمشاكل دامت عامين، وراح أعوانه يبالغون في استفزاز الجيش، فيصعدون إلى الملّالات ويتظاهرون بسلاحهم بطريقة استفزازية تحت أنظار الجيش اللبناني، فتوتّر الجوّ بشكل كبير، وطلبوا منّي إرسال سريّة مغاوير إلى صيدا. تمّ الاتصال بي نهاراً في يوم أحد، وكنت في اللقلوق، وذلك بعد إطلاق النيران على الجيش في عبرا. لاقاني العسكر على الطريق من دون أن أمرّ على الثكنة في رومية في خطة مجهّزة سلفاً. وصلتُ أنا والفوج إلى صيدا عند الساعة الخامسة مساء، وبدأت معارك سريعة ليلاً، واُستُشهد من الفوج ضابط وعدد من العسكر. لمّا وصلنا إلى عبرا، وبدأت المعارك ليلاً، سقط 10 شهداء من المغاوير، إضافةً إلى إصابات كثيرة بسبب الاكتظاظ. كنّا حريصين على عدم ضرب بنايات أو المسّ بالجامع. قاتلنا باللحم الحيّ. اتّصل بي قائد الجيش قهوجي لإيقاف القتال بسبب زيارة لهيئة العلماء المسلمين، فرفضت لأنّ القتال سيستمرّ للصباح، وعند طلوع الفجر “كبسنا” المسلحين فسقطت المنطقة فوراً. يومئذٍ كان الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، وقد طلبوا سحب الجرحى. أمّا الأسير فهرب، وألقينا القبض على عدد من المسلّحين، وبقي القتلى بالأرض”. يحرص روكز على الإيضاح: “المعركة مسجّلة، ولا مجال للشائعات التي صدرت بأنّ “حزب الله” كان يقاتل معنا. كلّها أمور لا أساس لها من الصحّة. فأنا لا أسمح لأحد بالدخول إلى منطقة عملياتي حين أكون أعمل مع عساكري. نحن عسكر ولسنا ميليشيا مع ميليشيا”. وهكذا “انتهت قضية عبرا بـ18 ساعة”.

آخر المعارك كانت في عرسال. وقعت عندما قصدت هيئة العلماء المسلمين المنطقة، وأصيب أحد أعضائها هناك: “بدأت المعارك يوم سبت، وأنا لم أكن هناك، بل في رومية. كان الجيش قد ألقى القبض على أحد المشايخ، فهدّد مسلّحون بأنّه إذا لم يفرج عنه فسيتمّ الهجوم على مراكز الجيش اللبناني،. لم تكن مراكز بالمعنى العسكري، بل مراكز تفتيش. بدأ الهجوم على الجيش السبت في 2 آب، بعد عيد الجيش بيوم واحد. سيطر المهاجمون على مراكز عدّة، وأخذوا أسرى ووضعوهم في عرسال في منزل مصطفى الحجيري. لم يُطلَب منّي التوجّه إلى عرسال، لكنّني قصدت المنطقة بمبادرة منّي ولوحدي لأستكشف ما الذي يحدث، وقد رفضت السلطات السياسية الاستعانة بالمغاوير”.

لم يمنح النائب شامل روكز ثقته لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، معتبراً أنّها حكومة محاصصة

يروي روكز: “وجدت أنّ الوضع “مش مظبوط”، فقصدت عرسال من اللقلوق، ثمّ عدت أدراجي وكان الفوج في جهوزيّة تامّة، حتى إنّني قرّبت العسكر إلى الجبال، حيث لدينا ثكنتان، الأولى في اللقلوق والثانية في الأرز. ثمّ قدّمناهما إلى منطقة البقاع. عند الساعة الرابعة بعد الظهر، كانت المهنيّة قد سقطت، واستشهد الضبّاط والعسكر، وأُسِر عدد من العسكر، فطلبت منّي القيادة التوجّه إلى عرسال لأكون قائد الجبهة هناك، “طلّعت” الفوج، وعندما وصلنا سيطرنا على المراكز كلّها، في المهنيّة والمراكز المرتفعة والتلال، وخضنا معركة كبرى من جرد رأس بعلبك إلى جرد عرسال، ولكن كان الأسرى لا يزالون في منزل مصطفى الحجيري، ولم نكن قد دخلنا إلى عرسال بعد. ثم طلب وقف إطلاق النار بعد السيطرة على التلال والمناطق  بحجّة تسليم أسرى الجيش اللبناني. صعدت هيئة العلماء المسلمين عند الساعة الثانية ليلاً، على رأسها الشيخ الرافعي ومعه عدد من المشايخ. دخلوا ليلاً، وربّما لم يبلّغوا مجموعاتهم، فأطلقت عليهم النيران، فجُرِح الشيخ وأُصيب شيخ آخر بالشلل. في اليوم التالي أنزلناهما إلى المستشفى، وأرسلت معهما دوريّة. في ذلك الوقت تجدّدت الاشتباكات، فسيطرنا على المزيد من التلال، وقد اُضطررنا إلى القيام بهذه العمليات لتأمين أنفسنا وعسكرنا والطرقات، إذ كاد المشايخ يُقتَلون. بعد هذه الاشتباكات قرّرت القيادة وقف إطلاق النيران، وأنزلونا من فوق”.

بعد تلك المعارك، تقاعد شامل روكز في 15 تشرين الأول 2015، وكان من الأسماء الرئيسية المرشّحة لتولّي قيادة الجيش: “لكنّ القضيّة سُيِّست، وجرت مقايضات أبعدت عنّي المنصب”.

 

كيف بدأت علاقته بالرئيس عون؟

تعرّف روكز إلى العماد عون حين كان تحت قيادته كقائد للجيش اللبناني. وقعت إشكالات عدّة، من بينها خطف القوات اللبنانية الوزير عادل عسيران: “تلقّينا أمراً بمنع المظاهر المسلّحة أثناء البحث عنه. ويعني ذلك بالنسبة إليّ أنّني إذا رأيت سلاحاً أفتح عليه النيران. أُنزِلت إلى بيروت، ووقعت اشتباكات كبرى، سقط فيها ضحايا، فأرسل إليّ العماد عون أن أحضر إلى منزله في منطقة الرابية، وحينئذٍ تعرّف إليّ. سألني: ما الذي فعلته؟ فقلت له إنّ لديّ أمراً بمنع المظاهر المسلّحة، فابتسم وقال لي: هل هكذا يكون منع المظاهر المسلّحة؟”.

توطّدت علاقة روكز بعون حين تولّى رئاسة الحكومة الانتقالية: “اعتاد أسلوب عملنا، وصار يُتَّصَل بنا للمشاركة في مهامّ خاصة كبرى. كان العسكر الذين معي “غير شكل”، وقد خضت معهم كلّ الحروب”.

انتقل روكز إلى العمل السياسي وترشّح للنيابة في عام 2018: “لقد انتقلت إلى جوّ جديد بالكاد أمسك خيوطه. كنت كَمَنْ يتلمّس الأمور. وأعترف بأنّ التجربة لم تكن ناجحة في بداياتها. فأنا كنت أعتبر أنّني في بيئة أعرفها، ثمّ اكتشفت وجود الكثير من الحرتقات والخِدَع غير الموجودة لا في الجيش ولا في شخصيّتي. وظننتُ أنّني أدخل العمل السياسي برصيد طويل حملته من المؤسسة العسكرية، لكن تبيّن لي أنّ هذا التاريخ شكّل في السياسة عبئاً عليّ”.

سرعان ما التقط روكز خيوط اللعبة في فترة الانتخابات النيابية التي خاضها مرشّحاً عن دائرة كسروان وجبيل في عام 2018. وحينها اكتشف “الطعن في الظهر”. وفي هذه المواجهة، قرّر ألّا يخلق إشكالاً واسعاً في هذا الموضوع، وخصوصاً للأسباب العائلية.

يؤكّد روكز: لقد نجح الرئيس عون في أمور كثيرة، أوّلها مكافحة الإرهاب، وإقرار قانون انتخابات، ووضع أرضيّة قانونية ننطلق منها في التنقيب عن الغاز والنفط

لا يدلي روكز بالكثير من الآراء حول “التيار الوطني الحر”. يرى أنّ أعضاء هذا التيار لطالما كانوا أنصار الجيش اللبناني: “التيار الوطني الحر لديه رمزية الجنرال ميشال عون، وهي أساسيّة. أنا لستُ حزبيّاً، وأعلم بوجود خلافات في ما بينهم، ولديّ علاقة مع مَن تركوا، ومع كثر ممّن بَقَوا”.

يضيف: “بالنسبة إليّ، فقد اعتبرتهم دائماً أنصار الجيش. انطلاقاً من هذا، فوجئت لمّا دخلت إلى هذه البيئة السياسية الجديدة، بأنّ الكثير من العلاقات الحزبية مختلفة عمّا نراه من الخارج. ومهما كانت خياراتهم فأنا أحترم رأيهم، وأعتبر أنّه كان يجب أن يكونوا أكثر ديموقراطية. أمّا مستقبل التيار الوطني الحر فيخصّهم”.

لم يمنح النائب شامل روكز ثقته لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، معتبراً أنّها حكومة محاصصة. يشرح موقفه هذا بالقول: “هي حكومة ثلث معطِّل ومحاصصة وشخصيّات تُدار على الريموت كونترول ولا استقلالية لها. لذا لم يأخذ هؤلاء ثقة الداخل، بل جاؤوا بتغطية دولية. إذا اتفقوا فسيتحاصصون التعيينات وسواها، وإذا اختلفوا يشلّون البلد”.

 

هل تستشفّ أنّنا على أبواب وصاية دولية؟

“نعم بالتأكيد”، يجيب: “هي وصاية دولية من خلال مصالح الدول، وإلا فكيف تفسّرين اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والطلب منه “أن يمشّي” حكومة لبنان؟”.

 

هل ترى أنّنا على أبواب مؤتمر تأسيسي ينسف دستور الطائف؟

يجيب: “لا، ليسوا بحاجة إلى ذلك ما داموا يمسكون بالدستور. إذا وقع خلاف أكبر قد يذهبون في هذا الاتجاه. كان يُفترَض بالسياسيّين أن تكون لديهم الجرأة الكافية لإجراء تعديلات دستورية، لأنّ هذه المهل ليست مقبولة، كما حدث بإبقاء البلد 13 شهراً بلا تشكيل حكومة. ويمكن المجلس أن يُسقِط الحكومة، لكن هل يمكن الحكومة حلّ المجلس النيابي؟ أكثر من 56 قانوناً لم تُنفَّذ بسبب الحكومة. في الدستور أمور يجب تغييرها إيجابيّاً وليس من منطلق صراع”.

بالنسبة إلى الانفتاح على سوريا، فإنّ روكز “من حيث المبدأ لست مع حياد لبنان بل مع تحييده، أي أن نقرّر الخروج من الصراعات الإقليمية لأنّ السياسة الخارجية غالباً ما تسبّب للبنان المشكلات. الجوّ الدولي والإقليمي مع تسهيل الأمور من خلال خطّ الغاز من سوريا، ولا شيء يمنع التعاطي مع هذا الموضوع بإيجابية ما دام يوجد جوّ تضامن عربي ودولي إيجابي، لكن لا يعني هذا فتح صراع، وعلينا أن نبقى خارج لعبة المحاور مع تأمين مصالحنا”.

 

كيف تٌقيّم عهد الرئيس ميشال عون؟

يؤكّد روكز: “لقد نجح الرئيس عون في أمور كثيرة، أوّلها مكافحة الإرهاب، وإقرار قانون انتخابات، ووضع أرضيّة قانونية ننطلق منها في التنقيب عن الغاز والنفط. حتى الصراع السياسي، الذي نشب بين القوى السياسية في عهده، ظهّر الثغرات السياسية الموجودة في الدستور والبلد والممارسة، ومن المفترض أن يستفيد العهد التالي من هذه الثغرات لنرتكز على دستور وقوانين ومؤسسات صحيحة من أجل مستقبل البلد”.

إقرأ أيضاً: شامل روكز… فخامة المغوار (1/2): علاقتي بعون مستمرّة بلا عتب

أين أخفق العهد؟

“أخفق في النهوض بالبلد، لكن بسبب الصراعات. بالتأكيد، الأزمات تراكميّة، وكان المتوقَّع أن ننتهي منها. الحقّ على فريق عمل الرئيس والمحيطين به، الذين كان الأَوْلى بهم تجميع قوى سياسية وشعبية ومؤسساتية ونقابية حول العهد والرئيس ليعطي ويعمل ويضع المؤسسات موضع العمل، وليس موضع التناحرات”.

 

مواضيع ذات صلة

لمحة سريعة عن “مواقف” أحمد الشّرع

دمشق   أكثر من شخصية يتشكّل منها أحمد الشرع. هو أبو محمد الجولاني مؤسّس جبهة النصرة. وهو “موحّد الفصائل العسكرية”، ومطلق إدارة سياسية جديدة في…

الجولانيّ: من “الموصليّ” الرّاديكاليّ إلى “الشّرع” البراغماتيّ

خطفَ الأنظار زعيم “هيئة تحرير الشّام” (“جبهة النّصرة” سابقاً) أبو محمّد الجولاني. منذ انطلاق العمليّة العسكريّة في حلب وإدلب وحماة وصولاً إلى حمص. تصدّرَ اسم…

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…