احتفاء إيران بوصول نفطها عبر سوريا إلى حليفها اللبناني حزب الله، لا يقلّ في احتفاليّته عن الاحتفاء الذي رافق دخول الصهاريج الحاملة لهذا النفط إلى لبنان، ولا يقلّ عن الاحتفاء بإعلان قبول العضوية التامّة لإيران في منظمة شنغهاي للتعاون بعد انتظار استمرّ منذ عام 2001.
إنّ اللغة واحدة والرؤية مشتركة لدى الطرفين، طهران وحزب الله، في توظيف أبعاد هذه الخطوة أو هذه العملية. إذ أجمعت أوساط النظام الإيراني ومؤسسات السلطة على توصيف هذه العملية بأنّها “ضربة استراتيجية” وجّهها محور المقاومة لكلّ الدول التي تحاصره، ووصفها برمية واحدة قام بها الأمين العام لحزب الله، أصابت ثلاثة أهداف، تمثّلت في كسر الحصار الاقتصادي لإيران، وكسر قانون “قيصر” للعقوبات الأميركية ضد سوريا، وكسر الحصار الاقتصادي الأميركي غير المعلن لمعادلة “لبنان = حزب الله”.
في الموازاة، جاءت الاحتفالية الإيرانية بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، في إطار الجهود التي يبذلها النظام لتكريس التوجّه نحو الشرق، وتعزيز التفاهم الاستراتيجي الذي ينوي تحويله إلى اتفاقية مع الصين لمدّة 25 سنة قابلة للتجديد، إذ إنّ الدخول إلى هذه المنظمة يكسر حاجز التردّد الصيني الذي يراعي التوازنات الدولية، خاصة بعد التطوّر الأخير الذي تمثّل في توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي بين أميركا وبريطانيا وأستراليا قرأتها الصين تهديداً لمصالحها في إطار الخطة الأميركية لمحاصرتها.
ويرى النظام الإيراني أنّ هذه التطوّرات، فضلاً عن تداعيات الانسحاب الأميركي من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على السلطة في هذا البلد، جعلت إيران لاعباً أساسيّاً ومحوريّاً في أيّ جهود لمعالجة تداعيات هذا الحدث. وهذا ما أظهرته حركة اللقاءات الهامشية التي شهدتها العاصمة الطاجيكية دوشنبه التي استضافت قمّة شنغهاي. ولعلّ المؤشّر البارز في هذا السياق هو الاجتماع الرباعي الذي ضمّ روسيا والهند وباكستان وإيران، لبحث سبل التعاون في الموضوع الأفغاني وتقليل مخاوف هذه الدول في المرحلة المقبلة.
فالنظام الإيراني سيسعى إلى اللعب على المخاوف الهندية من عودة طالبان، وتوظيف الخسارة التي لحقت بنيودلهي جرّاء انهيار حكومة حليفها أشرف غني في كابل، لتسريع العمل في إنهاء ميناء تشابهار على بحر عمان، ثمّ محاولة توظيف علاقاتها العميقة مع باكستان لاستيعاب أيّ تطوّر سلبي قد يأتي من ناحية طالبان بناء على الدور والتأثير الذي تمتلكه إسلام آباد على قيادات هذه الحركة. في حين أنّها ستعمل على تعزيز تعاونها مع موسكو انطلاقاً من تلاقي الهواجس حول مستقبل منطقة آسيا الوسطى وطرق المواصلات التجارية، بالإضافة إلى محاولة ترسيخ تفاهمات واضحة تتّصل بحدود العلاقة والدور على الساحة السورية بالتزامن مع الدفع الذي تمارسه موسكو لإعادة تفعيل مسار الحلّ السياسي في هذا البلد من بوّابة إحياء عمل اللجنة الدستورية، وآليّات التعامل مع الانسحاب الأميركي، بالإضافة إلى المسار الذي من المفترض أن تتمّ فيه معالجة مناطق النفوذ التركي في الشمال الغربي من سوريا، وآليّات الحوار مع القوات الكردية “قسد”.
أجمعت أوساط النظام الإيراني ومؤسسات السلطة على توصيف هذه العملية بأنّها “ضربة استراتيجية” وجّهها محور المقاومة لكلّ الدول التي تحاصره، ووصفها برمية واحدة قام بها السيد
هكذا تنظر إيران ومحورها إلى المسارين، صهاريج النفط إلى لبنان ونتائج العضويّة في شنغهاي، فتعتبرهما انتصاراً للمحور، أو هزيمة للإدارة الأميركية، تُضاف إلى ما تصفه أو تعتبره هزائم أخرى لحقت بواشنطن في منطقة غرب آسيا، بناء على توصيفها للانسحاب الأميركي من أفغانستان ولقرار واشنطن بإنهاء وجود قوّاتها القتالية في العراق الذي تطالب طهران بأن يُستتبَع بخطوة أخرى تنهي الوجود الأميركي بشكل كامل. وقد تدفع التطوّرات المنتظرة على الساحة السورية وما يمكن أن تصل إليه من نتائج واشنطن إلى الانسحاب من مناطق شمال شرق سوريا. وهذا ما قد يساعد إيران على الذهاب إلى طاولة التفاوض على إعادة إحياء الاتفاق النووي، متمسّكةً بشروطها التي تطالب الولايات المتحدة بالعودة إلى الاتفاق وإلغاء جميع العقوبات التي أعاد فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب منذ عام 2018، ولن تكون مجبرةً على تقديم تنازلات قاسية أو مؤلمة في الملفّات الأخرى كالبرنامج الباليستي أو النفوذ الإقليمي.
وقد بدأت سياسات تفكيك مصادر التهديد المباشر التي تلعبها طهران، مع الانتصار الذي حقّقته بمسارعتها إلى قطع الطريق على إمكان إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً يتّهمها بخرق اتفاقية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، خصوصاً أنّ الوكالة الدولية فقدت القدرة على مراقبة المنشآت الإيرانية بعد القانون الذي أقرّه البرلمان في تشرين الثاني من العام الماضي الذي ألزم حكومة حسن روحاني حينها باتخاذ خطوات تحدّ من التعاون مع الوكالة الدولية وتُنهي عمل التفتيش المباغت. وما زيارة مدير الوكالة الدولية رافايل غروسي المفاجئة إلى طهران، والاتفاق مع رئيس الوكالة الإيرانية محمد إسلامي على تمديد الاتفاق الذي سبق أن وقّعه سلفه علي أكبر صالحي مطلع العام الحالي، سوى مؤشّر إلى عدم رغبة إيران في العودة إلى دائرة الاتّهام في مجلس الأمن، مع ما يعنيه ذلك من إمكان تفعيل آليّة الزناد التي تعيد فرض عقوبات دولية ضدّها بناء على القرار 2231، وقد تضعها تحت شروط البند السابع لميثاق الأمم المتحدة.
إقرأ أيضاً: إيران المنقسمة بين طالبان والخوف منها
من المتوقّع أن تعلن طهران حتى النصف الأول من الشهر المقبل تشرين الأول عودتها إلى طاولة المفاوضات. فهي تدرك أنّ الفرصة المتاحة أمامها لم تعد تسمح بالمماطلة، وأنّ المرحلة المقبلة قد تفرض عليها الذهاب إلى حوار مباشر مع واشنطن لضمان عدم العودة إلى دائرة التهديد. فهل تكون قادرة على ترجمة ما استجمعته من أوراق وانتصارات على طاولة التفاوض؟