لم يشهد تاريخ لبنان الحديث مشاورات لـ”البحث” عن رئيسٍ للحكومة تحت وطأة أزمة سياسية اقتصادية مُرعبة، كما يحصل منذ استقالة حكومة حسان دياب في 10 آب 2020.
ويَصدف أنّ المعنيّ الأوّل بـ”حلحلة” الحبل الذي يلتفّ حول رقاب اللبنانيين، إن في ما يتعلّق بلجم الصعود الصاروخي للدولار أو فتح الاعتمادات للاستحصال على تنكة بنزين أو علبة دواء، هو اليوم موضع شبهات جدّيّة، وملفّاته المالية مفتوحة في دول عدّة كسويسرا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا… ولبنان حيث يُفترض أن يمثل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الخامس من آب أمام المحامي العام التمييزي القاضي جان طنّوس في القضية المفتوحة لدى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات منذ كانون الثاني الماضي، بجرائم الإثراء غير المشروع والاختلاس وتبييض الأموال والتهرّب الضريبي ومراكمة ثروات عقارية.
الساعات الفاصلة عن موعد الاستشارات النيابية يوم الاثنين لن تكون كافية على الأرجح لِحَسم اسم الرئيس المكلّف بالنظر إلى رزمة العقد التي تصعب فكفكتها في ضوء تقدّم اسم نجيب ميقاتي على غيره من المرشّحين
في واقع الأمر، بات من الصعب فصل “مشاورات الزواريب” الحكومية، التي ترقى إلى مستوى التخاذل والتقصير في حماية ملايين اللبنانيين، عن مشهد “الموجة العملاقة” التي تكاد تبتلع الجميع نتيجة تسارع الانزلاق نحو الارتطام الكبير.
بات الحديث يتوسّع أكثر عن احتمال إعلان حالة طوارئ، كما توقع النائب نهاد المشنوق منذ أشهر طويلة، بسبب اقتراب لبنان من مواجهة أكبر كارثة إنسانية في تاريخه، قد تشهد إقفال مستشفيات بسبب عدم توافر مادة المازوت والمستلزمات الطبية الضرورية.
“زمرة” حاكمة مُهترئة تفتّش عن رئيس حكومة، ولا تستحي من الاستمرار في رفع السقوف، و”التنتيع”، ووضع الشروط، والتمترس خلف “مكتسباتها”، فيما تلعب “الخفافيش والثعابين” بين معراب وبيت الوسط، ويتسلّى جبران باسيل بمناورة طرح اسم نواف سلام المرفوض بالمطلق من قبل حليفه الأول والأوحد حزب الله.
حين قدّم الرئيس سعد الحريري اعتذاره عن التأليف كان الرئيس نجيب ميقاتي يتهيّأ لإجازة مقرّرة لمدة ثلاثة أسابيع على متن يخته الخاص في إحدى الجزر اليونانية برفقة عائلته وأقاربه وأصدقاء، بدلاً من أن يكون بين أهله وناسه في طرابلس التي تتلوّى من قساوة الأزمة وتشهد المزيد من التوتّرات الأمنيّة.
كان ميقاتي متيقّناً من اعتذار الحريري، لكن من دون أدنى ضمانة تشير إلى تسلّم التكليف من يد سعد. حتى إنّ الاتصالات، التي وَردته في أوّل أيّام عيد الأضحى، كانت زبدتها تعكس تأرجح ميقاتي، “غير المُستقتل” لتحمّل المسؤوليات في هذه المرحلة، بين بقائه عضواً في نادي رؤساء الحكومات أو انتقاله إلى مجلس النواب لبدء استشارات التأليف بعد التكليف.
تفيد المعلومات أنّ ثمّة وسيطاً، إضافة إلى حزب الله، ينشط باتصالاته بين الطرفين من دون أن يقود ذلك إلى كسر الجليد بين ميقاتي وباسيل
وفق المعلومات، سيكون ميقاتي في بيروت اليوم من دون أن تتبيّن حقيقة عقده اجتماعات مع الحريري في اليونان أو أيّ مسؤول أجنبي.
لكنّ الساعات الفاصلة عن موعد الاستشارات النيابية يوم الاثنين لن تكون كافية على الأرجح لِحَسم اسم الرئيس المكلّف بالنظر إلى رزمة العقد التي تصعب فكفكتها في ضوء تقدّم اسم نجيب ميقاتي على غيره من المرشّحين. لن يكون سهلاً بالمقابل على نائب طرابلس أن يخضع لمحاكمة شعبية قبل تكليفه، غير المضمون، بتهمة استيلاء شركاته وشركات شقيقه طه وأولادهما على قروض الإسكان المدعومة من مصرف لبنان، عبر بنك عودة، بقيمة تصل إلى أكثر من 34 مليون دولار. وقد بدأت مواقع التواصل الاجتماعي بتداول هذه الملفّات وبالأرقام.
ويفتقر إلى المظلّة المسيحية لتسميته (التيار الوطني الحر يرفضه، والقوات لن تسمّيه) رئيس الحكومة الأسبق الساعي إلى ضمانات عربية وغربية ومحلّية تتيح تأليفاً سريعاً لحكومته لا تتجاوز مدّته أسبوعاً واحداً، وحماية دولية لأجندة عمله الحكومي، كما ينقل عنه.
رئاسته لحكومة اختصاصيين، بوصفه مشاركاً “سابقاً” في منظومة الحكم، “ما بتقطع” عند ميشال عون وجبران باسيل. والثمن، إن قُدّر لخيار ميقاتي أن يُحسم، سيكون وزراء محسوبين بالسياسة بالكامل على العهد لتتحوّل الحكومة المقترحة إلى تكنوسياسية. وهذا اقتراح سابق للميقاتي لوّح به سابقاً باسيل حين أكّد قبل أسابيع من اعتذار الحريري أنّ أيّ حكومة مقبلة لن نقبل أن نشارك فيها إلا بأسماء حزبية. ولم يُعرف هل يقصد ما قبل الانتخابات النيابية أو بعدها.
إقرأ أيضاً: ترئيس ميقاتي: هذه نقاط ضعفه… وقوّته
ووفق المعلومات، طرأت ليونة على موقف رئيس الجمهورية من تسمية ميقاتي في مقابل تصلّب مستمرّ من جانب باسيل الذي يبدو أنّه يزنّر نائب طرابلس بحزام سياسي ناسف يفرض وجوداً سياسياً له داخل حكومة يصعب، برأيه، أن تكون حكومة اختصاصيين، في حين أنّ رئيسها، الذي كان وزيراً ونائباً ورئيساً للحكومة، هو جزء من المنظومة. وما انطبق على الحريري ينطبق تلقائياً على ميقاتي. وتفيد المعلومات أنّ ثمّة وسيطاً، إضافة إلى حزب الله، ينشط باتصالاته بين الطرفين من دون أن يقود ذلك إلى كسر الجليد بين ميقاتي وباسيل.