طغت مشاهد “طوابير العيد” أمام محطات البنزين، والتفتيش المضني عن حبّة دواء، والاستقصاء عن ليترات المازوت في السوق السوداء، على مساعي “التكليف الجديد” بعد ثمانية أيام من اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة.
تقريباً “لا شيء” هي حصيلة البحث عن رئيس مكلّف بعد انكسار الجرّة بين بعبدا وبيت الوسط. لكنّ جديد “المعايير”، التي يطرحها رئيس الجمهورية وجبران باسيل، هو رفض تبنّي تسمية أيّ مرشّح شبيه ببروفيل الرئيس حساب دياب من أجل “إدارة الأزمة” فقط، أو مرشّح يشكّل امتداداً للحكومات السابقة الخبيرة في “تكريس” تحلّل الدولة كالحريري نفسه. وهو موقف رئاسي يعكس تصلّباً في احتمال حصول مناورة تعيد تكليف رئيس تيار المستقبل، وفق أوساط بعبدا.
والجديد الأهمّ في المشهد الحكومي عدم حماسة حزب الله للسير “الآن” بترشيح النائب فيصل كرامي، وهو موقف وصل بالتواتر إلى الشخص المعنيّ نفسه، وبشكل أوضح إلى عون وباسيل. والحزب في هذه المرحلة يفضّل عليه نجيب ميقاتي، في تقاطع مع الرئيس نبيه بري، لا لشيء سوى أنّ مَن حمل راية التمسّك ببقاء حكومة الحريري (قبل الاستقالة)، وصولاً إلى تحذير الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله شخصياً من مغبّة هذا القرار، ثمّ التصق بخيار رئيس تيار المستقبل رئيساً مكلّفاً، ليس بوارد دعوة “الدبّ” إلى كرمه والخربطة في هذه المرحلة في لعبة التوازنات المذهبية التي لا يزال يضعها أولوية على طاولته.
أمّا النائب فؤاد مخزومي فـ”مُنتَج” يُسوَّق على أنّه مستقلّ ومناسب للمرحلة، لكنّه يلاقي معارضة من الضدّين: حزب الله وتيار المستقبل.
الجديد الأهمّ في المشهد الحكومي عدم حماسة حزب الله للسير “الآن” بترشيح النائب فيصل كرامي، وهو موقف وصل بالتواتر إلى الشخص المعنيّ نفسه، وبشكل أوضح إلى عون وباسيل
ويَكشف سمير الخطيب، الذي عُوِّم اسمه في الساعات الماضية، المنحى العبثي لمشاورات التكليف المغلّف بشيء من النكاية في الأيام المصيرية الفاصلة عن يوم الاثنين الذي حدّدته رئاسة الجمهورية للتسمية الملزمة.
أمّا المرشّح الأكثر تداولاً نجيب ميقاتي فالمعلومات تؤكّد أنّه يصطدم بالفيتو العوني عليه، وأنّ الضمانات التي يطلبها لمرحلة التأليف وما بعده غير متوافرة، وأولها الحريري نفسه الذي حَسَم مسألة عدم تسميته أحداً، لكن من المحتمل أن يتراجع لمصلحة ميقاتي.
إذاً الرسم التشبيهي للرئيس المكلّف لا يزال غير مكتمل. لكنّ التويت الذي نشرته أمس صفحة “الجنرال ميشال عون” على تويتر، وأعادت رئاسة الجمهورية مشاركته، يمهّد لتأجيل استشارات تبدو حتى الآن كعرسٍ من دون عريس ولا مدعوّين. إذ كتب “الجنرال عون” قائلاً: “حسماً لأيّ اجتهاد أو إيحاء، فإنّ الاستشارات النيابية ستجري في موعدها، وأيّ طلب محتمل لتأجيلها يجب أن يكون مبرَّراً ومعلَّلاً”.
على ذلك، يبدو أنّ الاتّجاه هو التركيز أكثر على “تخريجة” تبرِّر التأجيل المتوقَّع أكثر من التوافق على اسم شخصية تحظى بتوافق الحدّ الأدنى وسط فرزٍ حادٍّ ومتداخلٍ حتى الآن في مواقف القوى السياسية.
ويفترض بأيّ تأجيل مُحتمل أن يكون “أشطف زوم” من ذاك الذي تبرّع به الأمين العام لحزب الطاشناق النائب آغوب بقرادونيان في 18 تشرين الأول من العام الماضي، قبل خمسة أيام من تكليف الحريري، وإثر زيارة النائبة بهية الحريري له، حين قال إنّه اتصل “برئيس الجمهورية وسألته عن الوضع، وإن سمّينا فهل سنعجّل بتأليف الحكومة، فردّ بأنّه لا يعرف، فطلبت منه تأجيل الاستشارات النيابية عدّة أيام للحديث مع أصحاب الشأن لترتيب أمور معيّنة، وكي نتناقش ونصل إلى نتائج، فردّ بـ”أوكي”. ولاحقاً اتصل بي الرئيس عون، وقال لي إنّه ستُؤجَّل الاستشارات، مؤكّداً أنّه لم يشاور أحداً في فكرة التأجيل”. ويومها اعترض برّي على هذا التأجيل.
إقرأ أيضاً: لماذا اتّصل الحريري بكرامي؟ وهل تغيِّر السعوديّة موقفها؟
يُذكر أنّ برنامج الاستشارات يوم الاثنين قد حدّد آخر مواعيد للتسمية لكلّ من تكتّل لبنان القوي، ثمّ كتلة الأرمن، ثمّ كتلة ضمانة الجبل، بينما في استشارات تكليف الحريري قبل تسعة أشهر وُضِعت كتلة التنمية والتحرير برئاسة الرئيس نبيه بري في آخر جدول الاستشارات، وسبقها الترتيب نفسه للكتل المذكورة أعلاه.