هل لبنان محاصَر؟ نعم ولا!

مدة القراءة 6 د

اجتماع السراي بين بقايا حكومة حزب الله وعدد من سفراء الدول المعتمدين في لبنان، كان التجسيد العمليّ لطبيعة المشكلة في البلد. فحسّان دياب كرّر فقط على مسامع الدبلوماسيّين ما كان قاله حسن نصرالله قبلاً، وهو أنّ المشكلة هي مشكلة الحصار الخارجي لا أكثر ولا أقلّ.

جمع حسان دياب ممثّلي الخارج لحثّهم على مساعدة لبنان، وفي الوقت نفسه قرأ عليهم مضبطة اتّهام، تلخّص مأساة لبنان بالحصار، بلا أيّ زيادة أو نقصان. ثمّ شرع، بطاووسيّة مضحكة، يشرح لهم عن الإصلاحات المعدّة والجاهزة في حال تخفيف الحصار والسماح بتشكيل حكومة حزب الله الثانية على مقاسات جبران باسيل وعمّه.

اجتماع السراي مهمّ من هذه الزاوية. إنّه تأكيد علنيّ أنّ البلاد محتلّة بالكامل، بكل المعاني السياسية، وأنّ القرار حتى إشعار آخر هو قرار المحتلّ.. أي حزب الله

لا أحد بوسعه أن ينكر الحصار. ما لا يمكن نكرانه أيضاً هي أسباب الحصار الموجبة، وهذا ما فات الطاووس المضحك.

فالعرب الجدّيّون غير معنيّين بإنقاذ جمهورية حزب الله. والغرب كذلك، وعلى رأسه أميركا المنسحبة من الشرق الأوسط. أمّا فرنسا، التي حاولت منذ انفجار 4 آب 2020، أن تدفع باتّجاه حلول حقيقية، فتعلّمت خلال سنة أنّ قيامة لبنان منذ عام 1990 هي حصيلة التفاهم مع الشيطان، أكان اسمه سوريا حافظ الأسد أو لبنان ولاية الفقيه.. وأنّ ما عدا ذلك مضيعة للوقت، ومجلبة للمهانة..

اجتماع السراي مهمّ من هذه الزاوية. إنّه تأكيد علنيّ أنّ البلاد محتلّة بالكامل، بكل المعاني السياسية، وأنّ القرار حتى إشعار آخر هو قرار المحتلّ.. أي حزب الله.

في الوقت نفسه، كان الإصرار الدولي على مساعدة لبنان إصراراً غير مسبوق. بل إنّ الاستعدادات لمدّ يد العون لا تتناسب في الواقع مع حجم الأزمة اللبنانية إذا ما قورِنت بأزمات أكبر وحرائق أشرس كما في سوريا والعراق واليمن.. يكاد لبنان يكون أكثر الدول المأزومة تلقِّياً للاهتمام والجهد الدوليّيْن..

1-  بعد عدّة أيام على انفجار مرفأ بيروت، عُقِد مؤتمر دولي رفيع المستوى لمساعدة ودعم الشعب اللبناني، بمشاركة الأمم المتحدة، وذلك بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وشاركت في المؤتمر الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والصين وروسيا. وتمّت متابعة هذا المؤتمر بمؤتمر آخر بعد أربعة أشهر برئاسة الرئيس الفرنسي والأمين العام للأمم المتحدة، وعُقِد افتراضيّاً تحت عنوان “مؤتمر دعم الشعب اللبناني”، وخُصِّص لتقويم المساعدات التي قدّمها المجتمع الدولي للبنان منذ انفجار المرفأ، وتقويم ترتيبات توزيعها والنظر في الاحتياجات الجديدة والعمل على تلبيتها.

2-  يُتابَع لبنان متابعة حثيثة من خلال تشكيلات سياسية، أبرزها مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان التي تضمّ الأمم المتحدة وحكومات الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الروسي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وتمّ تشكيلها في أيلول 2013 لبحث سبل تدعيم الاستقرار في لبنان وحفظ سيادته ومؤسسات دولته، ومن أجل التشجيع على تقديم الدعم للجيش اللبناني واللاجئين السوريين في لبنان والمجتمعات اللبنانية المضيفة والبرامج الحكومية والخدمات العامة التي تأثّرت بالأزمة السورية.

الأكيد أنّ لبنان لن يحصل بعد الآن على شيك على بياض من القوى العربية والدولية، ما دام البعض يصرّ على تحويل البلد إلى غرفة عمليات لحزب الله وقاعدة تدريب لكلّ الميليشيات الإيرانية في الإقليم

3-  انعقاد مؤتمر “سيدر” عام 2018 لدعم الاقتصاد اللبناني، الذي استضافته باريس وأسفر عن جمع ما يفوق 11 مليار دولار من المنح والقروض الميسّرة.

4-  بعد مؤتمر “سيدر”، نظّمت فرنسا مؤتمر روما الذي كُرِّس لدعم المؤسسات الأمنية اللبنانية.

5-  سياسيّاً لم تهدأ حركة الإحاطة والحثّ التي تقودها فرنسا، وأخيراً بالاشتراك المباشر والعلنيّ مع واشنطن. ومن أبرز ملامحها اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في باريس، والإعلان بعد اللقاء عن تنسيق فرنسي أميركي للتحرّك “معاً للضغط على المسؤولين” اللبنانيين. تلا ذلك تحرّك فرنسي أميركي باتجاه السعودية على هامش اجتماع مجموعة العشرين في إيطاليا لحضّها على مشاركتهما الاهتمام بالملفّ اللبناني، وهو ما نتج عنه دعوة ثلاثية هذه المرّة فرنسية أميركية سعودية (بشخص وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان) للقوى السياسية لتجاوز خلافاتهم بغية حلّ الأزمة التي تعصف ببلدهم.

وفي سياق متابعة هذا اللقاء، عقدت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو والسفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا اجتماعات ثلاثية مع نظرائهما في المملكة العربية السعودية لبحث الوضع في لبنان. وصدر في أعقاب اللقاء بيان أكّد الحاجة الماسّة إلى حكومة تتمتّع بصلاحيّات كاملة تكون ملتزمة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات. وشدّدت السفيرتان غريو وشيا على أنّ إجراءات ملموسة يتّخذها قادة لبنان لمعالجة عقود من سوء الإدارة والفساد ستكون حاسمة لإطلاق دعم إضافي من فرنسا والولايات المتحدة والشركاء الإقليميّين والدوليّين.

لا تنسجم هذه الخلاصة عن هذا التاريخ القريب لمستوى الدعم والرعاية اللذين يحظى بهما لبنان مع فرضيّة أنّ البلاد مهمَلة. لبنان معاقَب لكنّه ليس مهمَلاً. محاصر لكن تتاح له سبل الخروج من المأزق.

بيد أنّ الأكيد أنّ لبنان لن يحصل بعد الآن على شيك على بياض من القوى العربية والدولية، ما دام البعض يصرّ على تحويل البلد إلى غرفة عمليات لحزب الله وقاعدة تدريب لكلّ الميليشيات الإيرانية في الإقليم. وما عاد أحد يثق بالطبقة السياسية التي أقلعت عن مناهضة حزب الله وفعلت ما يفعله العائشون في كنف عصابات الجريمة: “ما لم تقوَ عليهم، إنضمّ إليهم“...

إقرأ أيضاً: إيران تقتلع لبنان من جذوره؟

نعم لقد تحوّلت الطبقة السياسية إلى لاعبي كومبارس عند حزب الله، فيتيح لهم مساحة واسعة من الفساد والانتفاع ما داموا يغطّون على سلاحه ويتجنّبون الاصطدام به.

لبنان غرفة العمليات محاصَر.. لبنان الذي يريد الخروج من فوهة الجحيم، كل الطرق أمامه معبّدة.. المسألة مسألة قرار شعبي وسياسي شجاع وواضح، يضع الإصبع على المصدر الحقيقي للأزمة بدل التلهّي بالغناء لأهل بيت جبران باسيل.

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…