الدواء يلحق البنزين: الأدوية البديلة المهربة غير آمنة..

مدة القراءة 5 د

كان من المفترض أن يكون سوق الأدوية على موعد مع انفراج نسبي هذا الأسبوع، مع جميع الوعود التي تلقّاها الصيادلة من وزارة الصحّة بأن يغطّي مصرف لبنان ما يقارب 50 مليون دولار شهريّاً من الاعتمادات لمدّة سنة. هذه الوعود، لو تحقّقت، كان يمكن أن تكفي حاجة الأسواق بالحدّ الأدنى خلال الفترة المقبلة، على الأقلّ بالنسبة إلى الأدوية الأكثر ضرورة التي تُعنى بالأمراض المستعصية. وفي أروقة وزارة الصحّة، وصلت المداولات مع الصيادلة، أوّل من أمس، إلى مرحلة الحديث عن لوائح بالأدوية يجري إعدادها، وفقاً لسقوف الدعم هذه، لضمان تزويد الأسواق بها، مع ترتيب هذه اللوائح وفقاً لمعايير الحاجة والندرة ودرجة خطورة الأمراض التي تُعنى بها.

في الوقت الراهن، يكمن أخطر وجه من وجوه الأزمة في نوعيّة الأدوية التي بدأت تحلّ محلّ الأدوية المستوردة بشكل نظامي، وتحديداً أدوية السوق السوداء غير المعروفة ولا الموثوقة المصدر

لا شيء من هذه الوعود تحقّق، لا بل تبيّن أنّ المصرف المركزي غير معنيّ بكل هذه السقوف الشهريّة التي يتمّ الحديث عنها. أمّا الأخطر فهو معلومات نقابة مستوردي الأدوية التي تشير إلى أنّ الشركات المستوردة للأدوية مديونة بأكثر من 600 مليون دولار، ولا تملك هذه الشركات القدرة على الاستيراد مجدّداً، حتّى لو رُفِع الدعم أو قدَّم مصرف لبنان السيولة، إلا إذا سدَّدت الالتزامات السابقة المتراكمة. بمعنى آخر، على مصرف لبنان أن يقدّم السيولة لسداد هذه الديون المتعلّقة بسلع اُستُورِدت وبيعت سابقاً، قبل الدخول في أيّ صيغة دعم أو لوائح أدوية مدعومة جديدة. أمّا الخطر الفعلي فيكمن في إمكان الوصول إلى مرحلة تفليس شركات الأدوية المستورِدة وإخراجها من السوق، في حال لم تُعقَد تسوية معقولة لهذه الأزمة.

في هذه الأثناء، وقعت الشركات المستورِدة بين نارين: فهي من ناحية غير قادرة على فتح الاعتمادات المطلوبة لدى مصرف لبنان لاستيراد الأدوية، ومن ناحية أخرى لا تملك هذه الشركات القدرة على استيراد الأدوية وبيعها بشكل شرعي بالدولار الطازج لارتباطها بلوائح تسعير الأدوية الرسميّة الصادرة عن وزارة الصحّة. وكانت شركات الأدوية تنتظر خروج الوزارة بتفاهم رسمي مع مصرف لبنان، يمكن على أساسه تحديد الأدوية غير المدعومة التي يمكن استيرادها بالدولار غير المدعوم وبيعها وفقاً للأسعار المحدّدة بحسب سعر الصرف الفعلي، لكنّ ذلك لم يتمّ حتّى الساعة، فبقيت الأزمة على حالها.

وهكذا أصبح انقطاع مئات أصناف الأدوية في الصيدليات سيّد الموقف، ومن بينها معظم أدوية الأمراض السرطانيّة النادرة والباهظة الثمن، ومعظم أصناف أدوية أمراض القلب والسكّري والأعصاب وسائر الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى لقاحات الأطفال على أنواعها والمضادات الحيويّة الضروريّة. ويمكن تفهّم ظاهرة انقطاع الأدوية المرتبطة بالأمراض المزمنة، لكون اكتناز الدواء يرتبط عادةً بالأدوية التي لا يمكن الاستغناء عنها، والتي يحرص المرضى على تخزينها في أوقات الأزمات لتفادي انقطاعهم عن تناولها لفترة من الزمن.

معلومات نقابة مستوردي الأدوية التي تشير إلى أنّ الشركات المستوردة للأدوية مديونة بأكثر من 600 مليون دولار، ولا تملك هذه الشركات القدرة على الاستيراد مجدّداً، حتّى لو رُفِع الدعم أو قدَّم مصرف لبنان السيولة

في الوقت الراهن، يكمن أخطر وجه من وجوه الأزمة في نوعيّة الأدوية التي بدأت تحلّ محلّ الأدوية المستوردة بشكل نظامي، وتحديداً أدوية السوق السوداء غير المعروفة ولا الموثوقة المصدر. في معظم الحالات، يكون مصدر هذه الأدوية ما بات يُعرف بـ”تجّار الشنطة”، الذين يأتون بها من الخارج بشكل غير شرعي، ثمّ تُباع محلياً من خلال شبكات من الصيادلة والأطباء الذين يصفون للمرضى هذه الأدوية بدلاً من الأدوية المقطوعة. أمّا خطورة هذه المسألة فتكمن أوّلاً في بعض الأصناف المجهولة الفعاليّة أو السلامة أو العوارض الجانبيّة، التي تُستعمَل بديلاً للأصناف التي تسمح بها وزارة الصحة. وثانياً، حتّى في حالة استيراد الأصناف المعروفة وبيعها بشكل شرعي، لا ضمان لعدم التلاعب في تواريخ صلاحيّة هذه الأدوية، وهو ما يؤثّر بشكل كبير على فعّاليّتها وعوارضها الجانبيّة.

بالنسبة إلى الصيادلة اليوم، لم تعُد الاستماتة للحفاظ على الدعم بشكله الحالي هي الأولويّة، بل تحديد الأدوية التي يستطيع مصرف لبنان دعمها بصورة واقعيّة، خصوصاً أن توسيع لائحة الأدوية المدعومة من دون أن يوفّر المصرف المركزي السيولة الضرورية لاستيرادها، كما هو الحال الآن، سيعني فعلياً قطعها عن الأسواق، وإحالة الطلب عليها إلى السوق السوداء. وعند تحديد لوائح الأدوية المدعومة بهذا الشكل، يمكن عندئذٍ اللجوء إلى استيراد الأدوية غير المدعومة وفقاً لسعر الصرف الفعلي في السوق، بالإضافة إلى الأدوية التي تُستورَد بالاستفادة من دعم مصرف لبنان بعد ترشيده. لكن حتّى في هذه الحالة، ستظلّ أزمة الديون المتراكمة تلاحق الشركات المستوردة، إلى أن تُوضَع التسوية الملائمة لها.

إقرأ أيضاً: الكهرباء تخنق المستشفيات

أخيراً، يبدو من الواضح أنّ كل ما يجري على صعيد انقطاع الدواء والبنزين وسائر السلع المدعومة، لم يكن إلا نتيجة غياب أيّ تنسيق فعلي بين المصرف المركزي والحكومة في ما يتعلّق بمآل الأمور بعد استنزاف قدرة المصرف المركزي على الدعم، وهو ما أدّى اليوم إلى هذه المرحلة من الارتطام القاسي وغير المسبوق. أمّا أكثر ما يرجوه اللبنانيون اليوم، فهو أن

لا يكون بينهم ضحايا لهذه الأزمات، خصوصاً أنّ معظم شركات الأدوية بدأت تحذّر من نفاد مخزونها بشكل كلّي خلال فترة قصيرة جدّاً.

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…