منذ تسلّم الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله شخصيّاً دفّة إدارة أزمة تأليف الحكومة في ظل صمت الرئيس المكلّف سعد الحريري التامّ، لم يطرأ على المشهد الحكومي أيّ تطوّر يُذكر.
وبموازاة حديث نصرالله أمس عن “أيامٍ حاسمة ولقاءات قد ترسم المسار الحكومي”، وفي ظل التلويح بمسعى قطري على خط الأزمة، تزداد الحالة سوءاً، وتحوّل “مشروع” الحكومة إلى تفصيلٍ هامشي أمام تسونامي الأزمات المتلاحقة التي باتت تهدّد بإدخال لبنان مدار الفوضى الشاملة باعتراف منظمات دولية.
تلخّص الجهات الدولية المشهد بالقول: معالجة الانهيار لا تتمّ بالأدوات نفسها التي أوصلت إليه. لذلك، وللمرّة الأولى منذ بدء الأزمة، يبدأ الحديث الجدّي، وفق المعلومات، عن مصير الرئاسات الثلاث معاً كرزمة واحدة
في واقع الأمر، بات أيّ مسعى يقود إلى دخول الحريري مجدّداً السراي الحكومي، أو حتّى اعتذاره تمهيداً لتكليفٍ آخر، “خارج الموضوع” في ظلّ تأكيدات الفريق اللصيق برئيس الجمهورية أنّ “المشهد بات يتخطّى حسابات ولادة الحكومة. فالمعركة هي بوجه العهد، وقد بدأت منذ جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 31 تشرين الأول 2016، وتزداد وتيرتها بأشكال متعدّدة وبتواطؤ داخلي يرقى إلى مستوى الخيانة. لكنّ رئيس الجمهورية لن يسكت”.
“نَفَسٌ” جديد في التعاطي الرئاسي مع الأزمة لا يمكن أن يُفصَل عن معطيَيْن أساسيّين:
الأوّل: هو تخوّف دوائر القصر الجمهوري من توسّع دائرة الضغط على بعبدا بارتفاع منسوب المطالبات باستقالة رئيس الجمهورية على قاعدة مساواتها بخطوة الاعتذار. وهي القاعدة التي وضعها النائب نهاد المشنوق في آذار الماضي.
هذا احتمال يتقاطع مع سلسلة معطيات لدى أصحاب القرار تشي بأنّ موقع الرئاسة الأولى لن يكون بمنأى عن التموضعات التي قد تلحق برئاسة الحكومة أو مصير مجلس النواب. ويقول مطّلعون: “خيارات جبران باسيل التي طرحها أخيراً بذهاب المجلس النيابي نحو تعديل دستوري لوضع مهل للتكليف أو سحب التكليف من الحريري (استخدم عبارة استعادة القرار) و”إلا إنهاء ولايته بتقصير مدّتها”، هي خيارات لن تستقيم مع واقع “استيلاء” رئيس الجمهورية على صلاحيات مجلس الوزراء عبر “الركّ” على اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، وإصدار مراسيم وفق صيغة الموافقات الاستثنائية، أو ببقائه في موقعه والمطالبة في الوقت نفسه بحلّ مجلس النواب”.
ويرى هؤلاء أنّ “مصير الرئاسة الأولى مرتبط بشكل وثيق بمصير الرئاستين الثانية والثالثة، وسيحدث ذلك إمّا بالتوافق على خارطة طريق للحلّ أو بصراع داخلي سيقود إلى مزيد من التأزيم الذي قد يستدعي تدخّلاً دولياً طارئاً تحت عنوان “إنقاذ لبنان من الانهيار الشامل”، ورأس حربته الفاتيكان قبل الولايات المتحدة أو أيّ دولة أوروبية”.
وفق العارفين فإنّ أحد أهمّ المؤشّرات إلى التخلّي الدولي عن “عدّة الشغل” في لبنان هو التمهيد لاعتذار الحريري الذي أصلاً لم يكن خيار باريس حين خطّت بنود المبادرة الفرنسية، ولم يحظَ بحاضنة خليجية
الثاني: هو تسليم دولي لدى دوائر القرار المعنيّة بالأزمة اللبنانية أنّ استنباط الحلول من التركيبة السياسية القائمة بات صعباً جدّاً. لن يكون تفصيلاً هامشياً إقرار جهات دبلوماسية بالآتي: “نعلم أنّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف يرفضان العمل معاً، ومن الصعب أن يلتقيا على فكرة حلّ أو مشروع حلّ بعد سقوط التسوية بينهما. وكلفة خلافهما كانت باهظة جدّاً لأنّها ثبّتت المسار نحو القعر. واليوم ينطلق المجتمع الدولي من واقع أنّ هذه الثنائية هدّامة ولا يمكن أن تقود إلى انفراجات. وهي تتشعّب بتأثيراتها السلبية لتشمل رئيس مجلس النواب كأحد أضلاع الصراع القائم والشريك الأساس طوال العقود الماضية في ما وصلت إليه البلاد من فوضى”.
وتلخّص الجهات الدولية المشهد بالقول: “معالجة الانهيار لا تتمّ بالأدوات نفسها التي أوصلت إليه”. لذلك، وللمرّة الأولى منذ بدء الأزمة، يبدأ الحديث الجدّي، وفق المعلومات، عن مصير الرئاسات الثلاث معاً كرزمة واحدة، مع التسليم بأنّ عقدة رئاسة مجلس النواب قد تكون الأصعب ربطاً بالفيتو الشيعيّ، وتحديداً خيارات حزب الله.
ويجزم مطّلعون أنّ “ولاية سابعة للرئيس نبيه بري هي احتمال لا تهضمه باريس وواشنطن… وللمفارقة لا تشجّع عليه سوريا”.
إقرأ أيضاً: الحكومة عالقة… وستوسّع جهنّم لبنان إذا تشكّلت
لكنّ في الداخل حالة إنكار تامّة لاستنتاجات دولية باتت بحكم المُسلّمات على طاولة عواصم القرار المعنيّة بتكريس دورها وفرض مصالحها على الساحة اللبنانية بما يتماهى مع حساباتها في الإقليم.
ووفق العارفين فإنّ أحد أهمّ المؤشّرات إلى التخلّي الدولي عن “عدّة الشغل” في لبنان هو التمهيد لاعتذار الحريري الذي أصلاً لم يكن خيار باريس حين خطّت بنود المبادرة الفرنسية، ولم يحظَ بحاضنة خليجية، ودوماً فضّل عليه الأميركيون نوّاف سلام أو أيّ شخصية أخرى مشابهة لبروفيله.