عودة طالبان: إرباك إيراني.. وقلق روسي وصيني

مدة القراءة 5 د

في حين تنصبّ جهود القيادة الإيرانية للخروج من النفق الذي دخلته المفاوضات النووية في فيينا، مع إمكان أن تذهب الأمور إلى تأجيل التوقيع على إعادة إحياء الاتفاق النووي من ناحية، ومحاولة تهدئة الأجواء بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية على الساحة العراقية بعد التصعيد العسكري الأخير في منطقة القائم واستهداف مقرّات للحشد الشعبي وردّ الحشد باستهداف قاعدة أميركية في حقل العمر النفطي السوري من ناحية أخرى، يبدو أنّ التطوّرات، التي تشهدها الساحة الأفغانية من انسحاب القوات الأميركية وعودة حركة طالبان للسيطرة على غالبية المناطق الأفغانية (نحو 80 في المئة من أفغانستان) والوقوف على مشارف العاصمة كابول، بدأت تشكّل مصدر قلق حقيقي للقيادة والنظام في طهران. وقد وصل الإرباك الناتج عن هذه التطورات إلى حدّ أنّ النظام والحكومة والإدارة الدبلوماسية لم تتوصّل بعد إلى صياغة موقف موحّد واستراتيجيّة خاصّة للتعامل مع هذه التطورات والمتغيّرات التي تشهدها الساحة الأفغانية.

القراءة الإيرانية للجانب العسكري الأفغاني ترى أنّ طالبان قادرة على السيطرة على العاصمة كابول، وإسقاط الحكومة الرسمية، لكنّها لا ترغب بذلك ولا تريد احتلال

وعلى الرغم من كلّ المواقف المتفرّقة التي تصدر عن مسؤولين ومعنيّين بالشأن الأفغاني وتطوّراته، إلا أنّ ما يفتقر إليه المشهد الإيراني حتى الآن هو وجود رؤية واضحة لكيفية التعامل مع المتغيّر الأفغاني، وما يمكن أن ينتج عنه، وحجم التهديد الذي قد تشكّله عودة طالبان إلى السلطة، وإمكان أن تكون إيران في مواجهة حالة من عدم الاستقرار الأمني على حدودها الشرقية، إضافة إلى العبء الاقتصادي والاجتماعي الذي يمكن أن يتسبّب به تدفّق موجات من اللاجئين إلى أراضيها في ظل ما تعانيه من أزمات داخلية، ولا سيّما أنّ نحو 4 ملايين لاجئ أفغاني يعيشون في إيران منذ ثلاثة عقود.

القراءة الإيرانية للجانب العسكري الأفغاني ترى أنّ طالبان قادرة على السيطرة على العاصمة كابول، وإسقاط الحكومة الرسمية، لكنّها لا ترغب بذلك ولا تريد احتلال العاصمة لحسابات سياسية خاصّة بها، ولِما لهذه الخطوة من تداعيات خطيرة قد تدفع الرافضين لطالبان إلى توحيد صفوفهم وتشكيل جبهة عسكرية للتصدّي لهذه العودة والسيطرة، فتتحوّل الأمور إلى حرب داخلية يختلط فيها المذهبي والقومي، مع ما يعني ذلك من إعاقة للمشروع السلطوي الذي تسعى إليه طالبان، لأنّ اندلاع حرب داخلية سيكون من دون أفق، وقد لا تستطيع الحركة تحقيق النصر فيها.

يهدف هذا التقدير الإيراني لِما تشهده الساحة الأفغانية، بالدرجة الأولى، إلى فرض الحركة شريكاً أساسيّاً ومقرّراً على طاولة المفاوضات حول مستقبل السلطة في أفغانستان، أو إجبار الحكومة الحالية بقيادة الرئيس أشرف غني ومساعده رئيس لجنة المصالحة عبدالله عبدالله على الاستقالة تمهيداً لتشكيل حكومة انتقالية تكون طالبان هي المقرّرة فيها، وتؤسّس لبناء مرحلة جديدة تعطي طالبان الشرعية الدستورية والقانونية كشريك في العملية السياسية في حال لجأت الحكومة المؤقّتة إلى إجراء انتخابات بناءً على الواقع الجديد.

طالبان القادرة على إنهاء الوضع وحسم الموقف الميداني لمصلحتها والاستيلاء على كل أفغانستان، لا تريد سوى الحصول على الاعتراف الرسمي بها كشريك في هذه المرحلة

لا تستبعد طهران، خصوصاً بعض دوائر وزارة الخارجية المعنيّة بالموضوع الأفغاني وامتداداته باتجاه وسط آسيا، أن يكون تحرّك طالبان وتحفّزها للسيطرة على أفغانستان من دون إسقاط حكومة كابول على علاقة مباشرة بكواليس المفاوضات واتفاق الدوحة بين الإدارة الأميركية ممثّلة بزلماي خليل زاد وحركة طالبان ممثّلة بالملا برادر، في غياب أيّ تمثيل لحكومة كابول. ولا تستبعد أيضاً أن تكون طالبان قد حصلت على الضوء الأخضر الأميركي لإضعاف حكومة أشرف غني من دون إسقاطها وفرض شراكة سياسية معها بغلبة لطالبان أو الذهاب إلى حكومة مؤقّتة. وهذا يفيد بأنّ طالبان القادرة على إنهاء الوضع وحسم الموقف الميداني لمصلحتها والاستيلاء على كل أفغانستان، لا تريد سوى الحصول على الاعتراف الرسمي بها كشريك في هذه المرحلة.

أمام هذه القراءة، وعلى الرغم من عدم وجود رؤية إيرانية واضحة، فإن إيران تلتزم مسارين: الأول تمسّكها بدعم حكومة كابول باعتبارها الجهة الشرعية والدستورية في أفغانستان، والثاني التعامل مع طالبان كجزء ومكوّن رئيس من الواقع السياسي الأفغاني.

إقرأ أيضاً: بولتون يتذكر (19): ترامب يريد “سفّاحي” طالبان في البيت الأبيض

بالإضافة إلى هذه الحقائق، تعتقد طهران أنّ استيلاء طالبان على السلطة في كابول، وإسقاط الحكومة، وإمكان نشوب حرب داخلية، ستوجّه ضربة أساسية لمشروع حركة طالبان الساعية إلى الحصول على اعتراف دولي بدورها وشراكتها في السلطة. إلا أنّ ذلك لا يعني أن لا تضع طهران في اعتبارها الساحة الأفغانية وآليات عمل طالبان التي لا يمكن التكهّن بها. وإذا خطت الحركة خطوتها الأخيرة باتجاه كابول فإنّ حالة من الفراغ الأمني ستسود في هذا البلد، فيصبح عندئذٍ مصدر تهديد حقيقيّ للأمن الإيراني، لِما تشكّله حالة الفوضى من أرضية خصبة لنشاطات الجماعات المتشدّدة، خصوصاً تنظيم داعش. وقد سبق لطهران أن حذّرت من أن تتحوّل أفغانستان إلى ساحة عمل ونفوذ لداعش بعد القضاء على دولته في العراق وسوريا. وهذا ما قد يفرض على إيران توسيع دائرة جهودها باتجاه روسيا والصين باعتبارهما الأكثر تضرّراً من انفلات الساحة الأفغانية وتحوّلها إلى ساحة نفوذ ومنطقة عمليات لتنظيم داعش، وما يشكّله ذلك من تهديد لأمنهما القومي، خصوصاً أنّ هذه الجماعة المتطرّفة لن تجد صعوبة في النفوذ إلى العمق الروسي أو باتجاه مسلمي الإيغور في الصين.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…