ننائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ووصول المتشدّد إبراهيم رئيسي إلى رئاسة الجمهورية، خلفاً للرئيس المعتدل حسن روحاني، وما يشهده مسار المفاوضات النووية بين إيران وواشنطن، بشكل غير مباشر من خلال مجموعة دول 4+1، من بوادر أزمة شروط متبادلة بين الطرفين، قد تؤدّي إلى تعليق هذه المفاوضات وعرقلة التوصّل إلى تفاهم يعيد إحياء الاتفاق النووي، ما أدّى إلى طرح أسئلة كثيرة عن مستقبل الحوار القائم بين طهران والرياض، ومصير الجهود التي تُبذَل من أجل إعادة ترميم العلاقة الثنائية بين البلدين.
السلبيّات التي برزت على مسار فيينا المتعلِّق بالاتفاق النووي، وكما ظهر من المواقف التي أعلنها الرئيس الإيراني المنتخب، والتي تعبّر عن توجّه القيادة الإيرانية، لن تؤثّر على الحوار والانفتاح الذي بدأ على خط الحوار مع الرياض، لجهة حرص طهران على عدم التفريط بهذه الفرصة التي أُتيحت لها لترميم علاقتها مع أبرز الدول الفاعلة والمؤثّرة في المنطقة، خاصة أنّ هذا الحوار يقطع الطريق على جزء من الضغوط الأميركية المطالِبة بتوسيع دائرة التفاوض لتشمل البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي المزعزِع، إضافةً إلى محاولة طهران اللعب على منطقة الفراغ في العلاقة بين الرياض وواشنطن، نتيجة تمسّك طهران برفض توسيع دائرة الدول المشاركة في المفاوضات النووية، وعدم ارتياح السعودية بسبب عدم تمسّك واشنطن بالمطلب السعودي بهذه المشاركة.
بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية، وفي أول مؤتمر صحافي له، أكّد رئيسي عدم وجود أيّ عوائق أمام إيران لإعادة فتح السفارات في كلا البلدين، مشدّداً على التزامه بالسياسات التي سبق أن أعلنتها إيران
يبدو أنّ النتائج الإيجابية لجلسات الحوار الستّ، التي عُقِدت بين البلدين على أرض العراق، حسب مصادر واسعة الاطّلاع على تفاصيلها، قد وصلت إلى مراحل متقدّمة دفعت الطرفين إلى التفاهم على نقلها من العراق إلى سلطنة عمان، لقرب السلطنة من الأزمة اليمنية ودورها الفاعل في الوساطة وتقريب وجهات النظر قبل بدء الحوارات المباشرة. هذا إضافةً إلى ما عُرِف عن عمان من كونها وسيطاً حريصاً على عدم تسريب أيّ تفاصيل عن حوارات عديدة جرت على أراضيها. وشكّل هذا البعد نقطة التقاء بين طهران والرياض على ضرورة إبعاد المفاوضات وما يجري فيها عن الأعين، خصوصاً ما يتعلّق بموضوع التطمينات الإيرانية للجانب السعودي حول التعاون الإيجابي في مسألتيْ البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي من البوّابة اليمنيّة، التي تشكّل اختباراً حقيقيّاً لجدّية الطرفين في ترميم العلاقة بينهما. وهكذا تعمل طهران على فصل مسار الحوار مع الرياض عن مسار المفاوضات النووية، وتسعى إلى إبعاده عن أيّ تأثيرات سلبية قد تبرز إذا لم يتمّ التوصّل إلى تفاهم حول الشروط المتبادلة، وتأجّل الاتفاق، وتمدّدت المفاوضات.
في التغيير الرئاسي، بدايةً لا بدّ من الإشارة إلى أنّ السياسات الاستراتيجية والعليا للنظام تقع في دائرة اختصاص المرشد الأعلى للنظام. وهو الوحيد الذي يملك الصلاحية في تفويض أو تكليف أيّ من المؤسسات الإيرانية بمتابعة أيّ من الملفات الداخلية والخارجية. وفي ما يتعلّق بالعلاقة بين إيران والسعودية، فهي تُعتبر جزءاً من، أو تدخل في إطار، صلاحيات المرشد الذي يبدو أنّه فوّض متابعتها إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، وإلى المستوى الأمني في وزارة الأمن والاستخبارات، بإشراف غير مباشر من مؤسسة حرس الثورة. وهو ما تؤكّده الجولات الأولى للحوار بين البلدين، التي استضافها العراق، وشارك فيها رئيس جهاز الاستخبارات اللواء خالد بن علي الحميدان عن الجانب السعودي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني أو معاونه التنفيذي سعيد إيرواني، على اختلاف الروايات من الجانب الإيراني.
إذاً رئيسي، من موقعه رئيساً للجمهورية، سيكون ملزماً بتنفيذ السياسات الاستراتيجية للنظام التي يرسمها المرشد الأعلى، بالتعاون والتشاور مع الأمن القومي وحرس الثورة. إلا أنّ الجديد مع رئيسي هو إمكان حدوث اختلاف في الأسلوب بينه وبين سلفه في لغة التخاطب والدبلوماسية، التي ستكون محكومة بخلفيّته المتشدّدة والبعيدة عن العمل الدبلوماسي، على العكس من روحاني وفريقه. يُضاف إلى ما سلف العاملُ المؤثّرُ الآخر، الذي سيساهم في رسم الإطار العام للغة التخاطب، ويرتبط بالفريق الذي سيختاره رئيسي لإدارة الملف الدبلوماسي، وبوزارة الخارجية التي من المفترض أن تتولّى مسؤولية ترجمة ما يتم التوصل إليه من تفاهمات بين الفريقين المفاوضيْن.
في ما يتعلّق بالعلاقة بين إيران والسعودية، فهي تُعتبر جزءاً من، أو تدخل في إطار، صلاحيات المرشد الذي يبدو أنّه فوّض متابعتها إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، بإشراف غير مباشر من مؤسسة حرس الثورة
هذه المعادلة لم تغب عن مواقف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الذي اعتبر أنّ المرجعيّة في الحوار الإيراني السعودي هي المرشد الأعلى، وأنّ الفريق الدبلوماسي للرئيس الجديد قد يشكّل مؤشّراً إلى آلية تعامل الرئيس مع هذا الملف، خصوصاً أنّ التقارب في المنهج بين الرئيس الجديد والقيادة العليا للنظام قد يساهم في تسريع مسار التفاوض والحوار، لِما يتمتّع به الرئيس الجديد من هامش صلاحيات أوسع من ذلك الذي كان لروحاني وفريقه.
إنّ السؤال المتعلّق بمستقبل العلاقة بين البلدين: هل يؤدّي الحوار القائم إلى إنهاء قطيعة استمرّت نحو 6 سنوات؟
لا يقتصر جواب على الجانب السعودي، إذ يشكّل أيضاً هاجساً لدى الأوساط السياسية المتابعة لهذا الملف في الداخل الإيراني، وهي تحاول استشراف المرحلة المقبلة لهذه العلاقة، وكيفيّة إدارة الرئيس الجديد لهذا المسار، والنتائج الإيجابية المنتظرة منه.
بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية، وفي أول مؤتمر صحافي له، أكّد رئيسي عدم وجود أيّ عوائق أمام إيران لإعادة فتح السفارات في كلا البلدين، مشدّداً على التزامه بالسياسات التي سبق أن أعلنتها إيران، على لسان الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيّته محمد جواد ظريف، والتي تؤكّد عدم وجود أيّ مانع للعلاقة بين إيران والسعودية والدول الأخرى، واضعاً العلاقة والتفاهم مع دول الجوار على جدول أولويات الحكومة التي سيرئسها.
مع اتّضاح نتائج الانتخابات، الذي اعتبرته الرياض نقطة فاصلة في تحديد مستقبل الحوار والعلاقة مع طهران، وبانتظار معرفة فريق السياسة الخارجية للرئيس الجديد، وهو الذي سيحدّد طبيعة ورؤية الحكومة الجديدة في ما يتعلّق بالحوار مع دول الجوار ومدى سرعته أو بطئه، وهو ما ستكشفه الجلسة الأولى، التي سيشارك فيها هذا الفريق الجديد مع نظيره السعودي، إن كان ممثلاً لوزارة الخارجية أو ممثلاً للمجلس الأعلى للأمن القومي، الذي من المفترض حسب السياقات الطبيعية أن يعمد رئيسي، بصفته رئيس هذا المجلس، إلى إدخال تعديلات في موقع الأمين العامّ، ما لم يتدخّل المرشد الأعلى لإبقاء الأمور على ما هي عليه من دون تغيير في هذا الموقع.
وعلى الرغم من مستوى التفاؤل بإمكان أن تثمر الحوارات بين الطرفين نتائج إيجابية وتفاهمات حول الملفّات العالقة بينهما، خصوصاً على مستوى العلاقات الثنائية وإعادة فتح السفارات، إلا أنّ العامل الأكثر تأثيراً على هذا المسار يرتبط بالبعدين الإقليمي والدولي، إذ من الطبيعي أن تترك المسائل الإقليمية والتباين في الرؤية والمواقف بين البلدين اتجاه أزمات المنطقة أثرها على الجهود التفاوضية، وقد تدفع بها إلى التوتّر بالمستوى نفسه الذي قد تدفع بها إلى التعاون، ولعلّ الأزمة العراقية والاختلاف في المواقف بين البلدين في النظرة إلى هذا البلد وتطوّراته منذ عام 2003 مؤشّران إلى ما قد يواجهه هذا الحوار من صعوبات، بالإضافة إلى الاختلاف في النظرة بين الطرفين إلى الأحداث التي شهدتها بعض الدول العربية منذ عام 2011 حتى الآن.
إقرأ أيضاً: انتخاب رئيسي يعرقل فيينا ويؤجّل ملفّات المنطقة
يضاف إلى العامل الإقليمي عاملٌ آخر دوليّ يرتبط بالعلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية، والدور المحوري والمهمّ الذي تلعبه في إعادة تنظيم العلاقات السعودية الإيرانية. وهي علاقة لعبت دوراً في التقريب والتباعد بين الطرفين بتأثير من طبيعة العلاقة بين الرياض وواشنطن.