لا يزال فيروس كورونا يفاجئ العلماء. ففي آخر المستجدّات، أكّدت دراسة جديدة وجود تشابه مخيف بين التهاب الدماغ الناتج عن كوفيد والالتهاب الناتج عن مرض ألزهايمر، وفقاً لدراسة نُشِرت في مجلّة “نايتشر“.
ماذا يقول الأطباء عن هذه الدراسات؟ ماذا تعني ظاهرة “جائحة الدماغ”؟ وما مدى شيوع ذلك في لبنان؟
التعليق الأوّل على هذه الدراسات جاء من مدير مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور فراس أبيض، الذي كتب على حسابه عبر “تويتر” أنّ “الأبحاث المنشورة أخيراً تشير إلى أنّ عدوى كورونا يمكن أن تؤثّر على الدماغ، وقد تؤدّي إلى مضاعفات عصبيّة مهمّة على المدى الطويل. في الآونة الأخيرة، معظم حالات كورونا في البلاد الأخرى وقعت بين البالغين الأصغر سنّاً وغير الملقّحين، وكان سببها سلالات جديدة”، مشيراً إلى “أهميّة إعطاء اللقاح حتى للأفراد الأصغر سنّاً”.
جرباقة لـ”أساس”: من المؤكّد أنّ بإمكان الإصابة بكورونا أن تتسبّب بتلف دائم في الرئة والقلب، وفي سائر الأعضاء، بما فيها العصبية. وقد كشف التشريح عن علامات للإصابة بالفيروس داخل أعضاء الإنسان، بما فيها الأدمغة
من جهته، أوضح عضو مجلس نقابة الأطباء في بيروت الدكتور برنارد جرباقة، في حديث لـ”أساس”، أنّ “جائحة الدماغ هي ظاهرة تعيق الطاقة العقلية عند المصاب، وتؤخّر عودة الدماغ إلى عمله الدقيق لبعض الوقت. أمّا في موضوع تراجع الطاقات العقلية وتزايد أو ظهور إحباط خلال فترة الجائحة، فمن المعروف أنّ الضغط النفسي والقلق يشكّلان خطراً على صحّة المصاب الجسدية، خاصة عندما تطول فترة الإصابة ومضاعفاتها، وتواكبها اضطرابات في النوم والإدراك والذاكرة والتركيز، ومشاكل في التعلّم والسلوك والمزاج، إضافةً إلى القلق والاكتئاب. وكلّ هذه العوامل تكوِّن مجموعة من الضغوطات المتزامنة، بعضها يهدّد الحياة، وقد تتفاقم مع الاضطرابات في النشاط والإيقاع والتنظيم، لفترة تتفاوت مع وطأة الإصابة ومضاعفاتها، بما فيها آثار العزلة الاجتماعية والوحدة المفروضة على المصاب أثناء الوباء والإغلاق المجتمعي المتّصل”.
وأضاف: “تستمرّ مراكز البحوث في دراسة عمق ونوعيّة ومدّة هذه التغييرات والتأثيرات على صحّة المصاب، وعلى أعماله ونشاطاته المجتمعية، وأسباب هذه الظواهر، منذ النتائج العضويّة للإصابة حتى توابع العزلة الاجتماعية وقلّة التفاعل مع الناس”.
أمّا في موضوع تَشابه كورونا ومرض ألزهايمر، من فقدان للذاكرة، صعوبة في التركيز، هلوسة، وصداع، فقال: “من المؤكّد أنّ بإمكان الإصابة بكورونا أن تتسبّب بتلف دائم في الرئة والقلب، وفي سائر الأعضاء، بما فيها العصبية. وقد كشف التشريح عن علامات للإصابة بالفيروس داخل أعضاء الإنسان، بما فيها الأدمغة، على الرغم من عدم وجود أيّ علامات سريرية للمرض، مع التحفّظ الطبي في ترجمة المعطيات الأوّلية، بسبب الصعوبة في التقويم السريري في ظل البنج العام الذي يُعطى للمصاب عند الإصابات البليغة بالرئتين أو عند الاستعانة بالتنفّس الصناعي. إنّ الضرر العصبي الشائع في الحالات الشديدة من كورونا قليل حدوثه بين مرضى كورونا. من هنا أعيد وأكرّر أنّ كل المعطيات العلمية تحتاج إلى دراسات أعمق من أجل بلورة أيّ رابط أو تشبيه بمرضَيْ ألزهايمر وباركنسون”.
الحلو لـ”أساس”: سُجِّلت حالات لأشخاص أصيبوا بمشاكل في الدماغ، خاصة عند صغار السنّ. وقد رصد العلماء علامات مشابهة لِما نراه عند مرضى ألزهايمر وباركنسون
وعن المطالبات بتلقيح الأصغر سنّاً وتحصينهم، قال: “منحت هيئة الدواء الأوروبية، وعدّة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، كألمانيا، موافقتها على تلقيح الأطفال من سنّ 12 إلى 15 سنة بلقاح فايزر – بيونتيك. وسبق أن اعتمدت الولايات المتحدة وكندا لقاح فايزر للمراهقين. وتطالب منظمة الصحة العالمية المنطقة الأوروبية بالإسراع في وتيرة حملات التطعيم. أمّا لبنان فلا يزال متأخّراً، حيث المناعة المجتمعية تقارب 40%، بينما التحصين الكامل لا يزال دون 10%. لذا يجدر الإسراع به الآن، بعدما عدنا إلى مرحلة الاحتواء، وخاصة في ظلّ انتشار المتحوِّل دلتا الأكثر قدرة على الانتشار بين الناس”
بدوره، أكّد الرئيس السابق للجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية الدكتور زاهي الحلو لـ”أساس” أنّه “سُجِّلت حالات لأشخاص أصيبوا بمشاكل في الدماغ، خاصة عند صغار السنّ. وقد رصد العلماء علامات مشابهة لِما نراه عند مرضى ألزهايمر وباركنسون. ويجري الحديث عن أنّ كوفيد من الممكن أن يسبّب مرض جنون البقر. وقد قارنت الدراسة، التي نُشرت في مجلة “نايتشر”، أنسجة الدماغ لـ 8 أشخاص توفّوا بسبب كورونا بأنسجة الدماغ لـ 14 شخصاً توفّوا لأسباب أخرى، بما فيها الإنفلونزا. ووجد الفريق أنّ بعض الجينات نشطت بشكل فريد في مرضى كورونا، وشارك العديد منها في الاشتعال العصبي. وخلصت الدراسة إلى أنّ هذه البيانات تكشف التهاب حاجز الدماغ (الحدّ الذي يفصل مواد مختارة في مجرى الدم عن السوائل التي تتلامس مع أنسجة الدماغ. ويحمي الدماغ من العدوى)”.
إقرأ أيضاً: كورونا: “الهندي” يهدّد لبنان… من المطار
وأشار الحلو إلى أنّه “تبيّن أخيراً وجود بعض حالات التهاب عضلات القلب، خاصة عند صغار السنّ. وبعض الدول تراجعت عن تلقيح الأطفال. أمّا نحن في لبنان فما زلنا بعيدين عن تلقيح الأطفال، وهناك متّسع من الوقت قبل أن نصل إلى هذه المرحلة. وتشير الأبحاث إلى أنّ تأثير كورونا على الدماغ أكثر شيوعاً ممّا هو متوقّع. والأهمّ من ذلك أنّه لا يقتصر على المرضى الذين أُصيبوا بعدوى شديدة. حتّى الأفراد اليافعون المصابون بعدوى طفيفة يمكن أن يعانوا من الآثار الجانبية الطويلة الأمد. وهذا يفسّر أهميّة إعطاء اللقاح حتى للأفراد الأصغر سنّاً”.