هل دقّت ساعة تشكيل الحكومة على التّوقيت الأميركيّ؟
نعرف أنّ عقارب السّاعة الفرنسيّة مُتوقّفة منذ عامٍ كاملٍ. بينما العقارِب الإيرانيّة مربوطة على مواقيت مُتعدّدة من فيينا إلى بغداد…
من العاصمة الفرنسيّة باريس، عادَت الولايات المُتحدة إلى الملف اللبناني بقوّة، ومعها عادَ الملفّ اللبنانيّ إلى السّاحة الدّوليّة. تصريحٌ مُشترَك لوزيري خارجيّة الولايات المُتحدة وفرنسا عن تحرّكٍ مُشتركٍ “للضغط على المُعرقلين في لبنان”، تبعه تصريحٌ للسّفيرة الأميركيّة دوروثي شيا العائدة من واشنطن إلى بيروت، عن ضرورة تشكيل “حكومة مهمّة بدون ثلثٍ مُعطّل”، يحملُ في طيّاته انتقادات غير مُباشرة لفريق العهد.
قال مصدرٌ مطّلع على الحراك الفرنسيّ لـ”أساس” إنّ التّحرّك الأميركيّ – الفرنسيّ المُشترك هو في الحقيقة تحرّك أميركيّ – أوروبيّ. وكَشَف أنّ باريس وواشنطن مُتّفقتان على مُعاقبة المُعرقلين في لبنان
“باريس وواشنطن ستتحرّكان معاً للضغط على المسؤولين عن الأزمة التي يغرق فيها لبنان منذ أشهر. نحن نعرفُ من هم”. هذا ما قاله وزير الخارجيّة الفرنسيّ جان إيف لودريان في مؤتمرٍ صحافيّ مشترك مع نظيره الأميركيّ. وأضاف لودريان: “نلاحظ معاً المأساة التي يمكن أن تحصل في حال تفتّت هذا البلد أو زال”.
“معاً ونحن”، هما العبارتان المُستجدّتان في الموقف الفرنسيّ تجاه الأزمة اللبنانيّة. الثّنائيّة الفرنسيّة – الأميركيّة جاءَت بعد تفويضٍ أميركيّ للرّئيس إيمانويل ماكرون لإدارة الملفّ اللبنانيّ مطلع العام الجاري، إلى حين تقرير واشنطن لسياستها تجاه لبنان.
وهنا يبدو أنّ عاصمة القرار حسمت أمرها في العمل المُشترك مع الاتحاد الأوروبيّ في ما يخصّ لبنان. وهذا انعكاسٌ للسيّاسة الخارجيّة العامّة التي تنتهجها إدارة الرّئيس جو بايدن، والتي أعادت إحياء الشّراكة مع الأوروبيين بعد سنوات الرّئيس السابق دونالد ترامب العجاف مع القارّة العجوز، التي تسبّبت بتبايناتٍ بين الحلفاء في ملفّات عدّة، كان لبنان واحداً منها.
إذاً إدارة بايدن باتت تعرف ماذا تريد من لبنان وفيه. وبحسب معلومات “أساس”، أنّه في شهر آب المقبل، ستتمّ المصادقة على تعيين السفيرة السابقة لدى دولة الإمارات، باربارا ليف، في منصب “مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى” خلفاً لديفيد شينكر. وهو منصب “لبنانيّ” إلى حدّ ما.
أمّا عن التّحرّك “الثّنائيّ”، فقال مصدرٌ مطّلع على الحراك الفرنسيّ لـ”أساس” إنّ التّحرّك الأميركيّ – الفرنسيّ المُشترك هو في الحقيقة تحرّك أميركيّ – أوروبيّ. وكَشَف أنّ “باريس وواشنطن مُتّفقتان على مُعاقبة المُعرقلين في لبنان، وهنا سيكون للولايات المُتحدة دورٌ في التّنسيق مع بعض شركائها من دول الاتحاد الذين كانوا لا يُحبّذون فرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين.
بين دفعٍ أميركيّ – أوروبيّ، ومُراوحة إيرانيّة، على مشارف الجلسة الأخيرة من محادثات فيينا النّوويّة بين إيران والمجموعة الدّوليّة، يبقى لبنان رهينة انفراج طاولة الحوار بينهما أو انفجارها
وكَشَف المصدر أنّ فريقاً من 6 خبراء لبنانيين وفرنسيين أعدّ دراساتٍ دستوريّة وقانونيّة للدّوائر المُختصّة في الاتحاد الأوروبيّ تُحدّد المُعرقلين في لبنان وكيفيّة التعامل معهم ضمن قوانين الاتحاد. وهنا، أشار المصدر إلى أنّ مواصفات ومعايير “العرقلة” تنطبق على رئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ النّائب جبران باسيل ومحيطه.
مصادر وزارة الخارجيّة الأميركيّة قالت لـ”أساس” إنّ “التّعاون مع فرنسا يدخل في صلبِ استراتيجيّة إدارة الرّئيس بايدن القائمة على التنسيق مع الحلفاء. وشدّدت المصادر على دعم الإدارة لمبادرة ماكرون، وللدعوة إلى حكومة مهمّة تضع في أولويّاتها إنقاذ لبنان وحماية حياته السّياسيّة عبر إجراء الانتخابات النّيابيّة في موعدها، وهذا ما تتوقّعه وتريده واشنطن وحلفاؤها الأوروبيّون”.
من باريس إلى بيروت. كانت السّفيرة الأميركيّة دوروثي شيا تُطلق عدّة تصريحاتٍ لا بدّ من التّوقّف عندها، كونها تعكُس التّناغم الأميركيّ – الفرنسيّ تجاه لبنان:
أوّلاً: تأكيد دعم مبادرة الرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، والدّفع في اتجاه تشكيل حكومةٍ، ووقفِ “الّنزف” (المالي والاقتصادي)، والبدء بتحقيق استقرار اقتصاديّ، والمساعدة على إصلاح الاقتصاد لكي يتمكّن اللبنانيون من توفير لقمة عيشهم.
ثانيًا: “الثّلث المُعطّل” يتعارض مع حكومة المهمّة والرؤية التي عبّر عنها الرئيس ماكرون. حين نتحدث عن الثّلث المعطل، أتظنون أنّهم لا يفكّرون في الانتخابات أم لا يفكّرون إلا بالانتخابات؟
ثالثاً: تأكيد الوقوف إلى جانب الجيش اللبنانيّ، وذلك بعد أيّامٍ من مؤتمر دعم الجيش الذي استضافته فرنسا افتراضياً: “يقع على عاتقنا وعاتق المستثمرين الآخرين محاولة مُساعدة جنود الجيش اللبنانيّ خلال هذه الأزمة الاقتصادية. سنضاعف المساعدات المقدّمة إلى الجيش هذا العام بـ15 مليون دولار من خلال برنامج التمويل العسكري الأجنبي التابع لوزارة الخارجيّة. وسنستثمر مع شركائنا 120 مليون دولار في المعدّات والتدريب”.
هذا أميركياً. أمّا محليّاً، كان خطاب الأمين العام لحزب الله السّيّد حسن نصرالله يؤكّد على المراوحة الحكوميّة. بدا الأمرُ جليّاً في دعوته للنّائب جبران باسيل إلى الالتزام بمبادرة الرّئيس نبيه برّي لتشكيل الحكومة، جواباً منه على الدّعوة التي وجّهها إليه باسيل ليكون “حَكَماً” في مسألة التأليف.
إقرأ أيضاً: التدويل: روسيا لا تريد والمجتمع الدولي يفعل ما يريد
لم يغفل نصرالله عن تجديد التلويح باستقدام المُشتقّات النّفطيّة من إيران إلى السّواحل اللبنانيّة. وهذه النّقطة أيضاً مؤشّرٌ إلى أن لا حكومة في المدى المنظور، ولا بدّ من حلول ترقيعية للأزمات المتكاثرة.
بين دفعٍ أميركيّ – أوروبيّ، ومُراوحة إيرانيّة، على مشارف الجلسة الأخيرة من محادثات فيينا النّوويّة بين إيران والمجموعة الدّوليّة، يبقى لبنان رهينة انفراج طاولة الحوار بينهما.. أو انفجارها.