البطاقة التمويليّة تتخبّط: خلافات… ولا تمويل

مدة القراءة 5 د

من الواضح أنّ المجلس النيابي دخل مرحلة السباق مع رفع الدعم، من خلال خطواته المتسارعة لإنجاز الصيغة النهائيّة للبطاقة التمويليّة وإقرارها قبل الدخول في نفق غلاء أسعار المواد الأساسيّة. اللجنة الفرعيّة المكلّفة صياغة مسوّدة مشروع القانون أنجزت صيغتها الأوّليّة، وباتت المسوّدة بعهدة اللجان المشتركة التي ستستكمل مناقشتها اليوم الخميس. وبحلول نهاية الشهر، يُفترض أن تكون الهيئة العامة للمجلس قد صوّتت على الصيغة النهائيّة للقانون. لكنّ هذه الخطوات المتسارعة جاءت على حساب جدّيّة المشروع وقابليّته للتطبيق، إذ يبدو أنّ المسوّدة الموجودة لدى اللجان المشتركة اليوم ممتلئة بالثغرات التي لم تُعالَج حتى اللحظة.

تبلغ كلفة المشروع الإجمالي، وفقاً للمسوّدة، حدود 360 مليون دولار، على أن يُساهم هذا المبلغ في توسيع قاعدة العائلات المستفيدة من المساعدات الماليّة ليصبح نحو 500 ألف عائلة تستفيد من مبلغ قيمته الوسطية 93 دولاراً أميركياً.

الصيغة التي أحالتها اللجنة الفرعية إلى اللجان المشتركة أخذت من مسوّدة تكتّل لبنان القوي فكرة تمويل البطاقة من الحسابات المصرفيّة للعائلات التي تملك ودائع في المصارف، فتحتّم تضمين المسوّدة مادّة تقضي برفع السريّة المصرفيّة عن الأشخاص الذين يتقدّمون بطلبات للحصول على البطاقة. وقد نصّت المسوّدة على إنشاء مركزيّة معلومات لدى المصرف المركزي، للتقصّي عن حسابات المستفيدين الدائنة في جميع المصارف اللبنانيّة. ومن الناحية العمليّة، تتوقّع المصادر المصرفيّة أن يمثّل هذا الجانب من مشروع البطاقة أبرز المصاعب التي ستصاحب إطلاقها، خصوصاً أنّ فكرة تأسيس مركزيّة معلومات قادرة على استيعاب هذا العدد الضخم من الطلبات، والبحث عن الحسابات المصرفيّة المرتبطة بها في جميع المصارف اللبنانيّة، ستحتاج إلى جهد تقنيّ استثنائي لم يقُم به مصرف لبنان سابقاً.

تبلغ كلفة المشروع الإجمالي، وفقاً للمسوّدة، حدود 360 مليون دولار، على أن يُساهم هذا المبلغ في توسيع قاعدة العائلات المستفيدة من المساعدات الماليّة ليصبح نحو 500 ألف عائلة تستفيد من مبلغ قيمته الوسطية 93 دولاراً أميركياً. ويُشار إلى أنّ المبالغ التي ستوفّرها البطاقة ستُضاف إلى المشاريع التي تستفيد منها حالياً الأسر الأشدّ فقراً من خلال المساعدات الدوليّة. لكنّ اللجنة التي حددت مبلغ 93 دولاراً أميركياً قيمةً وسطيّةً، لم تدخل في التفاصيل لتحدّد هل يُوزَّع المبلغ بالتساوي بين جميع العائلات المستفيدة، أم تتفاوت القيمة بين العائلات وفقاً لمعايير معيّنة كحجم العائلة ومستوى الدخل. وأيضاً لم يحدّد مشروع القانون، بصريح العبارة، العملة التي ستُدفَع بها المساعدات.

الثغرة الكبرى في مشروع القانون هي غياب مصادر التمويل حتّى اللحظة. فمشروع القانون نصّ على فتح اعتماد خاصّ لتوفير هذا التمويل، وتوفير المبلغ من القروض الداخليّة، أي من الاحتياط الإلزامي في مصرف لبنان، على أن يتمّ تنزيل قيمة أيّ مساعدات “دولية” يمكن الحصول عليها من قيمة المبالغ التي ستستدينها الحكومة من مصرف لبنان.

لكنّ الإشكاليّة الأساسيّة تتعلّق اليوم برفض مصرف لبنان استعمال الاحتياطات الإلزاميّة لتوفير هذا المبلغ، فيما لم تنجح الحكومة حتّى اللحظة في إيجاد مصادر خارجيّة مضمونة لهذا التمويل. ولهذا السبب، تُرِكت مسألة التمويل للّجان المشتركة، التي أحالت المسألة بدورها إلى الحكومة لتقدّم غداً تصوّراتها بهذا الشأن. يُذكَر أنّ عملية تحويل بعض قروض البنك الدولي، غير المستخدمة، لتمويل هذا النوع من المشاريع، ستحتاج إلى بعض الوقت لإعادة التفاوض على القروض ووجهة استعمالها والضوابط المفروضة على هذا الاستعمال، الأمر الذي يصعّب الرهان عليها لتمويل البطاقة.

الإشكاليّة الأساسيّة تتعلّق اليوم برفض مصرف لبنان استعمال الاحتياطات الإلزاميّة لتوفير هذا المبلغ، فيما لم تنجح الحكومة حتّى اللحظة في إيجاد مصادر خارجيّة مضمونة لهذا التمويل

انطوى مشروع القانون، المعدّ على عجلٍ، على ثغرات أخرى قاتلة، إذ ترك مسألة وضع المراسيم التطبيقيّة لوزارات المال والشؤون الاجتماعيّة والاقتصاد والتجارة، من دون أن يدخل في مزيد من التفاصيل ليحدّد الجهات المسؤولة عن تنظيم قوائم المستفيدين من هذه المساعدات، أو المعايير التي سيُحدَّد المستفيدون على أساسها. ولم يحدّد مشروع القانون الجهات الرقابية التي ستملك صلاحيّة متابعة التنفيذ، أو الكشف عن المخالفات. وقد تركّز جزء أساسيّ من الخلاف على آليات تطبيق مشروع البطاقة التمويليّة خلال المرحلة السابقة على القوائم التي ستُعتمَد لهذه الغاية، وعلى الجهة التي ستتابع إعداد هذه القوائم وتوزيع البطاقات.

لكلّ هذه الأسباب يبدو حتّى اللحظة أنّ اللجنة الفرعيّة عملت على تقديم مسوّدة مشروع قانون مختصرة حتّى أقصى حدّ، وبالحدّ الأدنى من التفاصيل المطلوبة لتطبيق المشروع، مُفقِدةً المشروعَ واقعيّته منذ البداية. ولذلك يعتبر البعض أنّ المجلس النيابي يتخبّط اليوم بين العجلة التي يفرضها اقتراب رفع الدعم عن السلع الأساسيّة، وعدم التفاهم على أبسط عناصر هذا المشروع الضخم، أي مصادر تمويله. وبين العجلة وغياب التفاهم، كانت النتيجة مشروع قانون يُخشى أن يلقى مصير قانون الدولار الطلابي نفسه، أي أن يتمّ إقراره كحقّ قانوني من دون أن يأخذ طريقه إلى التنفيذ.

إقرأ أيضاً: باسيل يستعمل البطاقة التمويلية… في حربه ضدّ سلامة

اليوم ستكون اللجان المشتركة في المجلس النيابي على موعد مع تصوّرات الحكومة لكيفيّة تمويل البطاقة. وهذا الأمر سيمثّل العنصر الحاسم الذي سيحدّد هل يكون القانون مشروعاً قابلاً للتنفيذ أم عراضةً شعبيّةً تُعلَن لتطمين الرأي العام قبيل رفع الدعم؟ لكنّ حتّى هذه المسألة ستحتاج إلى تفاهم حكومة تصريف الأعمال مع مصرف لبنان أوّلاً، بغياب مصادر التمويل الخارجي، وهو ما لم يتمّ حتّى اللحظة.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…