عندما هبطت المركبة الفضائية الأميركية “أبولو 8” المأهولة على سطح القمر في عام 1968، جمع الروّاد كمّية من الحجارة القمرية، ثمّ عادوا بها إلى الأرض. طافت الولايات المتحدة بهذه الحجارة على دول العالم شرقاً وغرباً. وكان التنافس على لمسها أشبه ما يكون بتنافس المسلمين على لمس الحجر الأسود في الكعبة المشرّفة.
وعندما هبطت المركبة الصينيّة غير المأهولة على الجانب الثاني المظلم من سطح القمر.. لم يعرف العالم شيئاً جديداً عن نتائج هذه الرحلة الفضائية، الأولى من نوعها، والتي لم تتكرّر حتى الآن.
لا بدّ أنّ هناك جديداً، إلا أنّه بقي ملكاً للصين وحدها. كان هبوط المركبة الصينية على هذا الجانب من القمر هو الأوّل من نوعه، ولذلك كان العالم كلّه، بما فيه الولايات المتّحدة وروسيا، مهتمّاً بمعرفة شيء ما عن أسراره (عن معادنه؟)، ولكن من دون جدوى.
تخدير الشعب الصيني لإخضاعه ولابتزاز ثروته أو ما تبقّى منها. الآن، لم يعد الشعب الصيني مخدَّراً لقد تقدّم على العالم كلّه إلكترونيّاً
ليست الصين دولةً نوويّة فقط، ولكنّها دولة فضائية أيضاً. وليست الصين أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان (1.41 مليار إنسان) فقط، ولكنّها أيضاً أكبر دولة من حيث الاقتصاد، أو تكاد تكون.
في القرن الثامن عشر شنّت بريطانيا الحرب على الصين لأنّ الإمبراطور الصينيّ في ذلك الوقت حرّم استخدام المخدِّرات. كانت بريطانيا تشرف على زراعة المخدِّرات في الهند، وتفرض على الصين السماح لها بترويجها في مدنها كافّة. وكان الهدف البريطاني مزدوجاً:
تخدير الشعب الصيني لإخضاعه ولابتزاز ثروته أو ما تبقّى منها، وتنشيط الزراعة، زراعة المخدِّرات، في الهند التي كانت ملكاً لشركة الهند الشرقية البريطانية.
الآن، لم يعد الشعب الصيني مخدَّراً. لقد تقدّم على العالم كلّه إلكترونيّاً، ودخل ما يُعرف بعصر “5G” وهو ما تلهث الولايات المتحدة وراءه، وخلفها مجموعة دول الاتحاد الأوروبي.
كانت الصين محتلّة من دول غربية كبرى: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والبرتغال، وكذلك من اليابان. أمّا اليوم فتخوض الصين معارك سياسية لاسترجاع تايوان، التي تحتمي بالنفوذ الأميركي بعدما استعادت هونغ كونغ من بريطانيا، وماكاو من البرتغال. وأقامت جسراً مائياً هو الأطول من نوعه في العالم بين المستعمرتين السابقتين هونغ كونغ وماكاو.
الصين اليوم ليست صين القرن الثامن عشر.. صين المخدِّرات والهيمنة الأجنبية. لقد أصبحت صين التكنولوجيا النوويّة وغزو القمر.. وصين التسلّح النوويّ
لقد قامت الصين “بصناعة” سبع جزر في بحر الصين الجنوبي، وأقامت عليها منشآت عسكرية لمواجهة الطائرات والغواصات معاً. حتى في جزر “سبراتلي”، التي تزيد مساحتها على 1300 هكتار، والتي تدّعي السيادة عليها، إلى جانب الصين، كلٌّ من الفيليبين وماليزيا وبروناي وتايوان وفيتنام، أقامت الصين قواعد للصواريخ (أرض جوّ، وأرض أرض)، وحوّلت جزر “باراسال”، التي تعتبرها فيتنام أيضاً تابعة لها، قواعد لسلاح الطيران الصيني.
من المعروف علميّاً أنّ هذه المنطقة من بحر الصين غنيّة بالنفط والغاز. ومن المعروف أيضاً أنّها غنيّة بثروتها السمكيّة التي تقدّر بحوالي 12 في المئة من الثروة العالمية.
صحيح أنّ محكمة العدل الدولية أصدرت حكماً لمصلحة الفيليبين ضد الهيمنة الصينية المنفردة على هذه الجزر، إلا أنّ الحكومة الصينية عرفت كيف تحتوي الفيليبين، التي كانت منذ استقلالها تحت الهيمنة الأميركية وقاعدة عسكرية متقدّمة لها في شرق آسيا، حتى إنّ الصين والفيليبين قرّرتا التنقيب المشترك عن النفط والغاز في مياه المنطقة.
من هنا السؤال: كيف تواجه الولايات المتّحدة الأمر الواقع الجديد الذي تفرضه الصين في المنطقة التي كانت منذ الحرب العالمية الثانية تحت نفوذها المباشر والمطلق؟
تفتح واشنطن أربع جبهات معاً في هذه المواجهة:
– جبهة التجارة، من خلال فرض الرسوم والضرائب.
– جبهة تايوان من خلال تسليحها عسكريّاً ودعمها سياسيّاً.
– جبهة النفط من خلال سحب الترخيص من الشركات الصينية لمنعها من التنقيب في منطقة جزر هاواي.
– جبهة التحالف الدولي (مع فرنسا وبريطانيا تحديداً) لمواجهة الطموحات الصينية.
إقرأ أيضاً: الصين تغزو العالم العربي… بالمليارات الناعمة
لقد حذّر وزير الدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس الصينَ من أنّ سياستها في هذه المنطقة من العالم سوف تؤدّي إلى “عواقب وخيمة”.
أمّا ماهيّة هذه العواقب، فإنّ الجواب رهن بالتطوّرات. إلا أنّ الصين اليوم ليست صين القرن الثامن عشر.. صين المخدِّرات والهيمنة الأجنبية. لقد أصبحت صين التكنولوجيا النوويّة وغزو القمر.. وصين التسلّح النوويّ.