من بعبدا نسف رئيس الجمهورية ميشال عون أو مَن يقف وراء بيانه الأخير، مساعي رئيس مجلس النواب نبيه بري لتشكيل حكومة، متّهماً عين التينة من دون أن يسمّيها بمخالفة الدستور، فردّ الرئيس برّي اليوم ببيان فنّد فيه دور مجلس النواب الذي يتقدّم رئاسة الجمهورية وينفرد، دستورياً، بتسمية الرئيس المكلّف. فعادت الأمور إلى جدل الاعتذار البيزنطي مرحليّاً إلى حين انشغال الساحة اللبنانية بزيارة متوقّعة لموفد فرنسي رسمي، بمباركة أميركية، إلى لبنان، خلال نهاية الأسبوع، بحسب معلومات “أساس”.
يضمّ الوفد الفرنسي، الذي يحطّ رحاله في لبنان قريباً، نائباً فرنسياً، ويأتي بمباركة من واشنطن والإليزيه في محاولةٍ لإيجاد حلٍّ للمأزق اللبناني، لكن يتوقّع مرجع سياسي ألّا تتعدّى هذه الزيارة حدود استكمال “برمة العروس… من دون العروس”، التي تقوم بها مفاوضات تأليف الحكومة اللبنانية، “لأنّ الأفق مسدود حتى الآن، والإلهاء مستمرّ. نُخرِج أرنباً من هنا، وسنجاباً من هناك، لتضييع الوقت لا أكثر ولا أقلّ”.
عضو لجنة الشؤون السياسية في تيار المردة، أكدت لـ”أساس” أنّ “دعم رئيس مجلس النواب نبيه بري لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ليس مستغرباً أبداً، فالمجلس التشريعي هو الذي سمّى وكلّف الحريري، وبالتالي هو المعنيّ الأول
وينقل المرجع السياسي، في حديثه إلى “أساس”، أجواء تشاؤميّة حول تشكيل الحكومة، “فلا معطيات تسمح لنا بالقول إنّ تأليف الحكومة قريب، ولا حراك سياسيّاً في الكواليس يواكب سيناريو سقوط مساعي برّي. فلا مخرج حاليّاً من الأزمة، ولا خطة “ب” ولا خطة “ج”. فقد استهلكوا كلّ أحرف الأبجدية ولم يستطيعوا تأليف كلمة واحدة، فضلاً عن حكومة”. ويرى أنّ العهد لا ينتظر إعلان الحداد في موضوع التأليف ليعلن مرغماً سقوطه “فالعهد سقط من السنة الأولى”.
بالعودة إلى المواقف المارونية من مساعي الرئيس بري، يؤكّد مصدر مقرّب من بكركي أنّ “الكنيسة المارونية على موقفها، أيّاً كانت المساعي، وهمّها هو تأليف حكومة بأسرع وقتٍ ممكن، حكومة تحترم الدستور والميثاق، تحترم المناصفة، وتكون حكومة اختصاصيين قادرين على أن يستعيدوا ثقة الشعب اللبناني والمجتمعَيْن العربي والدولي. وما عدا ذلك لا تبارك بكركي ولا تلعَن ولا ترفض أيّ مبادرة لتأليف الحكومة، بل تتمنّى التوفيق لأيّ مبادرة تحاول تشكيل الحكومة بالمعايير السابقة الذكر”.
بدوره، لا يستغرب تيار المردة دعم الرئيس بري للرئيس المكلّف سعد الحريري، وتؤكّد الدكتورة ميرنا زخريّا، عضو لجنة الشؤون السياسية في تيار المردة، لـ”أساس”، أنّ “دعم رئيس مجلس النواب نبيه بري لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ليس مستغرباً أبداً، فالمجلس التشريعي هو الذي سمّى وكلّف الحريري، وبالتالي هو المعنيّ الأول. صحيحٌ أنّه منذ عام 1926 وقبل دستور الطائف، كان رئيس الجمهورية هو الذي يسمّي ويكلّف رئيس الحكومة، لكن منذ عام 1990 تغيّر دستور لبنان، وأصبح التكليف بيد النواب، والموافقة على الأسماء بيد فخامة الرئيس”. وتذهب زخريّا أبعد من ذلك، فترى أنّ “هذا الواقع القانوني والدستوري لا يملك برّي أصلاً حريّة تجييره إلى عون”.
ينقل المرجع السياسي، في حديثه إلى “أساس”، أجواء تشاؤميّة حول تشكيل الحكومة، “فلا معطيات تسمح لنا بالقول إنّ تأليف الحكومة قريب، ولا حراك سياسيّاً في الكواليس يواكب سيناريو سقوط مساعي برّي
أمّا عن إمكان الاتفاق على اسم بديل لرئاسة الحكومة بعد أكثر من ثمانية أشهر من شدّ الحبال، فتقول زخريّا إنّه “كلّما تعذّر التأليف استحال التكليف البديل. وعند وصول مساعي الرئيس برّي إلى حائط مسدود، وتعذّر الاتفاق على اسم بديل، سنكون أمام حلّ إجباري يتمثّل بإعادة إحياء حكومة حسان دياب. وعند التسليم بإعادة إحياء حكومة تصريف الأعمال، سيقتنع العهد بخسارته”.
وردّاً على تظهير اعتذار الحريري وكأنّه هزيمة للسنّة والشيعة، بعد الدعم المطلق له، تعلّق زخريّا: “لا يجوز ربط طائفة بشخصٍ، مهما تكن الطائفة، ومهما يكن الشخص. فالمواقع السياسية هي أوّلاً على قياس الدولة، ثمّ على قياس الطوائف. والنائب يمثّل الأمّة جمعاء، وكذلك المدير والوزير والرئيس”. وترى أنّ “هذا الأمر يذكّرنا بما سُمّي “حكم الأقوياء” عقب التسوية الرئاسية في العام 2016، في حين أنّ القوة السياسية الحقيقية تكمن في المقدرة على حصد الاحترام والقبول وإرساء التواصل مع مكوّنات الوطن، بدل الذهاب إلى تسويات ثنائيّة جانبيّة من شأنها الهيمنة بالقوّة. يصلح حكم الأقوياء هذا في الحروب، إنّما في السياسة تنبع القوّة وتتجلّى من قبول الشعب للحكّام. فالشعب هو مصدر السلطات”.
في المقابل، لا تزال أوساط القوات اللبنانية تنأى بنفسها رسميّاً عن جدل التأليف الحكومي، وترى أن “لا حلّ إلّا في انتخابات نيابية مبكرة. وكلّ ما يحصل هو مضيعة للوقت وهدر لمستقبل اللبنانيين ولن يصل إلى أيّ مكان”. ويقول النائب في كتلة “الجمهورية القوية” فادي سعد في هذا الإطار: “استبقنا كلّ هذا الجدل، وقلنا إنّه في ظل الأكثرية النيابية لا داعي لتعذيب النفس. وأيّ حراك وأيّ حديث عن تأليف حكومي يعود إلى نقطة البداية نفسها، ويصل بنا إلى النتائج السابقة نفسها”. ويسأل سعد عبر “أساس”: “ماذا يعني عدم وصول حراك الرئيس بري إلى أي مكان؟ وماذا لو وصل هذا الحراك إلى مكان ما وتألّفت الحكومة، فهل نكون أمام حكومة “بتشيل الزير من البير”؟ ويجيب: “لا، بل سنبقى مكاننا إلّا إذا أجرينا انتخابات نيابية مبكرة تعيد إنتاج السلطة انطلاقاً من الرأي العام”.
إقرأ أيضاً: أجندة باريس: عقوبات تدريجية… وطبقة سياسية جديدة
ويتابع سعد: “نحن اليوم في عين العاصفة والانهيار بدأ، وكل التجارب السابقة فشلت، والجميع أدركوا أنّنا وصلنا إلى أفقٍ مسدودٍ، فلا داعي للمكابرة، ولنذهب إلى انتخابات نيابية مبكرة. أمّا العهد فقد انتهى بكل المعايير، بحكومة أو بلا حكومة. وهو يعمل على تمرير الوقت لا أكثر. ربّما تكون أمام رئيس الجمهورية فرصة أخيرة ليُسجّل لنفسه إنجازاً ما، وهو الاستقالة تحت شعار فشل المنظومة السياسية ومنح الفرصة للشعب ليختار ممثّليه من جديد”.