تلميذ بنيامين نتانياهو الذي انقلبَ على أستاذه. رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت تطرّفاً و”إرهاباً” وتعلّقاً بالصّهيونيّة لا يقلّ عن “الملك بي بي” الذي صار شبه محسومٍ أنّه أُحيل على تقاعدٍ قسريّ بعدما تربّع على رأس لائحة “ملوك إسرائيل”.
“قتلت شخصيّاً عدداً كبيراً من العرب، ولا مُشكلة لديّ في مواصلة قتلهم”. هذه ليسَت اعترافات لمُنفّذ مجزرة الحرم الإبراهيمي باروخ غولدشتاين، بل هذا تصريح إعلاميّ أطلقه نفتالي بينيت الذي تبوّأ منصب رئيس وزراء إسرائيل بكتلة من 7 نوّاب فقط، مُتحالفاً مع أغرب “خلطة ائتلاف” في تاريخ الكيان، من ضمنهم بعض هؤلاء العرب الذين يُجاهر مُفتخراً بقتلهم، ومتوعّداً بمواصلة ذلك، وعلى رأسهم أطفال مجزرة قانا الأولى في لبنان في نيسان 1996.
تحت لواء “ماجلان”، دخل بينيت الأراضي اللبنانيّة قائداً لمجموعة من 67 عنصراً لكي تُنفّذ “مهمّة خاصّة” أثناء حرب 1996 أو ما عُرِفَ بـ”عناقيد الغضب”
سيرة حياة الرّئيس المليونير ذي القلنسوة السّوداء التي تختصر شخصيّته اليمينيّة، جديرة بالبحثِ والغوصِ في تفاصيلها. إذ تُعطينا صورةً واضحةً عن المرحلة المُقبلة على الكيان الإسرائيلي تحت إدارة الرّجل الذي يهوى العمل العسكريّ لا السّياسي.
وُلِدَ رئيس حزب “يمينا” نفتالي بينيت سنة 1972 في مُستعمرَة رعنانا المُحاذية لقرية “تبصر” الفلسطينيّة المُهجّرة قُرب مدينة حيفا شمال الأراضي المُحتلّة. ينحدِرُ أبواه من ولاية كاليفورنيا الأميركيّة، وقد وفدا مع اليهود المُهاجرين إلى فلسطين بعد نكسة 1967. في سنّ الرّابعة، انتقلَ مع أبويه إلى مقاطعة مونتريال الكندية، حيث حَصل والده على عرضِ عمل، ثمّ عادوا جماعةً إلى رعنانا بعد سنتين فقط.
لم تكن تلك المرّة الأخيرة التي تنتقل عائلة بينيت خارج فلسطين المُحتلّة، إذ غادروا بعد عودتهم من كندا بسنة إلى ولاية نيوجيرسي الأميركيّة للسّبب عينه، وكذلك لمدة 24 شهراً، ليعودوا للاستقرار في رعنانا قرب حيفا مجدّداً.
كان اغتيال رئيس الوزراء السّابق إسحاق رابين محطّةً مفصليّة في حياة بينيت. إذ تعاطف مع الحملة التي شُنّت على الصّهيونيّة الدّينيّة، وقرّر ارتداء القلنسوة اليهوديّة مرّة وإلى الأبد فوق رأسه الأقرع الذي لا يُفكّر إلا بالصّهيونيّةِ…
لا يجدُ الباحث في سيرة بينيت تفاصيل كثيرة عن نشأته، إلّا أنّه تشارَك مع نتانياهو ومدير الموساد الجديد دافيد برنياع الخدمةَ في صفوف وحدة “سارييت ميتكال” الخاصّة في الجيش الإسرائيلي أوائل تسعينيات القرن الماضي. انتقل بعدها إلى وحدة “ماجلان”، وهي من وحدات الكومندوس في الجيش الإسرائيلي، التي تعمل خلف “خطوط العدو”، للاستطلاع وجمع المعلومات والهجوم معاً.
تحت لواء “ماجلان”، دخل بينيت الأراضي اللبنانيّة قائداً لمجموعة من 67 عنصراً لكي تُنفّذ “مهمّة خاصّة” أثناء حرب 1996 أو ما عُرِفَ بـ”عناقيد الغضب”. لم تكن المهمّة ناجحة، إذ واجهَت مجموعة بينيت مجموعةً من مقاتلي حزب الله قرب قانا بقضاء صور، وحينها طلبَ الضّابط الشّاب إسنادَ مرابض المدفعية له وفقَ إحداثيّات حدّدها لهم، وكانت النّتيجة “مجزرة قانا الأولى” التي تسبّبت باستشهاد عشرات المدنيين اللبنانيين، جُلّهم من الأطفال والعوائل الذين لجأوا إلى مقرّ كتيبة تابعة لقوّات اليونيفيل.
لم تقف اعتداءات بينيت العسكريّة ضدّ لبنان في حرب 1996، إذ استُدعي بعد 10 سنوات للمشاركة في حرب تمّوز، وأيضاً ضمن فرقة “ماجلان”. شَاركَ بينيت خلال حرب الـ33 يوماً في عدّة عمليّاتٍ خاصّة لم تُكشَف ولم يَكشُف هو عن طبيعتها، إلّا أنّها وُصِفَت بـ”عمليّات خلف خطوط العدو لاستكشاف منصّات صواريخ حزب الله وتدميرها”.
في فترة الـ10 سنوات بين “عناقيد الغضب” و”حرب تمّوز”، كان بينيت يؤسِّس سنة 1999 شركةً في مدينة مانهاتن الأميركيّة، مُختصّة ببرمجة الـSoftware لمكافحة الاحتيال. وفي سنة 2005، باع الشّركة بمبلغ 145 مليون دولار لشركة RSA الأميركيّة، مشترطاً عليها توظيف 400 إسرائيليّ في فرعها في مدينة بئر السّبع جنوب فلسطين المُحتلّة، وهيرتزليا وسط الكيان. واستمرّ بينيت في العمل مُستثمراً في مجال التكنولوجيا والمعلومات.
شَاركَ بينيت خلال حرب الـ33 يوماً في عدّة عمليّاتٍ خاصّة لم تُكشَف ولم يَكشُف هو عن طبيعتها، إلّا أنّها وُصِفَت بـ”عمليّات خلف خطوط العدو لاستكشاف منصّات صواريخ حزب الله وتدميرها”
كانت البداية الجدّيّة لمسيرة رئيس حزب “يمينا” السّياسيّة بعد حرب تمّوز، يومَ قرّر رجل الأعمال – السّفّاح التطوّع في إدارة زعيم المعارضة يومئذٍ رئيس حزب الليكود بنيامين نتانياهو اعتراضاً على نهج حكومة إيهود أولمرت وتحالف حزبيْ كاديما والعمل.
بعد سنة من دخوله مكتب نتانياهو، أوكَل إليه الأخير إدارة حملته الانتخابيّة الحزبيّة، التي تمكّنت من تنصيب نتانياهو “ملكاً على حزب الليكود”، قبل أن يعود إلى الحكم سنة 2009.
لم يجد بينيت حزب الليكود يمينيّاً بما يكفي، رغم أنّه أكبر الأحزاب اليمينيّة في إسرائيل وأقدمها. فأسّس، بالاشتراك مع النّاشطة اليمينيّة ذات الأصول العراقيّة أييليت شاكيد، حركة “إسرائيلُنا”، وكان هدفها “دعم الصّهيونيّة في أوساط حركات الوسط واليمين”. بعد تأسيس الحركة، استقال من الليكود واتّجه للانضمام إلى صفوف حزب “البيت اليهوديّ”، أو ما يُعرَف بالعبريّة بـ”هبايت هيهودي”، الذي تعود جذوره إلى حزب المفدال الديني، الحزب التاريخي للتيار الديني الصهيوني الذي يُنادي بدولة إسرائيل على كلّ فلسطين من البحر إلى النّهر.
قادَ بينيت الحركة في انتخابات 2013، لتفوز للمرّة الأولى بتاريخها بـ12 مقعداً تحت قبّة الكنيست في دورته الـ19. أدخلته الكتلة وزيراً في حكومة نتانياهو، حيث تسلّمَ وزارتيْ الاقتصاد والإدارة الدينيّة في آذار 2013. وبعد شهرٍ أُسنِدَت إليه وزارة شؤون القُدس والمغتربين.
سنة 2015، شكّل نتانياهو حكومته اليمينيّة الجديدة، وأسندَ إلى بينيت حقيبتيْ التّعليم والمغتربين، بعدما فصَل الأخيرة عن وزارة شؤون القدس. وبعد 3 سنوات، استقال وزير الدّفاع أفيغدور ليبرمان من منصبه، فاتحاً شهيّة بينيت الذي أعرَب عن نيّته الاستحواذ على المنصب، إلّا أنّ نتانياهو رفضَ طلبه يومئذٍ.
بعد انتخابات 2019، التي خاضها تحت اسم “تحالف يمينا”، الذي جمع فيه كلّاً من حزب “البيت اليهودي” وحزب “تكوما” الصّهيوني المُتطرّف، تولّى بينيت وزارة الدّفاع في حكومة نتانياهو. لكنّ أزمة الحُكمِ التي بدأت منذ ذلك الحين في إسرائيل، شهِدَت انتخابات جديدة في أيلول من السّنة نفسها. وقد نجح بينيت في الحفاظ على مقعده، وحصل تحالف “يمينا” على 7 مقاعد، مكرّراً النّتيجة نفسها بعد إعادةٍ جديدةٍ للانتخابات في كانون الثاني 2020، ثمّ في إعادةٍ ثالثةٍ بعد 3 أشهر، لكن مع 6 مقاعد.
أثناء تولّيه حقيبة الدّفاع بين تشرين الثاني 2019 و17 أيّار 2020، أعلَن بينيت صراحةً أكثر من مرّة أنّه سيعمل جهده على منع التوسّع الإيراني في سوريا. وشهدَ عهده تصاعداً في عدد الغارات التي شُنّت على مواقع إيرانيّة، وأخرى تابعة لحزب الله في سوريا.
وفي السّاعات الأولى لتولّيه الوزارة، اغتيل القيادي البارز في الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا، المُقرّب من الحرس الثّوري، بعد استهدافه في قطاع غزّة.
ووصَف إيران في وقتٍ لاحق بأنّها “الأخطبوط”: “هي الرأس الذي يرسل أذرعه لضرب إسرائيل من جميع الاتجاهات: من لبنان عبر حزب الله، ومن غزة عبر الجهاد الإسلامي وحماس، ومن سوريا عبر الميليشيات الأفغانية والعراقية والسورية وغيرها، وكم هو مريح للإيرانيين أن يسفكوا دماءنا في مارون الراس وبنت جبيل في لبنان، أو في الشجاعية ورفح بقطاع غزة، وهم جالسون بهدوء على كرسيهم المريح في طهران”.
وقال: “أردنا تنبيه إيران. يجب أن نجعلهم يشعرون بالتهديد والضعف، وأن تتمّ الحملة في جميع الأبعاد: الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاستخبارية والإلكترونية وغيرها. فعلنا كلّ ذلك خلال ولايتي”.
إقرأ أيضاً: حكاية نتنياهو(1/2): من تفجير مطار بيروت إلى السجن
اليوم، وبعدما اختير نفتالي بينيت رئيساً للوزراء، استبق قسم اليمين فهدّد لبنان وقطاع غزّة، قائلاً: “إذا كانت من حاجة لعمل عسكري في غزة أو في لبنان، فماذا نفعل؟ سنقوم به، ولن نلتزم بقيود سياسية”.
الأيّام المُقبلة لبينيت في قيادة إسرائيل قد تحمل الكثير نظراً إلى كونه شخصيّة تجمع التّطرّف وكره العرب وعشقه للحلول العسكريّة… وهذه الحلول هي مكمن الخطر.