حكاية نتنياهو(2/2): مسيرة الصعود… ثم السقوط

مدة القراءة 5 د

سنة 2001، وصل آرييل شارون إلى رئاسة وزراء إسرائيل، وأتى معه بنيامين نتانياهو وزيراً للخارجيّة، ثمّ للمال. بعد 4 سنوات، استقال “بي بي” من منصبه الوزاريّ في 2005 اعتراضاً على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزّة.

لم ينسحِب شارون يومئذ من القطاع فحسب، بل انسحب أيضاً من “الليكود” ليؤسّس حزبه “كاديما”، الذي لم يصمد طويلاً بعد إصابة شارون بجلطة دماغيّة أدخلته في غيبوبة استمرّت سنوات.

كانت غيبوبة شارون فرصةً اقتنصها نتانياهو ليتزعّم الليكود مرّة جديدة، ويُعيّن للمرّة الثانيّة رئيساً للوزراء في آذار 2009. مع وصوله، جمّد الاستيطان لمدّة 10 أشهر، فاوض خلالها الفلسطينيين. إلّا أنّ المفاوضات انهارت، أواخر 2010، لسببٍ أوضحه هو في حديث إذاعيّ سنة 2019، إذ قال: “لن تُقام دولة فلسطينية مثل التي يتحدث عنها الناس، هذا لن يحدث”. وشهدَ عهده أوسع عمليات استيطان في الضّفة الغربيّة.

تشاطر نتانياهو وترامب الكثير من الآراء المُشتركة، وتحديداً تجاه الملفّ النّوويّ الإيراني، الذي بفضله أعاد ترامب الثّقة إلى العلاقة بين واشنطن وتل أبيب بُعَيْد انسحابه من الاتفاق النّووي سنة 2018

أمّا مع قطاع غزّة، الذي عارض نتانياهو الانسحاب منه، فقد خاضَ 4 مواجهات عسكريّة خلال 12 عاماً، كانت آخِرتها في شهر أيّار الماضي، واستمرّت لـ11 يوماً.

 

توتّر أوباما وغرامٌ ترامب

كان عمل نتانياهو الدّبلوماسي والسّياسي في الولايات المُتحدة سبباً إلى أن يصبح شخصيّة مُقرّبة من الإدارات المُتعاقبة، إلّا أنّ علاقته بالرّئيس الأسبق باراك أوباما كانت متوتّرة، وازدادت سوءاً مع توقيع أوباما لاتفاقٍ نوويّ مع إيران سنة 2015، وصفه نتانياهو بـ”السيّئ” من على منبر الكونغرس الأميركي، وهذا ما رفضته واشنطن واعتبرته تدخّلاً بشؤونها.

مع انتهاء ولاية أوباما ووصول دونالد ترامب، عادَت المياه إلى مجاريها وأكثر في العلاقة بين نتانياهو وواشنطن. إذ أهداه ترامب اعترافاً بالقدس عاصمةً لإسرائيل بعد 12 شهراً من وصوله إلى البيت الأبيض. فازداد زخمُ نتانياهو السّياسي والشّعبي في الأوساط الإسرائيليّة. لم تقِف هدايا ترامب لنتانياهو عند هذا الحدّ، إذ اعترفَ أيضاً بالسّيادة الإسرائيليّة على هضبة الجولان السّوريّة المُحتلّة.

تشاطر نتانياهو وترامب الكثير من الآراء المُشتركة، وتحديداً تجاه الملفّ النّوويّ الإيراني، الذي بفضله أعاد ترامب الثّقة إلى العلاقة بين واشنطن وتل أبيب بُعَيْد انسحابه من الاتفاق النّووي سنة 2018، وإعادة فرض العقوبات على النّظام الإيراني.

 

الصمود أمام الإقصاء

خضع نتانياهو سنة 2016 للتحقيق في اتهامات تتعلّق بالفساد، بلغت ذروتها بتوجيه الاتهام إليه بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في ثلاث قضايا منفصلة في تشرين الثاني من عام 2019. وقيل إنّه قَبِل هدايا من رجال أعمال أثرياء، وقدّم خدمات في محاولة للحصول على تغطية صحافية أكثر إيجابية.

من المحطة الانتخابيّة الأخيرة و”الكوكتيل الائتلافي”، بدأ خصوم نتانياهو بمحاولة تشكيل حكومة تُقصي “الملك بي بي” من السّلطة للمرّة الأولى منذ 2009

نفى نتانياهو هذه الاتهامات، وقال إنّه ضحية تعقّب يشبه “مطاردة الساحرات في العصور الوسطى” دبّره خصومه. وخضع للمحاكمة في أيّار 2020، ليصبح أول رئيس وزراء في الخدمة يتعرّض لذلك، ورفض دعوات المعارضين له بالتنحّي.

نجا “السّاحر بي بي” من 3 انتخابات عامّة غير حاسمة أُجرِيَت في أقلّ من عام، في سابقة في تاريخ إسرائيل، وفاز بولاية خامسة قياسيّة، وكلّ ذلك في ظل مُلاحقات جنائية. تشبّثَ بالسلطة من خلال تفاقم الانقسامات داخل المعارضة الإسرائيلية المنتشرة إيديولوجيّاً، وفشلها في بناء ائتلاف ذي أغلبية. وقد وافقَ على تقاسم السلطة مع غريمه السّياسي قائد الأركان السّابق بيني غانتس في حكومة وحدة وطنية نادرة شُكّلت للتعامل مع تفشّي فيروس كورونا.

انهار ائتلاف نتانياهو – غانتس بعد 8 أشهر، فكانت الانتخابات الرّابعة خلال عامين. وعلى الرغم من أنّ الليكود فاز بأكبر عددٍ من المقاعد، إلا أنّ معارضة الأحزاب اليمينية الأخرى لاستمرار نتانياهو رئيساً للوزراء، كانت تعني أنّه لن يستطيع تأمين أغلبية توصله للحُكم مجدداً.

هذه المُعارضة تلقّفها الوسطيّ مائير لابيد ورئيس حزب “يامينا” نفتالي بينيت واتّفقا على تشكيل ائتلاف هو “كوكتيل إيديولوجي” يساري، وسطيّ، يمينيّ، إسلاميّ، هدفه إقصاء نتانياهو من الحُكم.

تخلّى بينيت عن تمسّكه بنتانياهو، إذ إنّ دعمه لم يكن كافياً لمنح نتانياهو الأغلبية. وهذا يعني أنّ أمام رئيس حزب “يامينا” الانضمام إلى المعارضة أو إرسال إسرائيل إلى انتخابات تكون الخامسة في غضون عامين، ويتوقّع بعض المحلّلين أنّها ستوجّه ضربة خطيرة لحزب “يامينا”. إضافة إلى ذلك، أُغرِيَ بينيت، الذي يرئِس حزباً مُمثّلاً بـ”7 مقاعد”، بمنصِب رئيس الوزراء الذي منحه إيّاه الائتلاف.

يُبرّر اليمينيّون دخولهم في الائتلاف الجديد مع مخالفيهم في الإيديولوجيا بأنّه من أجل انتزاع الكيان من دائرة الانتخابات التي لا نهاية لها. فقد عانت البلاد حالة من النسيان جعلت الإسرائيليين بلا ميزانية حكومية لمدة عامين تقريباً. وشغر العديد من مناصب الخدمة المدنية الحاسمة.

إقرأ أيضاً: حكاية نتنياهو(1/2): من تفجير مطار بيروت إلى السجن

من المحطة الانتخابيّة الأخيرة و”الكوكتيل الائتلافي”، بدأ خصوم نتانياهو بمحاولة تشكيل حكومة تُقصي “الملك بي بي” من السّلطة للمرّة الأولى منذ 2009، وسطَ توقّعاتٍ باستمرار محاكمته وانتهاء مسيرته السّياسيّة في حال نجاحهم.

هل ينجح خصومه بإقصائه؟ أو يُفاجئ الجميع، كما فعلَ سابقاً، باستمالة أعضاء من معارضيه اليمينيين إلى جانبه، في حجب الثّقة عن الحكومة الجديدة؟

مواضيع ذات صلة

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…

الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

هنا محاولة لرسم بورتريه للأمين العامّ للحزب، بقلم كاتب عراقي، التقاه أكثر من مرّة، ويحاول في هذا النصّ أن يرسم عنه صورةً تبرز بعضاً من…

الياس خوري رحل إلى بيروته وتركنا لأشباحها

عن 76 عاماً، قضاها بين الورق والحبر والكتب والنضال من أجل تحرير فلسطين والإنسان العربي، غادرنا الروائي والقاصّ والناقد والأكاديمي الياس خوري، تاركاً فراغاً يصعب…