بين الانتصار على لبنان والانتصار على إسرائيل

مدة القراءة 5 د

مات لبنان عندما صار سلاح “حزب الله” يقرّر مَن رئيس الجمهورية الماروني. مات في عام 2016، قبل الاحتفال بمئويّة لبنان الكبير في أول أيلول 2020. ليس ما نشهده اليوم سوى فصل أخير من الانقلاب، الذي يقوم به الحزب منذ عدّة سنوات، بل هو تتويج له. ما نشهده أيضاً، مع مرور أربع سنوات ونصف سنة على انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، من انهيار لا قعر له في الوطن الصغير، ليس سوى نتيجة طبيعية للواقع القائم. يتمثّل هذا الواقع في وجود سلاح غير شرعي حوَّل الجمهوريّة اللبنانية إلى دويلة في دولة “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

لا حاجة إلى كثير من اللفّ والدوران للردّ على الخطاب الأخير لحسن نصر الله في الذكرى الثلاثين لانطلاق قناة “المنار”. يمكن الردّ على الخطاب، الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بما يدور في المنطقة، بجملة واحدة: الانتصار على لبنان ليس بديلاً من الانتصار على إسرائيل.

أمور كثيرة فاتت الأمين العام لـ”حزب الله” في خطابه، بما في ذلك عدم معرفته بأن ليس في الإمكان إيصال النفط الإيراني إلى لبنان، وأنّ على “الجمهوريّة الإسلاميّة” القيام بكلّ أنواع البهلوانيات كي توصل بعض النفط إلى اللاذقيّة بحراسة روسيّة مدفوعة الثمن

هذا كلّ ما في الأمر. مَن يحتاج إلى التأكّد من ذلك، يستطيع أن يسأل نفسه سؤالاً في غاية البساطة: أين كان لبنان قبل 30 سنة، وأين صار الآن؟ الفارق بين 1991 و2021 أنّ لبنان كان يمتلك الأمل، في حين أنّ سنة 2021  اتّسمت بوضع اليأس قبضته الثقيلة على لبنان. في ثلاثة عقود انتقل لبنان، بفضل “حزب الله”، من الأمل إلى اليأس. انتقل عمليّاً من مرحلة بدأ فيها لبنانيون بالعودة إلى بلدهم بعدما هجّرهم ميشال عون منه في 1989 و1990، نتيجة “حرب الإلغاء” و”حرب التحرير”… إلى مرحلة البحث عن مكان يستقبلهم!

كشف الخطاب الأخير لنصر الله مدى استخفافه بعقول اللبنانيين، خصوصاً عندما تحدّث عن انتصارات كبيرة تحقّقت في السنوات الثلاثين الماضية، وحين وصف رفيق الحريري بـ”الشهيد” وكأنّه لا يعرف مَن اغتال رفيق الحريري ورفاقه، ولماذا كان الاغتيال، وما هو السياق الذي وقعت فيه الجريمة.

في كلّ ما قاله حسن نصر الله استغباء لعقول اللبنانيين من جهة، وإصرار على الإساءة إلى العلاقات اللبنانية – السعودية من جهة أخرى، وذلك من خلال الكلام عن اليمن. من حسن الحظّ أنّ هناك لبنانيين وعرباً يعرفون، ولو القليل، عن اليمن. هؤلاء يعرفون الظروف التي رافقت الهجمات، التي شنّها التحالف العربي ابتداء من آذار 2015  لمواجهة التمدّد الحوثي في اليمن بعد سيطرة “أنصار الله” في 21  أيلول 2014 على صنعاء. لم يتوقّف هؤلاء عن التمدّد في كل الاتجاهات. سيطروا في مرحلة معيّنة على عدن، وعلى ميناء المخا الذي يتحكّم بمضيق باب المندب، وهو المدخل إلى البحر الأحمر وإلى قناة السويس. فصار في استطاعة الحوثيين، الذين ليسوا سوى أداة إيرانيّة، التحكّم بحركة الملاحة في القرن الإفريقي وإغلاق قناة السويس…

ليس معروفاً بعد ما الذي يستطيع “أنصار الله” عمله من أجل فلسطين، باستثناء الشعارات، كي يشيد حسن نصر الله بزعيمهم عبد الملك الحوثي. في المقابل، نعرف ما الذي فعله الحوثيون بصنعاء تحديداً. قضوا على إحدى أجمل المدن العربيّة التي كان يحلو العيش فيها. قضوا على ثقافة الحياة في صنعاء، التي فتحت ذراعيها لكلّ اليمنيين. قضوا على نمط حياة اتّسم بالرقيّ والتهذيب والابتعاد عن العنف على الرغم من الانتشار الكثيف للسلاح في اليمن.

كان خطاب حسن نصر الله خطاب استغباء اللبنانيين الذين يعرفون جيّداً أن لا وجود لشيء اسمه ميشال عون أو جبران باسيل لولا الحزب، وأنّ كلّ ما جرى ولا يزال يجري في لبنان هو دوران في حلقة مقفلة لا خروج منها قريبا

ليت حسن نصر الله أمضى بعض الوقت في صنعاء كي يعرف ما الذي فعله الحوثيون بها، وكيف قضوا على مدينة جميلة من أجل أن تقول إيران إنّها صارت تسيطر على العاصمة العربيّة الرابعة بعد بغداد ودمشق وبيروت… ومن أجل إقامة قواعد صواريخ تهدّد منها الأراضي السعوديّة.

أمور كثيرة فاتت الأمين العام لـ”حزب الله” في خطابه، بما في ذلك عدم معرفته بأن ليس في الإمكان إيصال النفط الإيراني إلى لبنان، وأنّ على “الجمهوريّة الإسلاميّة” القيام بكلّ أنواع البهلوانيات كي توصل بعض النفط إلى اللاذقيّة بحراسة روسيّة مدفوعة الثمن.

تخلّص لبنان من السلاح الفلسطيني ليحلّ مكانه السلاح الإيراني. لا مكان لسلاح خارج سلاح الدولة في أيّ مكان من العالم. لا مكان لدولة لبنانية تتحكّم بها ميليشيا مذهبيّة ذات ولاء لقوّة خارجيّة ذات مشروع توسّعي معادٍ لكلّ ما هو عربي في المنطقة. من هذا المنطلق، يمكن القول بكل سهولة إنّ لبنان زال من الوجود، وإنّ مؤسساته دُمّرت الواحدة تلو الأخرى بشكل منهجي، بفضل سلاح “حزب الله”.

كان خطاب حسن نصر الله خطاب استغباء اللبنانيين الذين يعرفون جيّداً أن لا وجود لشيء اسمه ميشال عون أو جبران باسيل لولا الحزب، وأنّ كلّ ما جرى ولا يزال يجري في لبنان هو دوران في حلقة مقفلة لا خروج منها قريبا. إنّها حلقة السلاح الذي يحمي الفساد. تلك الحلقة هي التي توفّر الغطاء المسيحي لـ”حزب الله” الذي يشارك منذ عشر سنوات في الحرب على الشعب السوري دفاعاً عن نظام أقلّويّ لا مستقبل له.

إقرأ أيضاً: يا سيّد أنت وحدك المسؤول

لن تنطلي لعبة الاهتمام بمعاناة المواطن، من الوقود، إلى الدواء، فالكهرباء التي حرم جبران باسيل اللبنانيين منها…  إلى لقمة العيش. فَقَد لبنان كلّ مقومات وجوده في ظلّ “العهد القوي” الذي ليس فيه مَن يستطيع حتّى تنظيم الانهيار، حسب تعبير نائب بيروت نهاد المشنوق.

يستطيع الأمين العام لـ”حزب الله” رفع كلّ الشعارات عن فلسطين، وانتصارات “المقاومة”، واهتمامه بالمواطن العادي. لكنّ اللبنانيين يعرفون تماماً أنّ الانتصار على لبنان ليس بديلاً من الانتصار على إسرائيل…

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…