هل تدوم المناعة ضد فيروس كورونا لمدة عام أو قد ترافقك لسنوات عديدة آتية، خصوصاً في حال تلقّي اللقاح؟ وهل اقترب الخبراء من حلّ هذا اللغز؟
تشير الأدلّة المستمدّة من دراستين جديدتين، وهي أقوى أدلّة حتى الآن، إلى أنّ المناعة التي يكتسبها المرء ضد فيروس كورونا يمكن أن تدوم سنةً على الأقلّ، أو قد تستمرّ عمراً بكامله. نُشرت الدراسة الأولى في مجلّة natureالعلميّة، فيما نُشرت الدراسة الثانية على موقع “بيوركسيف”(BioRxiv) الإلكتروني لبحوث علم الأحياء. وأظهرت الدراستان أنّ الأشخاص الذين تلقّوا لقاح كورونا، بعد إصابتهم وتعافيهم من الفيروس، قد لا يكونون في حاجة إلى تلقّي جرعات تعزيزية من لقاحات كورونا مستقبلاً.
في الوقت الحالي يدرس صانعو اللقاحات كيفيّة تغيّر المناعة، التي تقوّيها هذه اللقاحات، وإذا ما كان ستتضاءل على مدى فترات طويلة من الزمن، عام أو أكثر على سبيل المثال، وهل تحمي من تحوّلات فيروس كورونا الذي يمكن أن يتطوّر
هل تزيل هاتان الدراستان المخاوفَ التي تؤرِّق العلماء؟
وزير الصحة الأسبق البروفيسور كرم كرم قال لـ”أساس” ‘نّ “هاتين الدراستين لا تزيلان المخاوف التي تؤرِّق العلماء من أن تكون المناعة ضد فيروس كوفيد-19 ضعيفة، مثل تلك الناجمة عن الإصابة بالفيروس المسبّب لنزلة البرد العاديّة، الذي ينتمي إلى سلالة الفيروس التاجي نفسها. لكنّ علماء آخرين يقولون إنّ هذه الفيروسات تتحوَّل كل بضع سنوات، ولذا تتسبّب بالإصابة المتكرّرة، كما هي حال نزلة البرد. ويرون أنّ ذلك ليست له علاقة بالمناعة الناجمة عن التعافي أو اللقاح، بل له علاقة بالتحوّلات الوراثية التي يشهدها الفيروس”.
واعتبر أنّ “تناول الدراستين أشخاصاً كانوا قد أُصيبوا بكورونا قبل عام تقريباً، تبيّن فيها أنّ بعض الخلايا المناعية يمكن أن تعيش في النخاع العظمي للأشخاص الذين أُصيبوا بالفيروس، ثمّ تعافوا، ثمّ تلقّوا اللقاح لاحقاً. ويمكن أن تُنتج هذه الخلايا المناعية أجساماً ضدّيّة يمكن أن يستخدموها عندما يحتاجون إليها. أمّا في دراسة أخرى، فقد تبيّن للعلماء أنّ الخلايا يمكن أن تنمو وتزداد قوّة لمدة عام، على الأقلّ، بعد الإصابة بالمرض. والحقيقة أنّ هذا الكلام يحتاج إلى دراسات موثّقة أكثر. بحسب معارفي من كبار المسؤولين والأطباء، لا تزال تحوم الشكوك حول فترة المناعة لأنّ هذا الوباء ما زال حديثاً، وكلّ ما هو مؤكّد أنّ لقاحات مثل “فايزر” و”موديرنا” تعطي مناعة لمدة 8 شهور تقريباً، وتخفّ تدريجياً بمرور الوقت. فيما لا توجد دراسات كافية عن اللقاحات الأخرى (الصيني والروسي)”.
تشير الأدلّة المستمدّة من دراستين جديدتين، وهي أقوى أدلّة حتى الآن، إلى أنّ المناعة التي يكتسبها المرء ضد فيروس كورونا يمكن أن تدوم سنةً على الأقلّ، أو قد تستمرّ عمراً بكامله
أمّا عن الجرعة التعزيزيّة من اللقاح، فقد أكّد البروفيسور كرم لـ”أساس” أنّه “لا تتوافر معلومات كافية عن تكرار اللقاح. ويعتقد أحد كبار الأطباء في الولايات المتحدة ومدير المعهد الأميركي للأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي، أنّ كلّ من تلقّى اللقاح وتكوّنت لديه مناعة كافية يمكن أن تدوم مناعته لسنة، وبعد مرور عام يمكنه تلقّي الجرعة التعزيزية. من هنا انطلق تأكيد الخبراء في دراستهم أنّ أيّ شخص يتلقّى اللقاح كاملاً في الوقت الحالي سيبقى محميّاً. لكنّ السبب في عدم وضوح الجدول الزمني للمعزّزات المحتملة هو حاجة العلماء إلى الوقت لجمع البيانات حول المدّة، التي قد تستمرّ فيها المناعة ضد كوفيد-19 في المستقبل، وكيفيّة التعامل مع السلالات المتحوِّلة المستقبلية من الفيروس”.
صانعو اللقاحات يراقبون المناعة
في الوقت الحالي يدرس صانعو اللقاحات كيفيّة تغيّر المناعة، التي تقوّيها هذه اللقاحات، وإذا ما كان ستتضاءل على مدى فترات طويلة من الزمن، عام أو أكثر على سبيل المثال، وهل تحمي من تحوّلات فيروس كورونا الذي يمكن أن يتطوّر. وإذا كان الجواب أنّ المناعة ستتضاءل مع مرور الوقت، فقد يحتاج الشخص الملقَّح إلى جرعة معزّزة من اللقاح للبقاء محميّاً من سلالة فيروس كورونا الأصلية، ومن المتحوّلات الناشئة حديثاً. وتشبه هذه الإجراءات، إلى حدّ ما، الجرعة المعزّزة ضد الكزاز التي يُوصى بتلقّيها كل 10 أعوام، أو اللقاحات السنوية المختلفة للحماية من الإنفلونزا.
إقرأ أيضاً: البزري: لا تصدّقوا.. اللقاحات تُنقذ الأرواح
وبالنسبة إلى الفيروسات الأخرى، يقول كرم: “عادةً ما تجعل الحصبةُ الشخصَ المصابَ بها محصّناً مدى الحياة. وينطبق الأمر ذاته على الجدري قبل أن يتمّ القضاء على هذا الفيروس في السبعينيات من خلال حملة تلقيح عالمية. ويقي التطعيم المناسب ضدّ الحصبة والجدري تماماً من العدوى. لكنّ فيروسات الجهاز التنفّسي، مثل الإنفلونزا وفيروس كورونا، يعدّ التصدّي لها أكثر صعوبة، إذ يمكن للناس أن يصابوا بالإنفلونزا مراراً وتكراراً. ولا توفّر لقاحات الإنفلونزا، عموماً، سوى حماية جزئية ضد العدوى والأمراض الشديدة، نظراً إلى تعدّد فيروسات الإنفلونزا وقدرتها على الانتشار بسبب الطفرات التي تمرّ بها”.