هل تعود أميركا “رئيسة الملائكة” في إيران؟

مدة القراءة 6 د

لم تكن الولايات المتحدة دائماً بالنسبة لإيران “الشيطان الأكبر”. مرّ ردح من الزمن كانت طهران تنظر إلى واشنطن على أنّها “رئيس الملائكة”. أمّا الشيطان فكان يتمثّل في الاتحاد السوفياتي السابق وبريطانيا. تمثّلت ملائكية واشنطن بالنسبة لطهران في الاستقواء الإيراني بالولايات المتحدة ضد المطامع الأجنبية، وخاصة المطامع البريطانية من جهة، والسوفياتية من جهة ثانية. حتى إنّه في عام 1854 طلب الشاه رفع العلم الأميركي على السفن التجارية الإيرانية احتماءً بالولايات المتحدة. وعشية الحرب العالمية الأولى، أقرّ البرلمان الإيراني تعيين محام أميركي يدعى مورغان شوستر وزيراً للمال. لكن عندما سيطر “الكوزاك” على السلطة وطردوا هذا الوزير، اصطفّ الإيرانيون في الشوارع لوداعه وهم يلوّحون بالأعلام الأميركية.

وردت هذه الوقائع في كتاب سياسي جديد بعنوان “أميركا وإيران”، قام بتأليفه أستاذ العلوم السياسية البروفسور جون غارفينيان، وهو نفسه من أصول إيرانية.

يقول المؤلف إن السياسيين الأميركيين لم يكونوا مهتمّين بإيران. غير أنّ البعثات التبشيرية الإنجيلية كانت تجد فيها حقلاً خصباً لنشر دعواتها. وكان زوّار إيران من الأميركيين يكادون يقتصرون على هذه المجموعة من الناس.

بعد الحرب العالمية الأولى واكتشاف النفط الإيراني، تغيّر الوضع وتوجّهت الولايات المتحدة إلى إيران تحت عباءة المبادئ التي أعلنها في فرساي الرئيس الأميركي ودرو ويلسون حول حقّ الشعوب في تقرير المصير. ولكن حتى في ذلك الوقت، لم تكن الولايات المتحدة ترى فائدة من الاصطدام ببريطانيا من أجل إيران.

لم تكن الولايات المتحدة دائماً بالنسبة لإيران “الشيطان الأكبر”. مرّ ردح من الزمن كانت طهران تنظر إلى واشنطن على أنّها “رئيس الملائكة”

تغيّر الموقف الأميركي عندما برزت أنياب الشيوعية في دولة بدأت تنتج النفط. حدث ذلك بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة عندما بادر الرئيس الأميركي الجنرال دوايت إيزنهاور إلى اعتبار الشأن الإيراني الداخلي شأناً أميركياً. وهكذا في عام 1953، تحالفت الولايات المتحدة مع بريطانيا لإسقاط الحكومة الوطنية، التي كان يرأسها محمد مصدّق (وكان رئيساً منتخباً من الشعب)، وفرضت سياسة نفطية جديدة على إيران. وبموجب تلك السياسة أُلغيَ قرار تأميم شركة النفط البريطانية الذي كانت اتخذته حكومة مصدق، و”منح” الشاه محمد رضا بهلوي شركات النفط الأميركية حصة في النفط الإيراني بلغت 40 في المئة.

ومنذ ذلك الوقت، حلّت الولايات المتحدة محلّ بريطانيا كدولة مهيمنة على إيران ومسيطرة عليها، وحوّلت الشاه منذ ذلك الوقت إلى “دمية” تنفّذ قرارات واشنطن، حتى أصبح السفير الأميركي في طهران، الحاكم الفعلي غير المعلن.

وبموجب معادلة الوضع الجديد، أصبح الشاه المستورد الأول في العالم للسلاح الأميركي والبريطاني. ويقول مؤلّف الكتاب إنّ الشاه امتلك في ترسانته العسكرية من دبابات “تشيفنن” البريطانية أكثر ممّا كانت تملكه القوات البريطانية نفسها.

وعندما قرّرت الدول العربية فرض حظر النفط إثر العدوان الإسرائيلي في عام 1973، بادر الشاه إلى زيادة الإنتاج لتلبية حاجات إسرائيل حتى أصبح النفط الإيراني وحده يغطّي نصف حاجة إسرائيل الاستهلاكية.

ويذكر المؤلّف أنّ جهاز الاستخبارات الأميركي (سي.آي.إيه) وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (موساد) تعاونا على مساعدة الشاه لإنشاء جهاز الاستخبارات الإيراني (سافاك).

في عام 1979، عندما وقعت الثورة في إيران ضد الشاه، خاف الغرب (الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا) من أن يكون البديل هو اليسار، الذي كان أُبعِد في أيام محمد مصدق، وأن يشكِّل خطراً على مصالحه النفطية. وساد الاعتقاد وقتها أنّ الإسلاميين الذين هم أعداء طبيعيون لليسار الشيوعي يمكن أن يشكّلوا البديل الأفضل، ليس في إيران وحدها، ولكن أيضاً في جارتها أفغانستان التي بدأت تتحرّر من الاحتلال السوفياتي. فكان دعم الغرب للإسلاميين هنا (إيران) وهناك (أفغانستان).

من أجل ذلك، عندما نشبت الحرب بين العراق وإيران (والتي أدّت الى سقوط مليون ضحية من الجانبين)، اتفقت الولايات المتحدة مع النظام الجديد في إيران على توريد الأسلحة والذخيرة التي يحتاج إليها من إسرائيل. وقد استمرّ ذلك طوال سنوات الحرب الثماني، التي استنزفت الدولتين بشراً وحجراً.

أمّا كيف تحوّلت الولايات المتحدة إلى “الشيطان الأكبر”، وكيف تحوّلت إسرائيل إلى العدوّ الأول، فإنّ مؤلّف الكتاب يروي القصة التالية:

“أعلن الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني مبدأً عاماً يقول إنّ إيران سوف تقبل أيّ تسوية يوافق عليها الفلسطينيون. ولكن الردّ الأميركي على هذا الموقف كان ردّاً إهمالياً. فقد دعت الولايات المتحدة (تحت مظلّة الأمم المتحدة) إلى مؤتمر مدريد في عام 1991، وتعمّدت عدم دعوة إيران إليه حتى بصفة مراقب. فكان الردّ الإيراني إنشاء منظمات حليفة لها، وإقامة تحالفات خاصة بها، فكانت “حماس” و”حزب الله” و”الجهاد الاسلامي”.

حلّت الولايات المتحدة محلّ بريطانيا كدولة مهيمنة على إيران ومسيطرة عليها، وحوّلت الشاه منذ ذلك الوقت إلى “دمية” تنفّذ قرارات واشنطن، حتى أصبح السفير الأميركي في طهران، الحاكم الفعلي غير المعلن

ولكن في عهد الرئيس محمد خاتمي، جرت محاولة إيرانية لإصلاح ذات البين، فندّد الرئيس خاتمي بجريمة 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، ودعا في الأمم المتحدة إلى حوار حضارات. وذهب عملياً إلى أبعد من ذلك، عندما سمح للطائرات الحربية الأميركية استخدام المجال الجوي الإيراني أثناء عملياتها في أفغانستان. غير أنّ الرئيس الأميركي جورج بوش (الابن) أدرج إيران على لائحة “محور الشيطان”. فردّت يومها إيران باعتبار الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر”.

إقرأ أيضاً: أميركا: الحزبان يتّفقان على التشدّد مع إيران.. ونتنياهو يسنّ سلاحه

قدّم الرئيس باراك أوباما العراق جزرة لاستعادة إيران إلى بيت الطاعة الأميركي، ولكن محاولته باءت بالفشل. فتلقّفت إيران الجزرة من دون أن تعيد النظر في ثوابتها السياسية – العقدية. فحاول من بعده الرئيس دونالد ترامب أن يهدّدها بعصا العقوبات والانسحاب من الاتفاق النووي، ولكن محاولته لم تكن أحسن حالاً”.

يقف المؤلف هنا ليكتب الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الفصل الجديد في هذه المسيرة الطويلة من صعود وهبوط العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…