نجم: مجلس القضاء الأعلى “مقصّر”… ودياب “ينسف” تصريف الأعمال

مدة القراءة 7 د

اشتعلت “حرب المراسلات” المستمرّة بين وزيرة العدل ماري كلود نجم ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، على خلفيّة تعيين أربعة أعضاء غير حكميين في مجلس القضاء الأعلى.

في المشهد العامّ تَحضر السياسة بقوّة في هذا النزاع المتعدّد الأوجه، الذي يشكّل امتداداً لأزمة تشكيلات قضائية تجمّدت على عتبة القصر الجمهوري، فيما مرسوم تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى موجود في جارور السراي الحكومي، ولن يصل إلى بعبدا.

المفارقة في مرسوم التعيين أنّ رئيس الجمهورية ووزيرة العدل يدفعان باتجاهه إلى حدّ تأكيد نجم أن تريّث دياب في توقيعه “ينسف مبدأ تصريف الأعمال”. لكنّ مجلس القضاء الأعلى، المعنيّ الأوّل بالتعيين، لم يوافق عليه أيضاً، أقلّه في ما يخصّ اسم القاضي سامر يونس.

لذلك كان توقيع المرسوم سيشكّل أزمة كبيرة بين “المجلس” ووزيرة العدل، التي ترى مصادر قضائية أنّها “تقصّدت اختيار قضاة، على الرغم من سمعتهم النظيفة وكفايتهم، يشكّلون وديعة للعهد داخل مجلس القضاء الأعلى بوجه رئيسه القاضي سهيل عبود”.

وهو واقع تنفيه تماماً وزيرة العدل، التي تكرّر أنّها في اختيارها للقضاة “منحازة إلى معايير المناقبية والكفاية والجرأة، ومتحرّرة من القيود الطائفية”، داعية القضاة أنفسهم إلى كسر هذه القيود.

أمّا القاضي سامر يونس فلم يتمالك أعصابه. فَعَلها للمرّة الثانية وتمرّد من قلب “السلك” ضدّ ما يعتبره ظلماً بحقّه. كانت المرّة الأولى في آب الماضي حين رفض مجلس القضاء الأعلى اسمه الذي اقترحته نجم ليكون محقّقاً عدلياً في جريمة المرفأ، فأصدر بياناً عالي اللهجة عدّد فيه سلسلةً من الأحكام الجريئة التي أصدرها، مؤكّداً انحيازه للعدالة ولقناعته فقط، ونافياً قربه من أيّ جهة سياسية، قائلاً: “كلّهم يخافونني، لأنّني لا أخاف ولا أهاب أحداً”.

وإثر الضجّة التي أُثيرت بعدما طرحت نجم تعيينه لعضوية مجلس القضاء الأعلى، أصدر بياناً بسقفٍ عالٍ قبل أيام، مشيراً إلى “تعرّضه لمحاولة اغتيال معنوية” حتى من داخل القضاء، ومؤكّداً “عدم إحالته إلى التفتيش القضائي لخرقه موجب التحفّظ”.

في هذا السياق، تجزم مصادر قضائية محايدة: “سامر يونس ذو كفاية، ونظيف الكفّ والسمعة، وشجاع في قراراته، وغير محسوب على أحد. لكنّ مجلس القضاء الأعلى لديه أسبابه لرفضه محققاً عدلياً، ثمّ عضواً في المجلس، ربطاً، على الأرجح، بشخصيّته الحادّة وغير المنضبطة التي لا تتناسب مع هاتين المهمّتين”.

كان توقيع المرسوم سيشكّل أزمة كبيرة بين “المجلس” ووزيرة العدل، التي ترى مصادر قضائية أنّها “تقصّدت اختيار قضاة، على الرغم من سمعتهم النظيفة وكفايتهم، يشكّلون وديعة للعهد داخل مجلس القضاء الأعلى بوجه رئيسه القاضي سهيل عبود”

رَفَعت نجم مرسوم التعيين إلى رئاسة الحكومة في 24 أيار، فأتاها الردّ من المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء القاضي محمود مكية (مرفق مستند رقم 1)  مفنّداً المغالطات التي رافقت توقيع وزيرة العدل على مرسوم تعيين كلّ من القضاة جويل فواز، سامر يونس، رولا الحسيني، ودانيا الدحداح.

وفي 28 أيار، أعادت مشروع المرسوم (الصور أسفل المقال) ردّاً على ردّ رئاسة مجلس الوزراء. وقد اطّلع عليه موقع “أساس” وتضمّن النقاط الآتية:

– “الشغور الناتج عن انتهاء ولاية أعضاء مجلس القضاء الأعلى غير الحكميين يؤدي إلى تعطيل عمله بسبب انعدام النصاب القانوني، وهو ما يحتّم استكمال تكوين المجلس.

– عدم جواز الاستشهاد بسوابق حكومية خاطئة تعاملت مع الفراغ كأمر واقع، وتكريسها ليصبح الخطأ أو الاستثناء هو القاعدة.

– صدور عدد من المراسيم في ظل حكومة تصريف الأعمال الحالية، من ضمنها مراسيم تناولت تعيينات، كان آخرها مرسوم تعيين عضوين في الهيئة الوطنية للمفقودين.

– وحول النقطة المتعلّقة بمدى دستورية وقانونية حصول تعيين داخل مجلس القضاء غير المكتمل الأعضاء لتعذّر انتخاب أحد أعضائه، رأت نجم أنّ مبدأ استمرارية المرفق العام القضائي، ذا القيمة الدستورية، يسمو على أي قاعدة او اعتبار آخر. وفي الاجتهاد الإداري أنّ سلطة التعيين غير مُلزَمة بملء جميع المراكز الشاغرة.

– قضاة محكمة التمييز مُمثّلون حاليّاً في المجلس بأحد رؤساء غرف التمييز، ريثما يُصار إلى استكمال المركزين الشاغرين بعد صدور مرسوم التشكيلات القضائية”.

لكنّ الأهمّ في ردّ نجم أنّها لمّحت في كتابها إلى “تقصير” مجلس القضاء الأعلى، الذي كان بإمكانه، برأيها، أن يستدرك الشغور على مستوى رؤساء غرف التمييز عبر إعداد مشروع مناقلات يتناول هؤلاء حصراً، الأمر الذي يتيح انتخاب وتعيين كامل أعضاء مجلس القضاء الأعلى، الذي يتألّف من عشرة أعضاء.

رَفَعت نجم مرسوم التعيين إلى رئاسة الحكومة في 24 أيار، فأتاها الردّ من المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء القاضي محمود مكية  مفنّداً المغالطات التي رافقت توقيع وزيرة العدل على مرسوم تعيين كلّ من القضاة جويل فواز، سامر يونس، رولا الحسيني، ودانيا الدحداح

يُذكر أنّه من ضمن الأعضاء السبعة غير الحكميين في مجلس القضاء الأعلى، قاضيَيْن يُنتخبان من رؤساء غرف التمييز، لكن بسبب عدم صدور التشكيلات ووجود عدد من هؤلاء بالانتداب (لا يحقّ لهم الترشّح إلى عضوية مجلس القضاء الأعلى إلا إذا كانوا بالأصالة) فاز القاضي عفيف حكيم (درزي) بالتزكية، ولم يترشّح القاضي جمال الحجار (سنّي) لكون الحصّة السنّيّة في المجلس مصونة من خلال مدّعي عام التمييز ورئيس التفتيش القضائي. أمّا نصاب المجلس فهو 8 من 10.

ردّت نجم على سؤال رئاسة مجلس الوزراء عن “المعيار الذي جرى على أساسه اختيار القضاة”، ومدى توافر “الميثاقية الوطنية” في ضوء عدم اكتمال انتخاب أحد رؤساء غرف التمييز، بالتأكيد أنّ هذه “الميثاقية الوطنية يضمنها قضاة وطنيون لا يُعرف لهم سوى لبنان وطناً، وسوى القضاء رسالة”، معتبرة أنّ “المناصفة في تكوين المجلس متوافرة بإقرار مشروع المرسوم”.

وتفيد معلومات أنّ المقصود بموضوع الميثاقية هو إحالة نجم لمرسوم التعيين متضمّناً أربعة أعضاء، من ضمنهم قاضية شيعية، فيما عدد القضاة الشيعة في المجلس اثنان، إضافة إلى 2 سنّة (هما حالياً مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد)، و3 موارنة، من ضمنهم رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، و1 كاثوليكي، و1 أرثوذوكسي، و1 درزي.

إقرأ أيضاً: مرسوم “ملغوم” من وزيرة العدل… ودياب لن يوقّع

وعَلِم موقع “أساس” أنّ رئاسة مجلس الوزراء أعادت أمس مشروع مرسوم التعيين إلى وزيرة العدل “لمخالفته الأحكام الدستورية والقانونية”.

وجاء في كتاب الردّ (مرفق مستند 2) أنّ نجم “أغفلت الإجابة عن الأسئلة التي طرحتها رئاسة مجلس الوزراء، بالارتكاز على السند الدستوري والمسوّغ القانوني، وحاولت الاستناد إلى مواضيع، مع كونها أسمى من إمكان إدخالها في النقاش كمسألة المفقودين، إلا أنّها لا تصلح للقياس”.

فالتعيين في هيئة المفقودين، وفق ما جاء في الردّ، “طالَ جميع المراكز الشاغرة. أمّا مشروع المرسوم الراهن فتناول تسمية بعض أعضاء مجلس القضاء، وأغفل تسمية البعض الآخر”، معتبراً أنّه “تعيين مجتزأ يهدف إلى توفير النصاب، الأمر الذي يخالف القواعد الدستورية والقانونية، ويرتّب انعكاسات سلبية على التوازنات المعروفة”.

وأشار كتاب الردّ إلى أنّ “مبدأ استمرارية المرفق العام وتصريف الأعمال، الذي حمل دياب على توقيع، حتى تاريخه، أكثر من 200 معاملة (لم تتضمّن تعيينات)، لا يمكن أن يعني الإطاحة بأصول التعيين المبني على قواعد دستورية وميثاقية لا تخفى على أحد، ويُفترض أنّه مؤتمن وحريص على تلك القواعد، خصوصاً أنّ التعيين يتناول هيئة بأهمّيّة مجلس القضاء الأعلى”.

وتؤكّد مصادر السراي لـ”أساس” أنّ “ردّ وزيرة العدل غير دستوري وغير قانوني. ويُفترض أن لا تعيد إرسال أيّ كتاب لأنّ النقاش انتهى”.

 

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…