حكاية أسماء الأسد (1/4): المصرفية.. التي استحوذت على سوريا

مدة القراءة 7 د

نيقولاس بيلهام – Nicolas Pelham (The Economist)

كشفت مجلة “The economist” اللثام عن تفاصيل شخصية ومسار عقيلة الرئيس السوري أسماء الأسد، ملقيةً الضوء على أحداث وقصص لم يعرفها الناس من قبل، من شأن الإضاءة عليها الإجابة عن كثير من الأسئلة المبهمة المطروحة حول النظام السوري الحالي، وما ينتظره في الأيام المقبلة.

“أساس” يبدأ اليوم في نشر تحقيق المجلّة اللندنية على أربع حلقات. وهنا الحلقة الأولى التي تبدأ بهذا السؤال:

كيف لفتاة من غربي لندن أن تصبح الرابحة غير المتوقّعة في حرب سوريا؟

في الصيف الماضي، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورة للسيدة الأولى في سوريا. في ذلك الوقت، كانت القوات الحكومية في الشمال الغربي تقصف جيوب المقاومة الأخيرة للثائرين على النظام. أظهرت الصورة أسماء الأسد وزوجها بشار وأولادهما الثلاثة، وهم يقفون على قمّة تل تعصف به الرياح، يحيط بهم جنود مموّهون. يرتدي بشار سترةً، وحذاءً رياضياً، وقميص بولو بلا أزرار يبدو أكثر ملاءمة لمصاحبة الأطفال في نزهة يوم الأحد من تعذيب المنشقّين.

صعودها إلى بلاط الأسد لم يعد مجرّد قيل وقال في سوريا. وفي العام الماضي، وصفت الحكومة الأميركية أسماء بأنّها واحدة من “أشهر المستفيدين من الحرب” في سوريا

تقف أسماء أكثر صلابة، ذراعاها إلى جانبيها، ترتدي الجينز الأبيض والحذاء الرياضي، وهذا النوع من النظارات الشمسية الذي يحبّه الرجال الأقوياء في الشرق الأوسط. كانت هي في مركز الصورة. أمّا بشار، رئيس سوريا، فكان متعلّقاً بكتفها برعونة.

هدوء المشهد خلف أسماء خادع. فمنذ انطلاق الربيع العربي قبل 10 سنوات، حين انتفض ملايين الناس ضدّ الأنظمة القمعية، حافظت الأسرة الحاكمة في سوريا على السلطة، لكن بكلفة رهيبة.

لقد قتلت قوات النظام مئات الآلاف من السوريين، وعذّبت أكثر من 14 ألفاً حتى الموت. فرّ نصف السكان من منازلهم، فأفضى ذلك إلى أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. إيران وتركيا، كما أميركا وروسيا، قاتلت كلّ دولة منها بالواسطة لتكوين نفوذ لها على الأرض السورية. وتحطّمت أحلام عقد كامل في أنحاء العالم العربي، لكن ليس بدمويّةٍ أكثر ممّا حدث في سوريا.

مع ذلك، تبدو أسماء أقوى ممّا كانت عليه في أيّ وقت مضى. رحلتها إلى التفوّق على هذه الأرض المدمّرة كانت متعرّجة، والطريق ممتلئ بمعالم هذه الرحلة: من موظفّة في فريق مصرف “جي بي مورغان” (J.P. Morgan) تعقد صفقات في وقت متأخّر من الليل، إلى السيّدة الأولى الفاتنة التي اعتقدت أنّ من شأن الإصلاح الاجتماعي والأزياء الأنيقة تحديث دولة منبوذة. لمّا كانت “ماري أنطوانيت” دمشق تتسوّق، كانت بلادها تحترق. أمّ الأمّة تكافح السرطان في حين أنّ قوات زوجها تسحق المتمرّدين.

لكن أين تنتهي الرحلة؟

صعودها إلى بلاط الأسد لم يعد مجرّد قيل وقال في سوريا. وفي العام الماضي، وصفت الحكومة الأميركية أسماء بأنّها واحدة من “أشهر المستفيدين من الحرب” في سوريا. وهناك الآن همسات بأنّها يمكن أن تخلف زوجها في يوم من الأيام في موقع الرئاسة. من المؤكّد أنّ أسماء الأسد قطعت شوطاً طويلاً من المنزل المغلّف بالحصى، شبه المنفصل، في لندن حيث نشأت.

 

رحلتها إلى التفوّق على هذه الأرض المدمّرة كانت متعرّجة، والطريق ممتلئ بمعالم هذه الرحلة: من موظفّة في فريق مصرف “جي بي مورغان” إلى السيّدة الأولى الفاتنة التي اعتقدت أنّ من شأن الإصلاح الاجتماعي والأزياء الأنيقة تحديث دولة منبوذة

 

كانت بداية غير محتملة لزوجة الديكتاتور. وُلدت أسماء الأخرس في عام 1975 في أكتون (Acton)، وهو قطاع مأهول في غرب لندن مجاور للأحياء الأكثر ثراء بكثير.

وصل والدا أسماء إلى لندن في السبعينيات بحثاً عن فرص أفضل. ظلّت العائلة متديّنة في المنفى: كان والدها يحضر صلوات الجمعة، ولم تتخلَّ والدتها عن حجابها إلا بعد زواج أسماء. يصف الأصدقاء الأسرة بأنّها محافظة ثقافياً، ولكنّها حريصة على استيعاب أطفالها. في مدرستها الابتدائية المحليّة “كنيسة إنكلترا”، كانت أسماء تُعرف باسم إيمّا (Emma). ويتذكّر أحد الجيران قائلاً: “سيكون من الصعب عليك اعتبارها سورية”.

بدت أسماء وكأنّها تقدّر أهمية الحياة وسط النخبة في لندن. عندما كانت في سنّ المراهقة، ذهبت أسماء إلى واحدة من أقدم المدارس الخاصّة للبنات في بريطانيا، كلية كوينز، على بعد بضعة أبواب من العيادة الطبية الخاصة بوالدها في شارع هارلي (Harley). حصلت على شهادة في علوم الكمبيوتر في كليّة كينغز في لندن، حيث يتذكّرها كلٌّ من الأصدقاء والمنتقدين لها بأنّها ذكية ومجتهدة.

لا أحد يتذكّر أنّها أظهرت أيّ اهتمام بالشرق الأوسط. في زياراتها لدمشق مع والديها، كانت تقضي الوقت بجانب المسبح في فندق شيراتون. قال صديق للعائلة: “كانت إنكليزية جدّاً، وكأنّها لا تريد أن يكون لها أيّ علاقة بسوريا”.

ولم يُفاجأ سوى القليل من الأصدقاء والأقارب عندما حصلت على وظيفة في بنك الاستثمار “جي بي مورغان”، حيث يعمل الموظفون ما يصل إلى 48 ساعة بإيقاع سريع ومتعاقب، وأحياناً ينامون في المكتب. كان بعض المتدرّبين متهوّرين وطموحين بشكل علنيّ، لكنّ بول غيبس (Paul Gibbs)، مدير أسماء، يتذكّرها على أنّها “محتشمة ومهذّبة ومطيعة”، ترتدي بدلات سوداء بسيطة. تخصّصت أسماء في عمليات الدمج والاستحواذ (الخبرة التي أثبتت فائدتها في سوريا في وقت لاحق).

كانت تواعد مصرفيّاً غريباً، وكان لديها عروض زواج. وعلى الرغم من راتبها الوافر، واصلت العيش مع والديها عندما كانت تعمل في لندن. أمّا والدتها سحر فكان لديها مشاريع طموحة بشأن أسماء. عمّها الأكبر كان قد ساعد حافظ الأسد على الاستيلاء على السلطة. استغلّت سحر هذه الصلة للحصول على وظيفة في السفارة السورية في لندن. وحرصت على جمع أسماء وبشّار، الابن الثاني لحافظ، بحسب سام داغر، مؤلّف كتاب “الأسد أو نحرق البلد Assad or we burn the country . والتقى الاثنان عدّة مرات عندما كان بشار الطالب الطويل القامة في كلية الطب في لندن في التسعينيات.

نشأ بشار في ظلّ والده القائد، وكان الوحيد من بين ستة أشقّاء يدرس في الخارج. عدم تحمّله رؤية الدم جعله يتخصّص في طبّ العيون، وهو أحد التخصّصات الطبية الأقلّ شهرة. أستاذه إدموند شولنبورغ (Edmund Schulenburg) يقول إنّه كان بارعاً في تصريف الخرّاجات.

إقرأ أيضاً: أوهام العرب ومتاهة الأسد

كان مختلفاً عن والده حافظ، وعن شقيقه الأكبر الوريث المنتظر باسل. لكنّه كان يتطلّع أيضاً إلى النساء، وغالباً ما كان يواعدُ مَن تجاهلهم شقيقه. لكنّ اختيار الزوجة لم يكن قراره وحده. عندما توفي باسيل في حادث سيارة في عام 1994 (قيل إنّه كان يتسابق إلى مطار دمشق في سيارته المرسيدس)، وقع مصير سلالة الأسد فجأة على أكتاف بشار. وأصبح رئيساً بعد شهرين من وفاة والده في حزيران عام 2000، بعد انتخابات صوريّة. في هذه المرحلة، كانت أسماء ملتزمة مكتبها في “جي بي مورغان” لمدّة عامين. فجأة اختفت لمدة ثلاثة أسابيع من دون سابق إنذار. عند عودتها قالت لصاحب عملها إنّ سوريّاً مغامراً استدعاها إلى ليبيا حيث أبرم صفقة في خيمة في الصحراء.

استقالت أسماء فوراً، وتخلّت عن الدراسة في معهد الأعمال في جامعة هارفرد، وكانت حصلت لتوّها على مقعد فيه. لاحقاً أجابت عن سؤال صحافي قائلة: “مَنْ يفضّل هارفرد على الحبّ؟”.

 

*غداً في الحلقة الثانية: رفيق الحريري يساعد أسماء على أنيسة (2/4)

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…