بات من المؤكّد أنّ الملفّ السوري سيكون حاضراً على طاولة القمّة الثنائية، التي يعقدها الرئيسان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في “فيلا لاغراند” في مدينة جنيف السويسرية.
فقد قال بوتين يوم الأحد، في تصريح للتلفزيون الروسي، إنّه يأمل استئناف الحوار في القضايا ذات الاهتمام المشترك مع الولايات المتحدة، خصوصاً تلك التي تشمل الاستقرار الإستراتيجي والنزاعات الإقليمية، ولا سيّما في سوريا وليبيا. وقبل عدّة أيّام أعلن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، أنّ بايدن سيبحث القضايا المتعلّقة بسوريا مع بوتين، وقال: “ستكون سوريا على جدول الأعمال. موقفنا من قضية وصول المساعدات الإنسانية واضح جدّاً. نعتقد أنّه يجب أن توجد ممرّات إنسانية في سوريا لوصول المساعدات وإنقاذ الأرواح. وهذا بالتأكيد سيناقشه الرئيسان”.
يؤكّد أبو دياب أنّ “لبنان ليس ملفّاً مستقلّاً بالنسبة إلى القوّتين العالميّتين، بل يُنظر إليه من ضمن الترتيبات الجيوسياسية في المنطقة
وكان الكاتب جوش رُجين (Josh Rojin) أشار في مقالة رأي نُشرِت في صحيفة “واشنطن بوست” في 10 حزيران، إلى أنّ سوريا ستكون على جدول أعمال قمّة بايدن وبوتين. وقال: “إذا حقّق الرئيسان تقدّماً في ملف المساعدات الإنسانية في سوريا فإنّ ذلك يعدّ إشارة إيجابية إلى التعاون بين البلدين هناك (…) لكن إذا أصرّ بوتين على تجويع الشعب السوري يجب على بايدن التدخّل لمساعدتهم”.
وتهدّد موسكو بقطع آخر معبر للمساعدات الإنسانية عبر الحدود التركية السورية عند نقطة باب الهوى، يوفّر الغذاء والدواء للمناطق الخارجة على سيطرة نظام بشار الأسد.
وتشيع روسيا أنّها ستصوّت ضدّ تمديد القرار الأمميّ 2533 (تنتهي صلاحيته في 10 تموز)، الذي يتيح تقديم المساعدات عبر “باب الهوى”. وهي تريد أنّ تُرسل الأمم المتحدة مساعداتها عبر دمشق، وذلك في سياق خطتها لـ”شرعنة التعامل مع الحكومة السورية”، خصوصاً بعد “فوز” بشار الأسد بولاية جديدة.
ويُعتبر الجزء المتعلّق بسوريا، خلال قمة 16 حزيران، اختباراً رئيساً لكلا الجانبين. فهل بوتين مستعدّ لعقد صفقة يمكن أن تشكّل الأساس لمزيد من التعاون بينهما في سوريا؟ وهل إدارة بايدن على استعداد لجعل القضية السورية أولويّة، والضغط على روسيا في شأنها؟ ستكشف نتائج المحادثات بينهما حول سوريا مدى التزام الإدارة الأميركية بالارتقاء بحقوق الإنسان والديموقراطية وجعلهما أولوية في السياسة الخارجية الأميركية.
يرى مدير مؤسسة “فريمان سبوغلي للدراسات الدولية” مايكل مكفل في مقالة في “واشنطن بوست”، نُشِرت في 3 حزيران، أنّ “تصرّفات بايدن في شأن سوريا، خلال لقاء جنيف، ستكون اختباراً حاسماً لكيفية مقاومة الولايات المتحدة للتوسّع الصيني والروسي في المنطقة.”
ويقول: “قد يبدو تركيز القوة الديبلوماسية الأميركية على سوريا إلهاءً لفريق بايدن، الذي يسعى إلى تحويل الأموال بعيداً من الشرق الأوسط لمنافسة الصين روسيا”. لكنّه يضيف أنّ “هذه المنافسة تحدث في جميع أنحاء العالم”.
يريد بايدن عقد هذا اللقاء لإثبات أنّه “ديبلوماسي حقيقي” بعكس سلفه دونالد ترامب، وهو القائل إنّ الديبلوماسية هي وسيلة لمناقشة الأشخاص الذين لا يوجد شيء مشترك معهم، وإذا أمكن، لتقريب وجهات النظر معهم
في السياق عينه، يشير أستاذ العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر، في اتصال مع “أساس”، إلى أنّ “القضية السورية ستكون ملفّاً أساسياً على طاولة اللقاء الروسي الأميركي في جنيف، وهو ما يؤكده التسخين الميداني على عدّة محاور في إدلب وحلب، استباقاً للقمّة وللقاء بايدن مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش اجتماع “حلف شمال الأطلسي” في بروكسل الاثنين المقبل”.
ماذا عن لبنان؟
يلفت أستاذ العلاقات السياسية الدولية في جامعة باريس خطّار أبو دياب إلى أنّ “أنباء تتحدّث عن أنّ الفاتيكان نجح في إدراج الملفّ اللبناني على طاولة القمّة بين الرئيسين بايدن وبوتين في جنيف، لكن لا معلومات أكيدة في هذا الشأن، بل هي مجرّد أنباء متداولة”.
ويؤكّد أبو دياب أنّ “لبنان ليس ملفّاً مستقلّاً بالنسبة إلى القوّتين العالميّتين، بل يُنظر إليه من ضمن الترتيبات الجيوسياسية في المنطقة”. وهو ما يشير إليه أيضاً الدكتور نادر، إذ يلفت إلى أنّ “لبنان غير موجود على طاولة هذه القمّة”، معتبراً، كما الدكتور دياب، أنّ “الملفّ اللبناني مرتبط بالملفّ السوري بالنسبة إلى روسيا”.
ويرى دياب أنّ “بناء واشنطن أكبر سفارة لها بالمنطقة في لبنان دليل على اهتمامها بلبنان”. ويرجّح أن “تكون قضايا الشرق الأوسط غائبة عن القمّة، باستثناء الملف الفلسطيني – الإسرائيلي الذي قد يطرح لماماً، وهو ما أشار إليه لافروف أخيراً”.
الأهداف غير المعلنة…
على الرغم من خفض موسكو وواشنطن توقّعاتهما لنتائج قمّة جنيف، فإنّ مجرّد انعقادها مهمّ جداً بالنسبة إلى الرئيسين بوتين وبايدن، مع الأخذ في الاعتبار أنّ جوانب كثيرة من المحادثات بين الطرفين ستبقى طيّ الكتمان، وخصوصاً تلك المتعلّقة بالملف الصيني الذي يعدّ الأولوية الأميركية القصوى.
يريد بايدن عقد هذا اللقاء لإثبات أنّه “ديبلوماسي حقيقي” بعكس سلفه دونالد ترامب، وهو القائل إنّ الديبلوماسية هي وسيلة لمناقشة الأشخاص الذين لا يوجد شيء مشترك معهم، وإذا أمكن، لتقريب وجهات النظر معهم. ولعلّ القضية الرئيسة، بالنسبة إلى بايدن خلال قمّة 16 حزيران، هي احتواء التوسّع الصينيّ. ولذلك يجب ترك الباب مفتوحاً أمام بوتين لكي لا يصبح كلّياً في الحضن الصيني، ويكون مستعدّاً للعمل مع الأميركيين والأوروبيين. مع العلم أنّ مايكل مكفل يرى في “واشنطن بوست” أنّه لا ينبغي لسياسة بايدن تجاه روسيا أن تصبح مشتقّة من سياسته تجاه الصين. ومن المرجّح أن يناقش الرئيسان الصراع الدائر بين بلديْهما في سيبيريا بعيداً من الكاميرات، والذي يعدّ أساسياً بالنسبة إلى أمن البلدين واقتصادهما.
مجرّد دعوة بايدن لبوتين لعقد اللقاء هو انتصار للأخير، إذ يشكّل اعترافاً أميركياً بالقوّة الروسية، ولذلك حفلت الأدبيّات الروسية عشيّة القمّة بإبراز عبارات الندّيّة في التعامل مع واشنطن
وكان التصدّي للتوسّع الصيني هيمن على اجتماعات مجموعة الدول السبع (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بريطانيا، كندا، اليابان والولايات المتحدة)، التي عقدت في إنجلترا عشية لقاء جنيف، وسط معلومات عن تعهّدات بضخّ مليارات الدولارات في البنى التحتية للدول الفقيرة، وذلك للردّ على مشروع “الحزام والطريق” الصيني. لكن الدكتور نادر يرى أنّ “الأوروبيين والأميركيين لا يملكون المقاربة نفسها تجاه الصين، إذ يبقى التهديد الروسي أولوية بالنسبة إلى أوروبا”. وبالفعل حاول الرئيس الأميركي إقناع زملائه في قمة مجموعة السبع باتخاذ موقف أكثر صرامة ضدّ الصين، إلا أنّ بعض القادة الأوروبيين لم يشاركوه نظرته إلى الصين باعتبارها تهديداً وجودياً.
وتسعى إدارة بايدن إلى دفع الأوروبيين أكثر نحو المحيط الهادئ بهدف احتواء التوسّع الصيني، ولذلك هي تخفّف تحفّظاتها على إنشاء أوروبا قوة دفاعية، مقابل تشدّد أوروبي أكبر تجاه الصين.
أمّا بالنسبة إلى بوتين، رئيس الدولة الأقدم بين نظرائه على الساحة الدولية، فهو يريد أن يظهر للأوروبيين أنّه المحاور الرئيس للولايات المتحدة في القارة الأوروبية، وأنّه يستطيع التحدّث مع قوّة عظمى، هي الولايات المتحدة، من الندّ إلى الندّ، وهو ما يعكس حنيناً روسيّاً دائماً إلى استعادة موقع روسيا على الساحة الدولية خلال حقبة “الحرب الباردة”.
وفي السياق عينه، كانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد أشارت إلى أنّ بين بايدن وبوتين فرقاً يتمثّل في كون الرئيس الأميركي يأتي إلى القمّة وكلّ الأنظار في الداخل مسلّطة عليه، في حين يذهب بوتين إلى جنيف وكأنّه حقّق هدفاً طالما سعى إليه، ألا وهو كسب روسيا الاحترام على المسرح الدولي.
خاتمة
يصل الرئيس الأميركي إلى جنيف للقاء نظيره الروسي منتشياً بما حقّقه خلال جولته الأوروبية، سواء في قمّة مجموعة السبع التي قال عنها إنّها “اجتماع تعاوني ومثمر بشكل غير عادي”، أو في قمّة “الناتو”. وهو حقّق نجاحاً على مستوى الملفّات الثلاثة التي بحثها مع نظرائه في G7، وهي كورونا والصين والتغيّر المناخي، أو ما أطلق عليه رزمة 3C (.(COVID-19, CLIMATE, CHINA وليس قليل الدلالة، في هذا السياق، قول بايدن، إثر انتهاء “قمّة مجموعة السبع”، إنّ “أميركا عادت للعمل على قيادة العالم، إلى جانب الدول التي تشاركنا قيمنا المتجذّرة”، وهو ما يحيل إلى الشعار الذي أطلقه عقب انتخابه: أميركا عادت، America is back.
ولعلّ ضغط قادة مجموعة السبع على روسيا، من خلال دعوتها إلى وقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار، وإلى إجراء تحقيق حول استخدام أسلحة كيميائية على أراضيها، ووضع حدّ للقمع الممنهج للمجتمع المدني، وكشف المسؤولين عن شنّ هجمات إلكترونية، يشكّل ورقة قوّة بيد بايدن خلال لقائه بوتين.
في المقابل، فإنّ مجرّد دعوة بايدن لبوتين لعقد اللقاء هو انتصار للأخير، إذ يشكّل اعترافاً أميركياً بالقوّة الروسية، ولذلك حفلت الأدبيّات الروسية عشيّة القمّة بإبراز عبارات الندّيّة في التعامل مع واشنطن.
ويقول مايكل مكفل إنّ بوتين لن يعرض على بايدن مباحثات إبداعية لتحقيق نتائج مريحة للطرفين، بل هو يهدف فقط إلى الحصول على تنازلات من نظيره الأميركي. بهذا المعنى فإنّ بوتين آتٍ إلى القمّة بإحساس مسبق بالفوز.
إقرأ أيضاً: بوتين – بايدن: موعد في جنيف… من القرن 18 (1/2)
ما قاله الرئيس الأميركي بالأمس عن أنّه كان يتكلّم “بصدق” حين وصف بوتين بـ”القاتل”، وأنّه سيوضح لبوتين أنّه “إذا اختار عدم التعاون فسنردّ بالمثل” و”سنوضح أين الخطوط الحمراء”، وأنّ وفاة المعارض الروسي أليكسي نافنالني “ستضرّ بالعلاقات بين روسيا وبقية العالم والولايات المتحدة”… يظهر أنّ بايدن يريد الدخول إلى قاعة الاجتماع في جنيف متمسّكاً برأيه في بوتين شخصياً، لكن هذا لا يمنع أنّه على الرغم من التوتّرات والخلافات بين الجانبين فإنّ من المهمّ، خلال هذا النوع من القِمم، أن يغادر الطرفان، لا طرف واحد، بإحساس النصر… وإلّا فإنّ أيّ تقدّم في التعاون بينهما سيكون صعباً جدّاً.