نيقولاس بيلهام – Nicolas Pelham (The Economist)
كشفت مجلة economist” “The اللثام عن تفاصيل شخصية ومسار عقيلة الرئيس السوري أسماء الأسد، ملقيةً الضوء على أحداث وقصص لم يعرفها الناس من قبل، من شأن الإضاءة عليها الإجابة عن كثير من الأسئلة المبهمة المطروحة حول النظام السوري الحالي، وما ينتظره في الأيام المقبلة.
وهذه الحلقة الرابعة والأخيرة.
في عام 2016، توقّفت الأمم المتحدة عن إحصاء القتلى، عندما وصل الرقم إلى نصف مليون تقريباً، إضافةً إلى نزوح أكثر من 10 ملايين. وعندما توفّيت أنيسة، والدة بشار، في شباط من ذاك العام، فقدت أسماء أقوى خصومها. ومع ذلك، كان التغيير الأكبر في حياتها هو محنة شخصية مرهقة. ففي عام 2018، كُشف عن إصابة أسماء بسرطان الثدي. لم يمنعها المرض من إدارة صورتها العامة بعناية، أو التأكّد من أنّ الجميع يعرفون أنّها بقيت في سوريا لتلقّي علاجها. وقد وثّقت وسائل الإعلام الحكومية، وعلى قنوات التواصل الاجتماعي التابعة للرئاسة، نضالها ضدّ السرطان بالتفصيل، حتّى إنّها صُوّرت وهي تُنقل إلى غرفة العمليّات.
في عام 2018، كُشف عن إصابة أسماء بسرطان الثدي. لم يمنعها المرض من إدارة صورتها العامة بعناية، أو التأكّد من أنّ الجميع يعرفون أنّها بقيت في سوريا لتلقّي علاجها. وقد وثّقت وسائل الإعلام الحكومية، وعلى قنوات التواصل
وعندما سقط شعرها، التُقطت لها صورة وهي ترتدي الحجاب الأنيق، ظهر فيها الضعف والقوّة على حدّ سواء، وهي استعارة رمزية لا تقاوم لنضال زوجها ضدّ الثورة. “تهانينا لك بانتصارك على السرطان”، بادرها أحد المحاورين التلفزيونيين. “شكراً لك”، أجابت أسماء. “وآمل أن نحتفل قريباً بانتصار سوريا”.
وقبل أن تتعافى تماماً، أظهرت وسائل الإعلام الموالية للحكومة مشاركة أسماء في أحزان سوريا، عندما رافقتها طواقم تصوير، حين كانت تطرق الأبواب في قرى المرتفعات الفقيرة، وتعانق أمّهات الشهداء المندهشات، وتعرض عليهنّ الصدقات.
وعلى الرغم من أنّ أسماء كانت تدير ظهرها للغرب، إلا أنّ صلتها مع المانحين الدوليين استمرّت. وبالنسبة إلى وكالات الأمم المتحدة التي تتطلّع إلى إيصال المساعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، كانت منظمة “الأمانة السورية للتنمية” جهة لا تُقدّر بثمن: فقد كان موظّفوها الناطقون باللغة الإنكليزية على دراية بالأنظمة الدولية. ويمكن لأسماء فتح الأبواب ونقاط التفتيش. وبحلول عام 2017، كان يُرسل المزيد من أموال الأمم المتحدة إلى هذا الصندوق التنموي أكثر من أيّ منظمة سورية أخرى تقريباً.
غالباً ما تتعامل الأمم المتحدة مع جهات فاسدة ومتوحّشة: في كثير من البلدان هذه هي الطريقة الوحيدة لإيصال المساعدات. وقد صُدِم الموظفون المخضرمون في الأمم المتحدة بالدرجة التي تتعاون بها الأمم المتحدة مع المنظمات الحكومية السورية. وبين 2016 و2019، تلقّى الصندوق السوري مبالغ متزايدة من الأموال من وكالات الأمم المتحدة كلّ عام (تبرّعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وحدها بمبلغ 6.5 ملايين دولار في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2018). وفي عام 2020، بلغ عدد العاملين في المنظمة 1500 تقريباً، أي عشرة أضعاف العدد في عشر سنوات. وكونها رئيسةً لمنظمة الأمانة السورية للتنمية، كسبت أسماء أكثر من ثروة. فبمساعدة الأمم المتحدة، طوّرت شبكة واسعة من المحاسيب شملت أمراء الحرب السوريين. وورد أنّ الناس أظهروا امتنانهم لحمايتها وإحسانها في شكل حقائب مليئة بالنقود سُلّمت إلى المؤسسات التي ارتبطت بها.
باتت وسائل الإعلام الحكومية تخصّص بثّاً متزايداً لـ”سيّدة الياسمين”. وشوهدت ملصقات ضخمة لصورتها في مسقط رأس والديها في حمص، تغطّي كتلاً سكنيّة بأكملها
أفادت أسماء من اقتصاد الحرب بشكل مباشر أكثر فأكثر. فقد فازت شركة ترتبط بها بعقد حكومي لإدارة بطاقات الدفع الذكية. وأطلقت موزّعاً للهاتف المحمول يدعى إيماتل. وللاسم صلة باسمها وهي طفلة. وقد سُجّل هذا الموزّع باسم خضر علي طاهر، الذي يشير إليه أحد رجال الأعمال بأنّه “واجهة أسماء في كلّ شيء”.
أصبحت عائلة أسماء ذات نفوذ متزايد في الاقتصاد السوري. وتقول مواقع إخبارية سورية (بعضها تابع للمعارضة) إنّ شقيقها فراس وابن خالتها مهنّد الدبّاغ يديران فعليّاً شركة البطاقات الذكية نيابةً عنها. ووصف تقرير، صدر أخيراً عن موظف سابق في السفارة الأميركية في دمشق، ابن عمّها طارق الأخرس بأنّه “أحد أبرز الشخصيات الاقتصادية في النظام”. وفي كانون الأول، استهدفت الحكومة الأميركية آل الأخرس بالعقوبات.
بحلول عام 2019، كان الروس يضغطون على بشار لدفع ديون الدولة السورية، فيما كان الأميركيون يشدّدون العقوبات على النظام. احتاجت الحكومة السورية بشدّة إلى المال، فبحث آل الأسد عن هدف، فكان رامي مخلوف ابن خال الرئيس، الذي أفاد، على مدى عقود، من علاقاته بالأسرة الحاكمة لتأسيس إمبراطورية من الشركات، أهمّها شركة الاتصالات سرياتيل.
ومع وفاة أنيسة، فَقَد مخلوف حاميه. وقد استولى الصندوق السوري التابع لأسماء على جمعية مخلوف الخيرية التي كانت تُستخدم لإرضاء العلويّين. وضعت الحكومة سيرياتيل
في الحراسة القضائية. جُمّدت حسابات مخلوف المصرفية، وعُيّن رجال أسماء في مجالس إدارة شركاته.
حاول مخلوف الردّ، فأطلق فيديو على صفحته على فيسبوك في 20 أيار 2020، متّهماً فيه أفراداً في قمّة السلطة بالتآمر عليه. وفي الوقت نفسه، نشر الإعلام الروسي تقارير، نقلاً عن مصادر عربية، تفيد بأنّ بشار أنفق 30 مليون دولار لشراء رسم ديفيد هوكني (David Hockney) من أجل أسماء (القصّة كانت مزيّفة). بقي رامي في الاحتجاز المنزلي الجزئي، وأُشيع أنّه أُبقي حيّاً لأنّه يحمل شيفرات أصول في الخارج تقدّر قيمتها بـ 10 مليارات دولار.
باتت وسائل الإعلام الحكومية تخصّص بثّاً متزايداً لـ”سيّدة الياسمين”. وشوهدت ملصقات ضخمة لصورتها في مسقط رأس والديها في حمص، تغطّي كتلاً سكنيّة بأكملها. الوزراء يضعون صورتها في مكاتبهم إلى جانب صورة بشار. بعد التحرّر من أعدائها في الدائرة الضيّقة، بدأ مستشاروها المقرّبون يملأون المناصب في القصر. “بإمكانها تعيين مَن تشاء”، بحسب رجل أعمال يتنقّل بين دمشق وأوروبا.
إقرأ أيضاً: حكاية أسماء الأسد (3/4): قمعت الثورة.. وهي تشتري أحذية
“في دمشق والعواصم الأجنبية على حدّ سواء، يسأل السوريون علناً: هل لديها طموحات سياسية للتسلّق إلى القمّة؟ إنّها أقوى من أيّ وقت مضى، لكنّها أيضاً أكثر عرضة للخطر. حتى الحديث عن الطموحات الرئاسية قد يشكّل خطراً على أسماء. وعلى الرغم من أنّ العديد من أصدقاء أسماء نأوا بأنفسهم عنها قبل سنوات، إلا أنّهم لا يزالون قلقين عليها. يقول رجل الأعمال السوري المعروف وفيق السعيد إنّ “أسماء تدرك منذ زمن طويل أنّه لم يعد ممكناً العودة إلى الوراء”.
لقراءة النص الأصلي: اضغط هنا