لم يكن شربل وهبة، الذي كان يتولّى حقيبة وزارة الخارجية اللبنانية، طائراً خارج سربه. إنّه يجسّد الانحراف الفكري، الذي تقوم عليه ثقافة حزب سياسيّ يتحكّم بالدولة اللبنانية وبمفاصلها السياسية والإدارية من الرأس إلى القاعدة. إنّه عضو في هذا الحزب فحسب. إنّ عضويته، وليست خبرته أو تجربته الدبلوماسية، هي التي أوصلته الى أن يتربّع على رأس الدبلوماسية اللبنانية في غفلة من الزمن. لم يرتفع إلى مستواها التاريخي المشرّف، ولكنّه هبط بها إلى المستوى الجاهليّ الذي يندى له الجبين خجلاً.
فماذا ننتظر عندما يُعطى الأمر لغير أهله.
إنّ الولاء الشخصيّ لا يشكّل كفاءة، لكنّه، في هذا العهد غير الميمون، يشكّل باباً للوصول وسلّماً للصعود، ثمّ سبباً للسقوط المدوّي.
إنّ سقوط شخصيّة من هذا النوع أمرٌ طبيعي. ولكن أن يشدّ معه الدولة اللبنانية في سقوطه إلى حيث يتهاوى مترنّحاً بجهله وفشله، فتلك جريمة لا تُغتفر.
إنّ الولاء الشخصيّ لا يشكّل كفاءة، لكنّه، في هذا العهد غير الميمون، يشكّل باباً للوصول وسلّماً للصعود، ثمّ سبباً للسقوط المدوّي
لم يحترم الرجل حتّى اسمه. فليس فيه شيء من شربل (قدّيس لبنان)، وليس فيه شيء من الهبة. فهو لم يسِئ إلى مصالح لبنان في المملكة العربية السعودية وفي دول مجلس التعاون الخليجي فقط، بل أساء إلى لبنان في الدرجة الأولى. حتّى لو لم تكن للبنان مصالح في هذه الدول الشقيقة، فإنّ منطقه العنصري غير المبرَّر، الذي يقوم على جهل مطبق، يستحقّ كلّ إدانة، ويستحقّ عليه كلّ عقاب.
إنّ انتقاد ما ورد على لسانه لا ينطلق من الحرص على مصالح لبنان في هذه الدول الشقيقة والدفاع عنها، ولكنّه ينطلق أساساً من قاعدة العلاقات الأخوية والقومية والإنسانية التي تجمع شعب لبنان إلى شعوب العالم جميعاً، وخاصة إلى شعوب الدول العربية الشقيقة.
من هنا، ليست إدانة ما جاء على لسانه دفاعاً عن مصالح لبنانيين يعملون في المملكة وفي دول مجلس التعاون، ولا حرصاً على استمرار التبادل التجاري مع هذه الدول الشقيقة، ولكنّها موقف أخلاقي ومبدئي. فقد بلغ بالوزير السابق من الإسفاف أن يحكم على الإنسان من خلال ملابسه، أو من خلال ربطة العنق. فمعها يكون بنظره حضارياً، ومن دونها يكون بدوياً. ثمّ من قال له إنّ البدوي جاهل بالضرورة؟ لقد أثبت هو نفسه بكل قيافته التي كان عليها أثناء المقابلة التلفزيونية أنّه أجهل الجاهلين، منطقاً وسلوكاً.
إنّ انتقاد ما ورد على لسانه لا ينطلق من الحرص على مصالح لبنان في هذه الدول الشقيقة والدفاع عنها، ولكنّه ينطلق أساساً من قاعدة العلاقات الأخوية والقومية والإنسانية التي تجمع شعب لبنان إلى شعوب العالم جميعاً، وخاصة إلى شعوب الدول العربية الشقيقة
يؤلمنا أن نقول هذا الكلام عن “وزير” كان في غفلة من الزمن على رأس دبلوماسية الدولة اللبنانية، الدولة الرسالة، كما وصفها البابا الراحل يوحنّا بولس الثاني، رسالة المحبة والاحترام والعيش المشترك. فإذا برأس هرمها الدبلوماسي يجعل منها، أو يصوّرها أمام العالم، دولة عنصرية. ألا يكفي لبنان أنّه انهار، بسبب سوء حكم السلطة التي ينتمي إليها، إلى مستوى الدولة الفاشلة؟
فما معنى هذا الإمعان في الفشل؟ ولماذا؟.. وإلى متى؟
إنّ من يعيّرهم الوزير بالبداوة أناروا الصحراء.. واللبنانيّون يبيتون في الظلام بسبب عبقرية سلطته المتمدّنة!.. ثمّ وصلوا إلى المريخ.. فيما لا تزال هذه السلطة غارقة حتّى أذنيها في أكوام النفايات التي تملأ شوارع العاصمة والمدن اللبنانية الأخرى. لقد مكننوا أجهزة الدولة، فيما تقوم الجرذان والفئران بنهش ملفّات وأرشيف وزارات الدولة اللبنانية أو ما تبقّى منها.
إقرأ أيضاً: شربل وهبة… ميشال عون السياسيّ
لذلك كان يُفترض برئيس حكومة تصريف الأعمال أن يبادر، بالتوافق مع رئيس الجمهورية، إلى إقالة الوزير. ما كان يجوز لهما انتظار استقالته. فالوزير يعبّر عن الدولة وليس عن نفسه، وكي تقطع الدولة صلتها بالترّهات التي ردّدها، كان يُفترض أن تقيله وتحاسبه، وليس أن تنتظر استقالته التي جاءت تحت ضغط الرأي العام اللبناني وسخطه. لكن يبدو أنّ الذين قبلوا استقالته يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وبئس ما في هذه القلوب من حقد وكراهية.
إنّ الحكم أمانة. وسوء الحكم خيانة للأمانة.
كانت في كلام الوزير إساءة. وكانت في عدم إقالته إساءة. والإساءات تتراكم حتّى بدأت “النصال تتكسّر على النصال”.